انطلاق الجلسة الختامية للقاء بطاركة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية    طلبة «آداب القاهرة" يزورون موقع محطة الضبعة النووية    شهادة من البنك الأهلي المصري تمنحك 5000 جنيه شهريا    «حماة وطن» يدشن مركز الأمل للأعمال والحرف اليدوية في الإسماعيلية    فرص للسفر إلى اليونان.. اتفاق لاستقدام 5000 عامل مصري بمجال الزراعة    مرسوم أميري كويتي بحل مجلس الأمة في البلاد    السفير ماجد عبد الفتاح يوضح مكتسبات فلسطين من قرار الأمم المتحدة    اتحاد المحامين العرب يُشيد بجهود مصر لوقف إطلاق النار في غزة (فيديو)    أخبار الأهلي : فريق كامل يغيب عن الأهلي أمام بلدية المحلة    بطولة العالم للإسكواش 2024.. تأهل مازن هشام ب 3 أشواط نظيفة    كيشو يكتسح بطل كازاخستان ويتأهل لأولمبياد باريس    محافظ الغربية يشدد على تكثيف الحملات التفتيشية على الأسواق    إصابة 4 أشخاص حريق مطعم بالفيوم ونقلهم للمستشفى    عاجل: موعد إعلان أرقام جلوس الثانوية العامة 2024.. طرق وخطوات الحصول عليها    مادلين طبر تكشف تطورات حالتها الصحية    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    عاجل.. رضا سليم يتواصل مع الشيبي لحل أزمة حسين الشحات.. ولاعب بيراميدز يحدد شروطه    تفاصيل هجوم روسيا على شرقي أوكرانيا.. وكييف تخلي بلدات في المنطقة    آداب حلوان توجه تعليمات مهمة لطلاب الفرقة الثالثة قبل بدء الامتحانات    "سويلم": الترتيب لإنشاء متحف ل "الري" بمبنى الوزارة في العاصمة الإدارية    في زمن التحوّلات.. لبنان يواجه تحديات في الشراكة الداخليّة ودوره بالمنطقة    نجوى كرم تحيي حفلا في السويد 23 يونيو    «قومي حقوق الإنسان» يشارك في إطلاق الدورة الثانية من مهرجان إيزيس الدولي    نقاد: «السرب» يوثق ملحمة وطنية مهمة بأعلى التقنيات الفنية.. وأكد قدرة مصر على الثأر لأبنائها    مباشر سلة - الزمالك (17)-(20) الأهلي.. ثالث مباريات نصف نهائي الدوري    تؤدي لمرض خطير.. حسام موافي يحذر من خطورة وجود دم في البراز    حسام موافي يكشف أخطر أنواع ثقب القلب    الأسهم الأوروبية تغلق عند مستويات قياسية جديدة    مصرع فتاة خنقًا في ظروف غامضة ببني سويف    د.آمال عثمان تكتب: المتحف المصري الكبير الأحق بعرض «نفرتيتي» و«حجر رشيد» و«الزودياك»    مصرع طالب سقط من القطار بسوهاج    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك (فيديو)    حماس: تعاملنا بكل مسؤولية وإيجابية لتسهيل الوصول لاتفاق يحقق وقف دائم لإطلاق النار    شاهد أول فيديو.. «النقل» تستعرض المحطات الخمسة الجديدة للخط الثالث لمترو الأنفاق    فضائل شهر ذي القعدة ولماذا سُمي بهذا الاسم.. 4 معلومات مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    بعد زواجه من الإعلامية لينا طهطاوي.. معلومات لا تعرفها عن البلوجر محمد فرج    الجيزاوي يتفقد مستشفى بنها الجامعي للاطمئنان على الخدمة الصحية    أسعار شقق جنة بمشروع بيت الوطن للمصريين في الخارج    واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة، الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    أشرف صبحي يلتقي فرج عامر وأعضاء سموحة لتعزيز الاستقرار داخل النادي    للتخلص من دهون البطن.. تعرف ما ينبغي تناوله    «دراسة صادمة».. تناول الأطعمة المعبأة والوجبات الخفيفة يزيد خطر الوفاة    السيطرة على حريق شقة سكنية بمنطقة الوراق    وزارة البيئة تناقش مع بعثة البنك الدولي المواصفات الفنية للمركبات الكهربائية    "علم فلسطين في جامعة جورج واشنطن".. كيف دعم طلاب الغرب أهل غزة؟    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    مفتي الجمهورية: الفكر المتطرف من أكبر تحديات عملية بناء الوعي الرشيد    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    أحمد عيد: صعود غزل المحلة للممتاز يفوق فرحتي بالمشاركة في كأس القارات    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة القضاء على «بن لادن»..
