"جبران" يلتقي مديرة مكتب الأنشطة العمالية لمنظمة العمل الدولية    محافظ بورسعيد يتفقد منافذ بيع اللحوم للتأكد من جودة وأسعار السلع الغذائية    التنمية المحلية: وفد مشروع الدعم الفني للوزارة يزور محافظة الأقصر    الجيش اللبناني يتدخل لحل إشكال بين عناصر من اليونيفيل وشبان جنوبي البلاد    رسميًا.. رحيل حارس مرمى ليفربول إلى برينتفورد    مهاجم مانشستر يونايتد يدخل حسابات الميلان    رسميا.. سيميوني إنزاجي يغادر تدريب إنتر ميلان    السعودية تمنع التصوير ورفع الأعلام السياسية والمذهبية والهتافات بالمشاعر المقدسة    الفنانة القديرة سيدة المسرح العربى سميحة أيوب فى ذمة الله    نجوم الفن يشيعون جثمان سيدة المسرح العربي سميحة أيوب.. صور    محافظ بني سويف يُكرّم الأمهات المثاليات الفائزات في مسابقة وزارة التضامن    الرئيس السيسى يشارك باجتماع رفيع المستوى بشأن المؤتمر الدولى ال4 لتمويل التنمية    البورصة المصرية تغلق على صعود جماعي ومؤشر EGX30 يرتفع بنسبة طفيفة    استعدادا لقيادة الهلال.. إنتر ميلان يعلن رحيل إنزاجي رسميًا    الجباس: الحديث عن تواجدي في بيراميدز بسبب علاقتي مع ممدوح عيد "عبث"    جامعة سوهاج تطلق قافلة طبية توعوية مجانية بقرية الشواولة بالتعاون مع "حياة كريمة"    أمانة التنظيم المركزي ب"الجبهة الوطنية": نسعى لتأهيل الكوادر والحشد السياسي والعمل المؤسسي    الأعلى للإعلام يجري تعديلات على مواعيد بث البرامج الرياضية.. اعرف التفاصيل    الرسالة الأخيرة لمنفذ الهجوم على مسيرة مؤيدة للاحتلال بمدينة كولورادو بأمريكا    "الحاج الخفي".. تجربة واقعية لرصد جودة الخدمات في موسم الحج    منظمة التحرير الفلسطينية: غزة تتعرض لإبادة برعاية أمريكية وصمت دولي شريك    استشاري: الاتحاد الأوروبي بدأ التلويح للمعاملة بالمثل بعدما ضاعف ترامب الرسوم الجمركية    حملات تفتيشية لمتابعة انضباط سيارات السرفيس والتاكسي بنطاق مدينة الفيوم.. صور    الطريق إلى عرفات| أحب البقاع إلى الله.. فضل المسجد الحرام والصلاة فيه    ما حكم الأكل بعد فجر أول أيام عيد الأضحى حتى الصلاة؟ عالم أزهرى يجيب    ارتفاع حاد في مخزونات النفط العالمية مع تسارع إمدادات "أوبك+"    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد جاهزية مستشفى نخل المركزي لاستقبال عيد الأضحى    بعد اتصال السيسي وماكرون.. إشادة برلمانية بجهود مصر لإنهاء حرب غزة    منظمة التحرير الفلسطينية: غزة تتعرض لإبادة برعاية أمريكية وصمت دولى    المشدد 10 سنوات لعاطل لاتجاره في المخدرات بشبرا الخيمة    بيطري القليوبية: ضبط 25.5 طن لحوم ودواجن غير صالحة للاستهلاك خلال شهر    مانشستر يونايتد مستعد لتلقي عروض لبيع سانشو    «محلية النواب» تطالب بسرعة الموافقة على إنشاء مستشفى بنها    استعدادات مبكرة بجامعة القاهرة لاستقبال مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد    وزير المالية: 50% من مستحقات الشركات في برنامج دعم الصادرات سيتم تسويتها من الضرائب أو الكهرباء    Alpha وAirbus يدمجان الذكاء المسير في قلب العمليات الجوية العسكرية    فيفي عبده تنعي الفنانة سميحة أيوب    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو قيام شخص بالتعدى على ابنته بالجيزة    تطهير وتعقيم ونظافة الأماكن المعدة لصلاة عيد الأضحي المبارك بالقاهرة    الخارجية: يجب الالتزام بالقوانين المنظمة للسفر والهجرة والإقامة بكل دول العالم    الاتحاد السكندري: عبدالعاطي استقال على «الفيسبوك».. والمغادرة غير مقبولة    السبكي: الشراكة المصرية الألمانية في الصحة نموذج للتحول الرقمي والتميّز الطبي    رسالة دكتوراه تناقش تقييم جدوى تقنية الحقن الأسمنتي كعلاج فعال لكسور هشاشة العظام    أخبار سارة على صعيد العمل.. توقعات برج الجدي في يونيو 2025    موعد ومكان جنازة الفنانة سميحة أيوب    تعرف على عدد ساحات صلاة العيد وخطة الأوقاف في بني سويف.. 161 ساحة و322 خطيباً لخدمة المصلين    قبل نهائي الكأس.. أرقام الحكم محمود بسيوني مع الزمالك وبيراميدز هذا الموسم؟    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ رئيس الجمهورية وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى    وزارة السياحة والآثار تستضيف وفدًا صحفيًا من المكسيك في زيارة تعريفية للمقصد السياحي المصري    ضبط أصحاب شركة المقاولات المتورطة في التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر    المركز القومي للمسرح ناعيا سميحة أيوب: أفنت عمرها في تشكيل ملامح تاريخ الفن    مهرجان إيزيس الدولي ينعى سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    من الصفائح التكتونية إلى الكوارث.. كيف تحدث الزلازل ؟    دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي حول الزلازل: ليست انتقامًا من الله    هيئة الأرصاد: أجواء ربيعية ممتعة اليوم والعظمى بالقاهرة الكبرى 31 درجة    مستشار الرئيس للشئون الصحية: مصر تشهد معدلات مرتفعة في استهلاك الأدوية    الحج 2025 .. ماذا يقال عند نية الإحرام ؟    «هاجي في يوم وهقتله».. يورتشيتش يمازح مصطفى فتحي بسبب عصبية الشيبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة القضاء على «بن لادن»..
