برلماني: الحكومة الجديدة أمامها مهمة صعبة في ظل التحديات التي تواجهها الدولة    الفريق أول محمد زكى يفتتح أعمال تطوير أحد مراكز إدارة التدريب المهنى    محافظ أسوان يعطى إشارة البدء في تشغيل أكبر مشروع للصرف الصحي بقرية الكاجوج    «الخارجية الأمريكية»: هناك من يعارض صفقة إطلاق المحتجزين بالحكومة الإسرائيلية    بلينكن في اتصال مع بن فرحان: حماس تعطل وقف إطلاق النار    برلمان سلوفينيا يصوت لصالح الاعتراف بدولة فلسطين    الزمالك يفوز على النصر بثلاثية في تجربة ودية قوية    محافظ الدقهلية يتابع حادث انهيار منزل ميت غمر    فوز الدكتور إبراهيم عاشور نائب رئيس جامعة القناة الأسبق بجائزة العطاء والوفاء    حب حياتي.. حمو بيكا يحتفل بعيد ميلاد زوجته    70 عضوا بالكنيست يوقعون على عريضة تدعو للموافقة على صفقة التبادل    قبل عرضه في السينمات.. قصة وأبطال فيلم اللعب مع العيال    ضياء رشوان موجها رسالة للحكومة الجديدة: أتمنى مخاطبة الناس بشكل متواصل    ماذا تفعل في أيام العشر من ذي الحجة؟.. 8 أعمال احرص عليها    وكيل وزارة الصحة بالبحيرة يفتتح ورشة عمل لجراحة المناظير المتقدمة بمستشفى إدكو    رئيس هيئة الدواء يشارك في ندوة «اعتماد المستحضرات الصيدلية»    "الإفتاء": ذبح الأضحية في الشارع محرم ولا يليق بشعائر الله    الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة تعلن عن خطتها لموسم الحج 1445ه    خبير اقتصادي: السوق المالي سيشهد صعودًا وبقوة الفترة المقبلة    تشكيل منتخب إيطاليا أمام تركيا استعدادًا لنهائيات يورو 2024    جامعة أسيوط تعلن عن منح عبر برنامج "من أجل المرأة في العلم"    الخارجية الأمريكية: وقف إطلاق النار في غزة مقترح إسرائيلي وليس أمريكيا    إصابة سيدتين وطفلة في حادث تصادم بالصحراوي الغربي شمال المنيا    موعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 2024    عاجل| كبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط يزور المنطقة الأسبوع الجاري    ديشامب يعلق على انتقال مبابى الى ريال مدريد ويشيد بقدرات نجولو كانتى    طريقة عمل قرع العسل، تحلية لذيذة ومن صنع يديك    مصادر تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين موسكو والخرطوم    محافظ دمياط تشهد افتتاح 6 مدارس بمركز فارسكور    المؤتمر الطبي الأفريقي يناقش التجربة المصرية في زراعة الكبد    إجلاء مئات المواطنين هربا من ثوران بركان جبل كانلاون في الفلبين    حسام حسن: لم أكن أرغب في الأهلي وأرحب بالانتقال للزمالك    شقيق المواطن السعودي المفقود هتان شطا: «رفقاً بنا وبأمه وابنته»    لاستكمال المنظومة الصحية.. جامعة سوهاج تتسلم أرض مستشفى الحروق    المنتج محمد فوزى عن الراحل محمود عبد العزيز: كان صديقا عزيزا وغاليا ولن يعوض    رسميًا.. طرح شيري تيجو 7 موديل 2025 المجمعة في مصر (أسعار ومواصفات)    لحسم الصفقة .. الأهلي يتفاوض مع مدافع الدحيل حول الراتب السنوي    فليك يضع شرط حاسم للموافقة على بيع دي يونج    فرحات يشهد اجتماع مجلس الجامعات الأهلية بالعاصمة الإدارية الجديدة    حكم صيام ثالث أيام عيد الأضحى.. محرم لهذا السبب    ونش نقل أثاث.. محافظة الدقهلية تكشف أسباب انهيار عقار من 5 طوابق    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    ضبط 3 أشخاص بحوزتهم 12 كيلو أفيون مخدر قيمته 1.2 