أوباما تابع الهجوم لحظة بلحظة بواسطة الأقمار الصناعية إصطياد «بن لادن» بدأ بتتبع مكالمات أحد أنصاره يدعى «الكويتى»
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 12 - 2016

لاشك فى أنه لا ينبئك مثل خبير، وها هو رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق يكشف ل «الأهرام» أدق أسرار عملية اصطياد أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة السابق، فى الثانى من مايو عام 2011.
كشف الأسرار جاء خلال مقابلة التقى فيها اللواء الدكتور سمير فرج مع بانيتا، ويعرض لها اللواء فرج، فى مقال اختص به «الأهرام» لنشره اليوم.
ومن بين هذه التفاصيل الجديدة أن عدد القوات التى شاركت فى الهجوم على منزل «بن لادن » بمنطقة «أبوت أباد» الباكستانية كان قوامها 56 جنديا أمريكيا، وأن هؤلاء الجنود لم يعرفوا أن «الهدف» كان أسامة بن لادن، إلا قبل العملية بساعات قليلة.
أيضا، وكى يتأكد المهاجمون من أن الذى قتلوه كان «بن لادن»، استلقى جندى بجوار الجثة، ليقيس طولها، ثم حملوا الجثة إلى قاعدة أمريكية، ليحللوا الحامض النووي، وأن الرئيس الأمريكى باراك أوباما تابع العملية لحظة بلحظة، عبر الأقمار الصناعية.
أما لماذا ألقوا بجثة بن لادن فى البحر، فيقول بانيتا: إنهم لم يرغبوا فى أن يكون قبر بن لادن إذا هم دفنوه فى قبر مزارا للمتطرفين فى كل أنحاء العالم.
فى أمسية جميلة من ليالى القاهرة ... وفى واحد من مطاعم مصر الجديدة ... المشهور بتقديم أنواع متفردة من الأسماك ... دعوت صديقى الوزير ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكى الأسبق، ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأسبق (CIA)، فى عهد باراك أوباما، ورئيس هيئة البيت الأبيض الأسبق فى عهد بيل كلينتون. وهى ثلاث وظائف رئيسية، وغاية فى الحساسية فى الولايات المتحدة الأمريكية ... ولم يسبق لشخص واحد أن تولاها جميعاً، من قبل، خلال مسيرته ... وهو ما يدلل على أهمية هذا الرجل.
لقد كان اختيارى لذلك المطعم، ذى الصبغة الإيطالية، لأن الضيف تمتد أصوله إلى إيطاليا، فكانت فرحته كبيرة لرؤية ألوان العلم الإيطالى تزين المكان. بدأت جلستنا على العشاء، بحوار عن الأحوال فى منطقتنا، خاصة وأنه كان يشغل منصب وزير الدفاع الأمريكي، إبان اندلاع «ثورات الربيع العربي»، وكان على اتصال دائم بالمشير حسين طنطاوي، آنذاك، بمتوسط ثلاث مرات يومياً، وهو ما دفعه لقول «يجب على مصر والمصريين أن يتذكروا جيداً فضل هذا الرجل فى الحفاظ على البلد، واستقراره»، مضيفاً «أنه لولا حكمة هذا الرجل فى أثناء قيادته للبلاد، لصارت مصر مثل سوريا أو العراق». وهنا التقطت هاتفي، واتصلت بالمشير طنطاوي، وأخبرته عن عشائى مع الضيف الأمريكي، وعن الحديث الذى جمعنا.. ثم ناولت الهاتف للسيد بانيتا، الذى استغرق فى حديث مطول مع المشير طنطاوي، انهياه باتفاق على لقاء قريب، فى أول زيارة قادمة له إلى القاهرة، يجمع ثلاثتنا، لاسترجاع ذكريات وتفاصيل تلك المرحلة، إذ كان موعد مغادرته مصر محددا فى الصباح الباكر من اليوم التالي.
