كنت فى زيارة علاجية، إلى ألمانيا، فى الأسبوع الماضي، وهو ما تناولته بشئ من التفصيل فى مقالى السابق. والحقيقة أنه قد هالنى ما رأيته من تقدم فى مستوى التعليم، دفعني، بالطبع، إلى التفكير فى نظيره المصري، المعروف باسم "تعليم ما بعد الجامعة"، وكيف أنه ليس على المستوى المطلوب، أو المقبول. ولأسمى الأمور بمسمياتها، فأنا أصنف التعليم ما بعد الجامعي، فى مصر، بأنه دون المستوي. ومن هنا يأتى سؤالي، وحديثي، إلى السيد وزير التعليم العالى ... سيادة الوزير ... إن كل مسئول يجلس على كرسى الوزارة، طالت مدة وجوده أو قصرت، يجب أن يسأل نفسه، بداية، ما هى الإسهامات الإيجابية التى سأضيفهاإلى سياسات التعليم العالى فى مصر؟ وهو ما يتيح له قياس نجاحاته فى إدارة ملفاته، ومن ثم يحاسب نفسه، بعد خروجه من الوزارة، عن نجاحه فى تطوير سياسات التعليم العالي؟ من وجهة نظري، المتواضعة، البصمة الوحيدة التى أذكرها لوزير تعليم عالي، فى الفترة السابقة، كانت للدكتور هانى هلال، عندما قدم دراسة متكاملة، ورؤية مستقبلية، للتعليم الجامعى فى مصر، ركز فيها على الجامعات الإقليمية فى المحافظات المصرية، وفقاً للتعداد السكاني، والتوزيع الديموجرافى لكل محافظة، بهدف أن يصبح التنسيق للجامعات لا مركزياً، ويخف التكدس عن العاصمة، ومدنها الجامعية. كانت الدراسة، من وجهة نظري، ممتازة، ولكن جاءت أحداث يناير 2011، وخرج الدكتور هانى هلال من الوزارة، ومُحيت بصماته، التى كان من شأنها إحداث طفرة فى التعليم الجامعى فى مصر، على مدى السنوات المتعاقبة. سيادة الوزير... أمامك، الآن، فرصة هائلة لإحداث أثر إيجابي، يذكر باسمك، عن طريق إحياء فكرة البعثات الدراسية، إلى الخارج، للحصول على شهادتى الماجستير والدكتوراة. سيدى الوزير... إن النهضة التى شهدتها مصر فى العصر الحديث، كان مرجعها الاهتمام بالتعليم، عندما أرسل محمد علي، شباب مصر فى بعثات علمية، للانفتاح على تجارب العالم المتقدم، والعودة بالعلم الحديث، للمساهمة فى نهضة وتنمية مصر. ومنذ عامين، أصدر جلالة الملك عبد الله، رحمة الله عليه، مرسوماً ملكياً، بسفر ألف مبعوث سعودي، للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه، إيماناً منه بما سيحدثه ذلك من طفرة علمية فى المملكة العربية السعودية. وبعد 6 سنوات، عندما تظهر بشائر هذه المبادرة، بعودة دفعات المبعوثين إلى المملكة، مزودين بالعلم الحديث، وفقاً لأحدث تكنولوجيات العصر، لن يكون لنا أن نبكى على اللبن المسكوب، ونردد شعارات عن إسهامات المصريين فى تقديم العلم لكل دول المنطقة، سابقاً! أعلم تماماً أنكم ستصطدمون بمشكلة التمويل... ومن هنا يأتى اقتراحي، بتوفير التمويل اللازم عن طريق إعادة هيكلة حجم البعثات الدبلوماسية المصرية فى الخارج، إلا فى السفارات الرئيسية المعروفة، واستبدال ذلك بالاعتماد على وسائل الاتصالات الحديثة والاستفادة من حجم التطور فيها.هذا الاقتراح من شأنه توفير نحو 75% من تكاليف البعثات الدبلوماسية فى الخارج. أعلم أن اقتراحى هذا سيغضب الكثير من رجال الخارجية، ولكنه مبنى على خبرة أكتسبتها بعدما أمضيت ثلاث سنوات فى سفارتنا فى أنقرة، ملحقاً عسكرياً لمصر هناك. وأنا على يقين أنه بتدبر الأمر، سيتضح للجميع أن المصلحة العامة تقتضى ترتيب الأولويات، فى ظل محدودية الموارد. يقع على عاتق الوزارة، بعد ذلك، مهمة تحديد الجامعات العلمية المؤثرة فى الخارج، لإيفاد مبعوثين من مصر، إضافة إلى مهمة اختيار المبعوثين بشفافية، وتأهيلهم قبل السفر، خاصة فى مجال اللغات. وكذلك التعلم من تجارب الدول الأخري، لتفادى السلبيات التى قد تنجم عن مثل هذه البعثات، كعدم عودة المبعوثين مرة أخرى إلى مصر، أو احتمالية فشل الطالب فى دراسته. كل ذلك يمكن تفاديه، بتحديد آلية لمتابعة كل طالب، أثناء فترة دراسته بالخارج، وإعداد لائحة توضح حقوق وواجبات كل طالب، فعلى سبيل المثال، يقر الطلبة، قبل السفر، بالعودة إلى مصر والعمل فيها لمدة محددة، وتقديم عدد محدد من الأبحاث العلمية، وإلا يتعهد بإعادة كافة المصروفات التى تحملتها الدولة أثناء فترة دراسته بالخارج. كذلك يقر الطالب بإعادة كافة التكاليف المرتبطة بدراسته بالخارج، فى حالة رسوبه وعدم حصوله على الدرجة العلمية فى الوقت المحدد لها. سيدى الوزير... لنبدأ بعدد 300 مبعوث، من أوائل الخريجين بالكليات العلمية، من كل الجامعات المصرية. أخذاً فى الاعتبار، ألا يستحوذ أبناء الأساتذة الجامعيين، على العدد الأكبر منهم، وعلى أن يكون اختيارهم عن طريق اختبارات يجريها أساتذة مستقلون، تفادياً للتوريث فى البعثات الخارجية! سيادة الوزير ... إن لحاق مصر بركب التطور العالمي، لن يتسنى لها ونحن نعيش فى مرحلة التقييم النظرى فقط، وإنما بمزجه بالتطبيق العملى على أرض الواقع، ليعود الدارس إلى مصر مسلحاً بخبرات أعمق وأشمل، من شأنها إحداث طفرات على المجتمع المصري، والوصول بمصر إلى مكانتها الأولي، كمنارة العلوم فى العالم بأسره. سيادة الوزير ... إن عملك اليومى سواء فى المناقشات مع المجلس الأعلى للجامعات،، أو الحوارات مع الجامعات الأهلية، والتى تنتهى غالباً بتنفيذ مطالبهم، ليست البصمة التى نرجوها ممن فى يده مفاتيح تطور الأداء فى مصر، على جميع الأصعدة. لمزيد من مقالات لواء د. سمير فرج