مليون جنيه    وزارة التعليم توجه تعليمات لطلاب الثانوية العامة استعداداً للامتحانات    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالجيزة    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    "تموين الإسكندرية" تعلن عن أسعار اللحوم في المجمعات الاستهلاكية لاستقبال عيد الأضحى    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    أمير هشام: كولر يملك عرضين من السعودية وآخر من الإمارات والمدرب مستقر حتى الآن    علام والدرندلى يشهدان تدريبات المنتخب الأوليمبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصام محفوظ 1939 2006
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 12 - 2016

تميز عصام محفوظ المثقف اللبنانى بأنه جمع فى عمله الثقافى بين الكتابة المسرحية والشعر والنقد الأدبى والبحث فى ميادين الفكر الإنسانى عبر ممثليه الكبار فى مشارق الأرض ومغاربها. وقدم للقارئ العربى فى هذه الميادين جميعاً معرفة واسعة، وترك للمكتبة العربية تراثاً ثقافياً غنياً. ولا يتعلق الأمر هنا بعبقرية هذا المثقف اللبنانى وحسب، ولا بكونه أبدع فى تلك الميادين الثقافية المتعددة، وحسب. بل إن ما يلفت النظر فى مثال عصام محفوظ هو أنه تطوع للقيام بعمل تنويرى وتثقيفى لأجيالنا، تجاوز كثيرين ممن سبقوه فى هذه المهمة الجليلة قديماً وحديثاً. وتمثل دوره هذا بنوع خاص فيما كتبه بعناية فائقة عن المفكرين الكبار فى عصور التاريخ المختلفة، سواء منهم الذين ينتمون إلى تراثنا العربي، أم الذين يتوزعون على تراث شعوب العالم وأممه المختلفة. إلا أن هذا العمل التنويرى الريادى الكبير لم يشغل عصام محفوظ عن متابعة عمله الإبداعى فى الشعر أولاً، ثم فى المسرح خصوصاً، ثم فى النقد الأدبي، ثم فى ترجمة أعمال شعرية منتقاة لبعض كبار شعراء العصر من أمثال إلوار وآراغون وريتسوس وجورج شحادة، ومعهم كبير شعراء الحداثة رامبو، معجزة القرن التاسع عشر الفريدة فى الشعر وفى دلالاته فى تلك الحقبة المتصلة بكومونة باريس ولما بعدها.
لقد كانت الصفحة الأسبوعية فى جريدة “النهار” اللبنانية المجال المميز لعصام محفوظ. فهى قد أتاحت له القيام بمهمته التنويرية المشار إليها على أفضل وجه. وكنت مواظباً على قراءة كتاباته فيها على امتداد عقود ثلاثة. وكانت مصدراً من المصادر التى أغنت معرفتى بالكثير من القضايا التاريخية القديمة والمعاصرة، وأغنت معرفتى بالكثيرين من كبار رواد الفكر والأدب والفن، وبالكثير من الأحداث التاريخية الكبرى فى بلداننا وفى العالم. وكنت ألح على عصام دائماً لكى ينشر أبحاثه تلك فى كتب لكى يكون بإمكان الأجيال المتعاقبة الإستفادة منها. وبالفعل فقد أصدر قسماً كبيراً من تلك الأبحاث بعد تدقيقها وتنقيحها فى عدد من الكتب قبل أن يغادر الحياة. وكانت وفاته نهاية مأساوية لحياته المعاصرة. وكأنه كان يتنبأ بمأساة حياته فى حلقتها الأخيرة حين كتب بعض مسرحياته التراجيدية.
بدأت الصداقة بينى وبين عصام منذ مطالع سبعينات القرن الماضي. وظلت تتوطد وتترسخ إلى أن بلغت قمتها فى العقدين الأخيرين اللذين سبقا رحيله، وحين أصيب بالشلل النصفى فى العام الأخير من حياته. كنت إلى جانبه مع شلة من أصدقائه المقربين إليه.
كان عصام يعيش وحيداً عندما أصيب بجلطة فى الدماغ. وهى الجلطة التى تركت تأثيرها المباشر والعميق على كل مناطق الحياة فى جسمه، وقادته بالتدريج إلى الوفاة.