وقبل الدخول فى موضوع المقال، أود التذكير بأن الوزير الأمريكى بانيتا شغل منصب رئيس وكالة المخابرات المركزية فى عهد الرئيس الأمريكى أوباما، ثم عين وزيراً للدفاع، فى عهده أيضاً فى أثناء «ثورات الربيع العربي»، وبعدما ترك منصبه فى فبراير 2013، كتب مذكراته فى كتاب ضخم بعنوان Worthy Fights: A Memoir of Leadership in War and Peace، أو «معارك جديرة.. مذكرات من القيادة فى الحرب والسلام»، انتقد فيها سياسات الرئيس أوباما، خلال فترة عمله معه.
وعلى الرغم مما يراه البعض من كون ذلك ممارسة ديمقراطية، لا تتسنى لأحد خارج الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها أعتى الديمقراطيات ... فإن الاقتراب من تفاصيل المشهد، يؤكد لك أن الحقيقة تختلف كثيراً عما تتغنى به أمريكا، ويصوره لنا الإعلام. وهو ما تأكدت منه بنفسى فى أثناء الإشراف على الترتيبات الخاصة بزيارة الوزير الأمريكى بانيتا إلى القاهرة؛ إذ جرت العادة أن تقوم سفارته بالقاهرة، بالمشاركة فى ترتيبات الزيارة، وتوفير جميع الاحتياجات المطلوبة لتأمين شخصية مهمة مثله، خاصة وأننا سنتعرف بعد قليل على أن الوزير بانيتا على رأس القوائم المهددة من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة، بدءاً من السيارة المصفحة، وسيارات التأمين المرافقة، وأفراد التأمين اللازمين. كما تلتزم السفارة بترتيب إجراءات استقباله، كواحد من كبار الزوار، حتى وإن لم يكن فى منصب رسمي، أو مهمة رسمية، ويقيم االسفير حفل استقبال على شرفه. إلا أن السفارة اعتذرت عن تقديم أى مما تقدم، واكتفت بتحديد مقابلة شخصية له مع السفير مدتها 45 دقيقة. وقد علمت فيما بعد، أن هذا الموقف يتكرر معه، فى العديد من البلدان الأخري، منذ انتقاده للرئيس أوباما، وسياساته. هذه صورة من ديمقراطية الغرب، التى طالما تطلعنا إليها، وحلمنا بها ... ديمقراطية الأضواء الإعلامية!
نعود، الآن، إلى موضوع المقال ... فلقد حكى الوزير الأمريكي، خلال عشائنا، قصة القضاء على بن لادن ... والحقيقة أننى احتفظت بالتفاصيل لنفسي، ولم أكن أنوى تناولها لسببين، أولهما أن الحديث جرى فى مقابلة شخصية وليست رسمية، ثانياً أن نشر أى من تلك التفاصيل، يتطلب موافقة صاحب الأمر أولاً. ولكن ما دفعنى للعدول عن رأيي، بعد فترة من لقائى معه، هو أننى فوجئت فى الأسبوع الماضي، بعرض فيلم وثائقى على قناة BBC Arabic، يروى معظم الأحداث والتفاصيل التى شاركنى إياها الوزير Panetta، فلما أصبحت المعلومات متاحة على شاشات التليفزيون، رأيت أن أعرض هذه التفاصيل على من لم تسنح له الفرصة لمشاهدة ذلك الفيلم الوثائقي.
