تعجز الكلمات أن تحكى ما بلغه النبى – صلى الله عليه وآله وسلم- من الأخلاق والتواضع والحلم فى تعامله مع زوجاته وتطييب خاطرهن, وكان رسول الله لا يخجل من إظهار مشاعر الحب تجاه زوجاته, بل كان يعلن ذلك كى يُعلم الأزواج كيفية معاملة الزوجة والحث على قول الكلمة الطيبة, لما لها من تأثير بالغ فى نفسية المرأة, فيقول عن السيدة خديجة «إنى رزقت حُبها». وكان النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، مضرب الأمثال وخير قدوة لكل بيت مسلم, فكان يعامل زوجاته بكل رفق ولين, حتى فى وقت غضبهن كان يتعامل بالحلم. وضرب لنا رسول الله أروع مثال فى تطبيق السلوك الإسلامى الحكيم, عندما تكلم الناس فى عرض السيدة عائشة, فلم يطلقها وكان يستطيع فعل ذلك, ولكنه لم يلجأ إلى هذا الفعل، لأنه يعلم أن الزواج ميثاق غليظ يجب المحافظة عليه، ومن حسن أخلاق النبي، وصبره وحكمته أنه بعدما سمع ما قيل عن السيدة عائشة فى حادثة الإفك لم يتسرع بالحكم عليها, بل ذهب لينصحها ويذكرها بالله, فقال لها: «يَا عَائِشَةُ إِنِّى بَلَغَنِى عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ الله، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِى الله وَتُوبِى إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ». وكان من أخلاق النبى صلى الله عَلَيْهِ وآله وَسلم، وحسن معاشرته لزوجاته أنه كان يساعدهن فى الأمور المنزلية, ولم تمنعه كثرة مشاغله ودعوته إلى الله من القيام بشئون المنزل فكان يخيط نعله وثيابه إلى غير ذلك مما يحتاج إليه كى لا يشق على زوجاته, سُئلت السيدة عَائِشَةَ -رَضِيَ الله عَنْهَا- «مَا كَانَ النبيُّ يَصْنَعُ فِى البَيْتِ؟» قَالَتْ: «كَانَ فِى مِهْنَةِ أهْلِهِ، فَإذَا سَمِعَ الأذَانَ خَرَجَ». وفى ذكرى الاحتفال بمولده أوضح علماء الدين أنه يجب علينا أن نتبع سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى معاملته مع زوجاته حتى نصل إلى درجة عالية من الرقى والاحترام فى الأسرة المسلمة. وأكد العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان زوجا مثاليا فى التعامل مع زوجاته وضرب أروع الأمثلة فى الرحمة والرأفة بالنساء حيث قال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا). وأنه يجب على الرجال والنساء أن يتخلقوا بأخلاق النبي، فى حياتهم الأسرية، وذلك استجابة لقوله تعالي: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا». زوج مثالى ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن النبى صلى الله عليه وسلم كان زوجا مثاليا لا نظير ولا شبيه ولا مثيل له فمن الشواهد الوفاء لحسن عشرة السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين فلم ينس خدماتها للدعوة الإسلامية ولشخص النبى صلى الله عليه وسلم فقال عنها بعد وفاتها (صدقتنى حين كذبنى الناس وآمنت بى حين كفر بى الناس وواستنى بمالها حين منعنى الناس ورزقنى الله منها الولد). وكان صلى الله عليه وسلم يحسن ضيافة صويحبات السيدة خديجة فقد سئل ذات مرة لماذا استقبل بالبشاشة والتكريم امرأة، فقال النبى إنها امرأة كانت تزورنا أيام خديجة رضى الله عنها، كذلك كان يداعب ويلاطف زوجاته من ذلك انه كان يقول للسيدة عائشة (يا حميراء) وجبر خاطرها لعدم إنجابها وحضها على أن تتكنى بكنية أخيها عبد الله فكانت تكنى بأم عبد الله رضى الله عنها، وقال عنها صلى الله عليه وسلم (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء) وراعى الغربة فى السيدة ماريه القبطية الوافدة من مصر وواسى السيدة (صفيه بنت حيي) فأمر بعدم ذكر أصولها اليهودية وكان النبى صلى الله عليه وسلم يعدل بين زوجاتهن ففى مرضه الأخير كان يسأل (أين أنا غدا؟) اى أين أبيت غدا وعند من؟ ثم استأذن زوجاته ان يمرض عند السيدة عائشة ومات فى حجرتها. وفى نفس السياق يرى الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع زوجاته معاملة كريمة بل هى أسمى ما تكون المعاملة بين الزوج وزوجته رغم ما له من المكانة العظيمة حيث انه اشرف المرسلين وسيد الأولين والآخرين ويتجلى ذلك فى نقاط أهمها، أولا: ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعامل معهن جميعا بالمودة والرحمة والملاطفة بل كان النبى صلى الله عليه وسلم يتحمل ما يصدر من بعضهن من مضايقات له بحكم الزوج والزوجة فعلى سبيل المثال ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه دخل عليه فوجده غاضبا فقال لو قلت شيئا أضحك به رسول الله ثم قال لو رأيتنى يا رسول الله وزوجتى تسألنى النفقة فلويت عنقها فقال النبى (هن حولى يسألننى النفقة) لكن الذى نأخذه ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يتحمل ذلك بخلق كأحسن ما تكون الأخلاق. ثانيا: كان النبى صلى الله عليه وسلم يستشير أزواجه ومن ذلك المشورة التى أشارت عليه فيها إحدى زوجاته بأن يذبح الهدى حتى يقتدى المسلمون به وكان هذا فى صلح الحديبية عندما امتنع المسلمون عن ذبح الهدى من غضبهم حينما منعهم المشركون من دخول مكة ونفذ النبى مشورة ام سلمه فإذا بالمسلمين يصنعون ما صنع النبى صلى الله عليه وسلم وسرى بذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن المؤمنين الذين امتنعوا عن ذبح الهدى كما قلنا ونجا المسلمون من غضب النبى صلى الله عليه وسلم عليهم حين امتنعوا عن ذبح الهدي. ثالثا: كان النبى يعالج بعض الأخطاء التى تصدر من بعض زوجاته برفق وليس بالعنف أو الضرب كما يفعل بعض الرجال فى هذه الأيام فقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع السيدة عائشة رضى الله عنها ودخلت السيدة صفيه وهى إحدى زوجاته فأشارت السيدة عائشة بيدها وتعنى بالإشارة أن السيدة صفية رضى الله عنها امرأة قصيرة رغم ان هذا الأمر من الأمور التى عادة ما يضحك منها الناس فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها مقولته المشهورة: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) .