ألّف عصام الكثير من الكتب. وأحب أن أتوقف هنا عند بعض هذه الكتب التى استحوذت على اهتمامي. الكتاب الأول هو الذى تحدث فيه عن رواد النهضة وصاغ حواراً متخيلاً معهم. الكتاب الثانى هو الذى تحدث فيه عن متمردى التراث. الكتاب الثالث هو الذى تحدث فيه عن ابن عربي. الكتاب الرابع هو الذى تحدث فيه عن رامبو، رائد الحداثة الشعرية فى العالم المعاصر. الكتاب الخامس هو الذى روى فيه تاريخ المسرح العربي. وهو كتاب من جزئين. الكتاب السادس هو الكتاب الذى أعطاه عنوان : “أساتذتنا فى القرن العشرين”. ويضم هذا الكتاب مجموعة دراسات تناول فيها عصام عدداً من كبار مفكرى العصر الحديث فى شتى ميادين المعرفة. أما الكتاب السابع فهو الكتاب الذى يحمل عنوان “سجالات القرن العشرين الفكرية والسياسية” الذى توقفت فيه فى شكل خاص عند شخصية “جان جوريس” أبرز أبطال الأممية الاشتراكية الذى وقف ضد دخول فرنسا فى الحرب العالمية الأولى وأرسل إليه من أطلق الرصاص عليه عقاباً له على موقفه وظل رمزاً تاريخياً للإشتراكية الفرنسية.
فى قراءتى لهذه الكتب وجدت أنها تتميز بسمتين اساسيتين: السمة الأولى تتمثل فى هذا الشكل الجديد الفذ من الكتابة، سواء فى صيغة حوار متخيل مع رواد النهضة، أم فى صيغة استحضار معاصر لمواقف كبار متمردى التراث فى بلداننا وفى العالم. السمة الثانية تتمثل بالفكرة التى تحكم كل هذه الكتابة عند عصام، الفكرة التى تتمحور حول استحضار الماضى فى أرقى إبداعاته، لكى يكون فى خدمة الحاضر بهدف الانارة والتنوير. وهاتان السمتان المتكاملتان هما اللتان تجعلان من هذه الكتب والكتابات قمة فى عمل عصام محفوظ وهو يتصدى لتلك المهمة التنويرية بامتياز.
ولا يسعني، وأنا أبدى إعجابى باختيار المؤلف لهذه النماذج الفذة من الرواد فى التراث العربي، وإعجابى بطريقته فى إلقاء الضوء على أفكارهم وعلى مواقفهم، إلا أن اشير إلى أن عصام محفوظ، الذى يحاور متمردى التراث هو ذاته مثقف متمرد معاصر. هو متمرد، فى الدرجة الأولى، على السائد من الأفكار. وهو متمرد حتى على السائد المهزوم المنهار من الفكر اليسارى الإشتراكى الذى انتمى إليه. وهو متمرد على السائد المبتذل من الطرائق التى جرى فيها تقديم رواد الفكر العربى إلى الأجيال الجديدة، القديم من هذا الفكر فى أزمنته المختلفة، والحديث منه فى أزمنته المختلفة. والإستثناءات القليلة الرفيعة المستوى فى تقديم هؤلاء الرواد تؤكد ما أشير إليه ولا تنفيه. بل إن عصام محفوظ هو متمرد على اللغة وعلى الأسلوب اللذين تجرى بواسطتهما معالجة ومناقشة أفكار وسير هؤلاء الرواد. الا ان تمرده الأكبر هو فى نمط حياته، فى سلوكه، فى تواضعه وفى كبريائه. إذ هو أعطى، فى مجمل هذه الأمور، صورة حقيقية ناصعة للمثقف بعامة، وللمثقف الديمقراطى النقدى بخاصة. وهو قد استمر يرفض بإباء، على امتداد حياته كلها، أن يتنازل عن ذرة من كرامة المثقف والانسان فيه، وعن قناعاته وعن انتماءاته وعن التزاماته. وكان عليه أن يدفع ثمناً باهظاً لموقفه المستقل المتمرد ذاك. إن عصام، بهذه السيرة المكتظة بالقيم، إنما أعطى للأدب وللفكر، ليس فى النصوص وحسب، بل فى تطابق هذه النصوص وتلازمها مع السلوك، معنى آخر حقيقياً للثقافة وللمثقف فى عصر عولمة الرأسمال، العصر الذى يتحول فيه كل شيء، حتى الثقافة والقيم، إلى سلع تباع وتشترى فى السوق فى أبشع الصور المعروفة والمتداولة للسوق.
غادرنا عصام محفوظ قبل الوقت الحتمى للغياب. مات احتجاجاً على الزمن العربى الرديء. مات احتجاجاً على الوضع الذى أصاب الثقافة فى بلداننا، واحتجاجاً على تجاهل الدور الريادى الذى لعبه فى كل ما كتبه قديماً وحديثاً.
لمزيد من مقالات كريم مروَّة;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.