من هو أسامة؟
نسرد، أولاً، نبذة، سريعة، عن أسامة بن محمد بن عوض بن لادن، المعروف باسم أسامة بن لادن، المنتمى لأسرة سعودية محافظة، وثرية، تربطها علاقات قوية بعائلة آل سعود الحاكمة. ورث عن والده ثروة طائلة، تقدر بمئات الملايين من الدولارات اتهمته واشنطن بتفجيرات «الخُبر»، «ودار السلام»، «ونيروبي»، وبالوقوف خلف الهجوم على المدمرة الأمريكية «يو إس إس كول» فى ميناء عدن اليمني. ثم كانت هجمات الحادى عشر من سبتمبر، المعركة الحاسمة، لتصنفه بأكبر الإرهابيين المطلوبين.
مرت عشر سنوات على هجمات الحادى عشر من سبتمبر، والجميع يبحث عن بن لادن فى الجبال، والسهول، والأودية، والكهوف، والحفر، حتى ظن البعض أنه قد مات. ثم استيقظ العالم، فى يوم 2 مايو 2011، على بيان للرئيس الأمريكى باراك أوباما، يعلن فيه نجاح القوات الخاصة الأمريكية، فى تنفيذ مهمة خاصة، بقتل أسامة بن لادن، زعيم القاعدة، المسئول عن مقتل الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء. وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنه تمت إقامة الشعائر الإسلامية الخاصة بوفاته، وتم دفن جثته فى قاع بحر العرب، حتى لا يصبح قبره مزاراً للجماعات المتطرفة.
قال الوزير الأمريكى بانيتا، إنه فور توليه رئاسة وكالة المخابرات المركزية، تم استدعاؤه من الرئيس أوباما، الذى كان قد بدأ لتوه فترة ولايته الثانية فى 2008، ومن الكونجرس الأمريكي، وتم تكليفه بتكريس جميع جهود وموارد وكالة المخابرات، فى العثور على أسامة بن لادن، حياً أو ميتاً، إذ إن مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية مرهونة بذلك. وبدأ البحث!
ركز بانيتا جهوده، منذ اليوم الأول، فى متابعة خيوط العثور على بن لادن، وابتعد عن الصور الجوية والمعلومات السابقة، التى بذلت فيها CIA جهوداً كبيرة، فشلت كلها فى تحقيق الهدف. اتجهت الأراء، إلى ضرورة البحث عن «السعاة» المكلفين بنقل المعلومات، والأوامر، والخطط الإرهابية، من أسامة بن لادن، إلى أعضاء تنظيم القاعدة فى مختلف الأنحاء. وكان معروفاً أن جميع «السعاة» يغلقون هواتفهم المحمولة لمسافة لا تقل عن 160كم، من أماكن لقاء بن لادن، لضمان استحالة اقتفائهم إلكترونياً. وتوصل فريق العمل بوكالة الاستخبارات الأمريكية، إلى سجين سابق بمعتقل جوانتانامو، يقال له «الكويتي»، وقادتهم معلوماتهم إلى أنه أحد المراسلين المهمين. وقد زادت أهمية ذلك «الكويتي» عندما أنكر جميع المعتقلين، بجوانتانامو، أهمية هذا الرجل، ومن هنا بدأ التركيز عليه.
السر عند «الكويتي»
بإصدار التكليف بالحصول على بن لادن، حياً أو ميتاً، تم تخصيص موازنة إضافية لوكالة الاستخبارات المركزية، لتنفيذ تلك المهمة، فتم نقل قوات أمريكية من العراق، إلى أفغانستان لمتابعة بن لادن. وبدأت متابعة العديد من أرقام الهواتف، للوصول إلى رقم «الكويتي»، وهو ما استلزم متابعة أكثر من مليون رقم على مدى عامين. وأخيراً، وفى عام 2010، تم رصد مكالمة بين رجل فى شمال غرب باكستان، مع آخر بمنطقة الخليج العربي. ومن هنا ... من هذا الخط ... بدأت متابعة هذا الرجل، الذى كان أول الخيط لسقوط بن لادن، وأطلق على هذا الرجل الكويتى اسم حركى ... «وحش قندهار» .. وبمتابعته ورصد تحركاته، تبين تكرار زياراته إلى مدينة أبوت أباد الباكستانية، مقر الكلية الحربية الباكستانية، حيث يتجه إلى مبنى منعزل هناك، يتكون من ثلاثة طوابق، وتحيطه أسوار عالية، تعتليها أسلاك شائكة ... وأعتقد أن هذا هو مقر بن لادن ... ولأول مرة، يتصل بانيتا بالرئيس أوباما ويخبره بأنهم يقتربون من بن لادن!
وحيث إن المبنى يقع داخل دولة لها سيادتها، وفى مدينة شبه عسكرية، لوجود الكلية الحربية بها، فإن أى عمل عسكرى أمريكي، سيقابله، على الفور، رد من القوات المسلحة الباكستانية. ولتفادى هذا الموقف، ووفقاً لدراسات المخابرات الأمريكية، قام عدد من عملائها بالانتقال للعيش فى مدينة أبوت أباد، بجوار المبنى المشتبه فيه. وبالمراقبة، تبين أنه مجمع سكني، يعيش فيه «الكويتي» وزوجته ... وأخوه وزوجته ... «وشخصية مهمة»، أخري، تعيش داخل هذا المجمع، ولكن لم يستدل عليها، حينئذ. وتلاحظ من المراقبة، أنه لا أحد يخرج من هذا المبنى لقضاء احتياجاتهم إلا «الكويتي» ... ولم ترصد أى اتصالات إلكترونية من داخل المبنى ... إذ ان «الكويتي» كان يخرج إلى إحدى المدن المجاورة، ويجرى اتصالاته من أحد مقاهى الإنترنت، ثم يتأكد من محو أى أثر لتلك المكالمة.
وباستمرار المراقبة، تبين أن «الشخصية المهمة» التى تعيش فى هذا المجمع، لا تخرج منه على الإطلاق، وتقتصر تحركاتها على المشي، لأوقات محدودة، داخل فنائه. وبقياسات الطول التى التقتطها الأقمار الصناعية لتلك الشخصية، تأكد الأمل، بنسبة كبيرة، من أنه، بالفعل، بن لادن.
عندئذ، اتصل بانيتا بالجنرال الأمريكى ماكروف، المسئول عن التخطيط لتنفيذ العملية، باستخدام القوات الخاصة الأمريكية، والذى طلب إرجاء العملية لمدة 24 ساعة، نظراً لسوء الأحوال الجوية فى يوم 30 أبريل 2011. وفى التوقيت نفسه، كان البيت الأبيض يقيم الحفل السنوى للمراسلين الصحفيين، والذى حضره الرئيس أوباما، كالعادة، وكان كل رجال الرئيس فى حالة توتر وترقب ... فى انتظار تنفيذ العملية.
فى صباح ذلك اليوم ... وكعادته كل أحد ... مارس الرئيس الأمريكى أوباما رياضة الجولف المفضلة لديه ... إلا أن شعوره بالتوتر، لم يمكنه من إتمام عدد الحفر التى تعود عليها. فطلب تأمين خط اتصال مباشر بينه وبين مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، لمتابعة تنفيذ العملية.
يروى بانيتا أن القوات المنوط بها تنفيذ العملية، كانت قد تدربت لمدة 30 يوماً متواصلة، دون معرفة الهدف ... ولم يعرفوا سوى يوم 30 أبريل، بأن الهدف هو ... أسامة بن لادن ... « جيرونيمو» ... وهو الاسم الكودى الذى أطلق عليه فى هذه العملية، نسبة إلى أحد زعماء قبيلة الأباتشي، أحد أشهر قبائل الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، الذين قاتلوا «الأمريكيين البيض» فى القرن التاسع عشر.
ولقد تضمنت فترة التدريب، تشييد مبنى كامل، يشبه من الخارج ذلك الموجود به بن لادن، أما من الداخل، فقد تم وضع تصور هيكلى لما يمكن أن يكون عليه، ومن ثم تم إجراء التدريبات العملية للقوات على هذا المبني، وتم وضع عدد من السيناريوهات المختلفة، تحسباً لجميع الظروف. وعلى الرغم من وجود مترجم ضمن قوات العملية، فإنه تم تدريب جميع القوات، يومياً، على اللغتين الباكستانية والعربية، وخاصة بعض المصطلحات التى سيتم استخدامها فى أثناء تنفيذ العملية. ولقد أصر الجنرال ماكروف على تزويد قوات التنفيذ بأحدث الأجهزة والمعدات الإلكترونية الموجودة فى الترسانة الحربية الأمريكية، خاصة أجهزة الرؤية الليلية، والتى كان من شأنها إضاءة المبنى من الداخل، بمجرد نجاح القوات فى اقتحامه، بأشعة لا يراها سوى عناصر الاقتحام، وكاميرات التصوير التى تنقل الحدث، عبر الأقمار الصناعية، إلى مركز القيادة فى واشنطن.
كلب يدعى «كايرو»
تم تنفيذ العملية باستخدام طائرتين شينوك ... على متنهما 56 جنديا أمريكيا... وتحملان الاحتياطى اللازم للإنقاذ السريع ... ومهمتهما عمليات الإنقاذ السريع، وإعادة تموين باقى الطائرات الأخري. بالإضافة إلى طائرتين بلاك هوك، تحملان 24 فرداً، هم قوات الاقتحام ... منهم فرد مترجم، وكلب يدعى «كايرو». كانت مدة الرحلة 90 دقيقة من إحدى القواعد العسكرية الأمريكية فى أفغانستان ... عابرة الحدود الباكستانية إلى مدينة أبوت أباد العسكرية. وكان الطيارون قد تدربوا على التحليق المنخفض جداً، مستغلين الوديان المنخفضة بين الجبال الشاهقة ... حتى لا يتم كشفهم بواسطة الرادارات الباكستانية، وهو ما يعنى تدميرهم بواسطة سلاح الدفاع الجوى الباكستاني، باستخدام الطائرات إف-16.
نصت الخطة على هبوط الطائرة البلاك هوك الأولي، على سطح المنزل، بينما تهبط الثانية على الأرض بجواره مباشرة، والشينوك، اللتان تحملان عناصر الدعم الاحتياطي، على مسافة 104كم من الهدف، حتى لا تلفتا الأنظار بقوة صوت محركاتهما الجبارة.
تغير المناخ فجأة
ولكن عند التنفيذ، حدث ما لم يكن فى الحسبان، فبمجرد اقتراب الطائرات من منزل الهدف، اندفع عمود هوائى لتغيير المناخ، أدى لسقوط الطائرة البلاك الأولي، وتحطم المروحية، ولكن لم يصب رجالها بأذي. وكان الرئيس أوباما يتابع تنفيذ العملية على الهواء، من مركز القيادة، بواسطة الأقمار الصناعية وبواسطة الطائرات الموجهة بدون طيار. وبسقوط تلك الطائرة، تغيرت الخطة تماماً، بأن يصبح الهجوم على المبنى من الخارج ... وباستخدام كل القوات. وبدأ اقتحام المبنى وفقاً للتدريبات السابقة ... وكان «الكويتى وزوجته أول من قتلا فى الطابق الأسفل ... تلاه قتل أخيه وزوجته فى الطابق الثانى ... واندفعت القوات إلى الطابق الثالث، لتجد بن لادن ... وأكدوا للقيادة المركزية بأن «جيرونيمو موجود» ... وأردوه قتيلاً برصاصة فى الرأس ... وأبلغوا الرئيس الأمريكى ومدير وكالة الاستخبارات الأمريكية قائلين «لقد نلنا منه». وللتأكد من أنه الهدف المطلوب، فقد مدت جثته على الأرض، واستلقى بجوارها جندى أمريكي، للتأكد من طوله، وتم إرسال الصور إلى القيادة المركزية. ولزيادة التأكيد، تم تحليل الحامض النووى له، قبل إلقاء جثته فى البحر، كى لا تصبح مزاراً لأعضاء الحركات المتطرفة مستقبلاً.
وبانتهاء المهمة، واستعداد أفراد طاقمها للعودة، ظهرت مشكلة الطائرة المعطلة، فكان القرار هو سرعة تدميرها بشكل كامل، لتعثر نقلها، واستحالة تركها على حالتها، نظراً لاحتوائها على معدات ذات تقنيات عالية، لا يجوز لأحد الإطلاع عليها. ومع تفجير الطائرة بالكامل، أصبح احتمال تدخل القوات الباكستانية واردا فى خلال دقائق، فانطلقت الطائراتان الشينوك لتحملان طاقم المهمة، ومعهم جثة أسامة بن لادن. وكانت عودة الطائراتين، وعبورهما الحدود الباكستانية، وإعادة ملء خزانات الوقود للطائرة البلاك هوك المتبقية، من أعقد المراحل فى العملية، إذ تطلبت استخدام أعلى درجات التشويش على جميع الرادارات الباكستانية فى طريق العودة، حتى هبوطها فى «قاعدة جلال أباد العسكرية» فى أفغانستان. ووصلت جثة بن لادن إلى حاملة الطائرات الأمريكية «كارل فنسون»، حيث تم إجراء تحليل الحامض النووى DNA، والذى تطابق مع أحد أقرباء بن لادن، بعد نحو 8 ساعات من إجراء التحليل.
وبذلك لم يعد الأمر سراً، فخرج الرئيس أوباما، بعد نحو 3 ساعات من انتهاء العملية، وحتى قبل ظهور نتائج تحليل الحامض النووي، ليعلن للشعب الأمريكي، وللعالم أجمع، خبر القضاء على بن لادن على يد القوات الخاصة الأمريكية، مضيفاً أنه تم تطبيق الشعائر الإسلامية قبل إلقاء جثته فى البحر، كى لا يمجد من قبل الجماعات المتطرفة. وبإعلان الرئيس أوباما لهذا الخبر، انتهت قصة «أخطر رجل فى العالم»، الذى نال من هيبة الولايات المتحدة الأمريكية، نيلاً كبيراً.
يقول السيد بانيتا، أن فرحة الأمريكيين بهذا الخبر، لا تضاهيها فرحة، وتتلاشى أمامها أى صعاب. مضيفاً، أنه لا يهمه حجم الأموال التى أنفقت خلال السنوات السابقة لتنفيذ العملية، أو الأموال التى أنفقت فى التنفيذ، ولا يهمه حجم الأعمال الاستخباراتية، والمتابعات الميدانية، وعدد الأفراد الذين تم رصد تحركاتهم، ومكالماتهم ... كل ما يعنيه هو أنه أتم المهمة التى كلف بها، من قبل الرئيس والكونجرس الأمريكي، وانتقم لأرواح العشرات من الآلاف ممن قضى عليهم بن لادن فى أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وغيرها، وانتقم لشرف الولايات المتحدة الأمريكية. ويقول أنه على الرغم من عدم مرور وقت طويل على تلك العملية، فإن طريقة الإعلان عنها بهذه الطريقة، كان من أساليب الدعاية الأمريكية، التى تهدف إلى بث الخوف والرعب لمن تسول له نفسه المساس بأمن الولايات المتحدة الأمريكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.