أوباما تابع الهجوم لحظة بلحظة بواسطة الأقمار الصناعية إصطياد «بن لادن» بدأ بتتبع مكالمات أحد أنصاره يدعى «الكويتى»
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 12 - 2016

لاشك فى أنه لا ينبئك مثل خبير، وها هو رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق يكشف ل «الأهرام» أدق أسرار عملية اصطياد أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة السابق، فى الثانى من مايو عام 2011.
كشف الأسرار جاء خلال مقابلة التقى فيها اللواء الدكتور سمير فرج مع بانيتا، ويعرض لها اللواء فرج، فى مقال اختص به «الأهرام» لنشره اليوم.
ومن بين هذه التفاصيل الجديدة أن عدد القوات التى شاركت فى الهجوم على منزل «بن لادن » بمنطقة «أبوت أباد» الباكستانية كان قوامها 56 جنديا أمريكيا، وأن هؤلاء الجنود لم يعرفوا أن «الهدف» كان أسامة بن لادن، إلا قبل العملية بساعات قليلة.
أيضا، وكى يتأكد المهاجمون من أن الذى قتلوه كان «بن لادن»، استلقى جندى بجوار الجثة، ليقيس طولها، ثم حملوا الجثة إلى قاعدة أمريكية، ليحللوا الحامض النووي، وأن الرئيس الأمريكى باراك أوباما تابع العملية لحظة بلحظة، عبر الأقمار الصناعية.
أما لماذا ألقوا بجثة بن لادن فى البحر، فيقول بانيتا: إنهم لم يرغبوا فى أن يكون قبر بن لادن إذا هم دفنوه فى قبر مزارا للمتطرفين فى كل أنحاء العالم.
فى أمسية جميلة من ليالى القاهرة ... وفى واحد من مطاعم مصر الجديدة ... المشهور بتقديم أنواع متفردة من الأسماك ... دعوت صديقى الوزير ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكى الأسبق، ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأسبق (CIA)، فى عهد باراك أوباما، ورئيس هيئة البيت الأبيض الأسبق فى عهد بيل كلينتون. وهى ثلاث وظائف رئيسية، وغاية فى الحساسية فى الولايات المتحدة الأمريكية ... ولم يسبق لشخص واحد أن تولاها جميعاً، من قبل، خلال مسيرته ... وهو ما يدلل على أهمية هذا الرجل.
لقد كان اختيارى لذلك المطعم، ذى الصبغة الإيطالية، لأن الضيف تمتد أصوله إلى إيطاليا، فكانت فرحته كبيرة لرؤية ألوان العلم الإيطالى تزين المكان. بدأت جلستنا على العشاء، بحوار عن الأحوال فى منطقتنا، خاصة وأنه كان يشغل منصب وزير الدفاع الأمريكي، إبان اندلاع «ثورات الربيع العربي»، وكان على اتصال دائم بالمشير حسين طنطاوي، آنذاك، بمتوسط ثلاث مرات يومياً، وهو ما دفعه لقول «يجب على مصر والمصريين أن يتذكروا جيداً فضل هذا الرجل فى الحفاظ على البلد، واستقراره»، مضيفاً «أنه لولا حكمة هذا الرجل فى أثناء قيادته للبلاد، لصارت مصر مثل سوريا أو العراق». وهنا التقطت هاتفي، واتصلت بالمشير طنطاوي، وأخبرته عن عشائى مع الضيف الأمريكي، وعن الحديث الذى جمعنا.. ثم ناولت الهاتف للسيد بانيتا، الذى استغرق فى حديث مطول مع المشير طنطاوي، انهياه باتفاق على لقاء قريب، فى أول زيارة قادمة له إلى القاهرة، يجمع ثلاثتنا، لاسترجاع ذكريات وتفاصيل تلك المرحلة، إذ كان موعد مغادرته مصر محددا فى الصباح الباكر من اليوم التالي.
وقبل الدخول فى موضوع المقال، أود التذكير بأن الوزير الأمريكى بانيتا شغل منصب رئيس وكالة المخابرات المركزية فى عهد الرئيس الأمريكى أوباما، ثم عين وزيراً للدفاع، فى عهده أيضاً فى أثناء «ثورات الربيع العربي»، وبعدما ترك منصبه فى فبراير 2013، كتب مذكراته فى كتاب ضخم بعنوان Worthy Fights: A Memoir of Leadership in War and Peace، أو «معارك جديرة.. مذكرات من القيادة فى الحرب والسلام»، انتقد فيها سياسات الرئيس أوباما، خلال فترة عمله معه.
وعلى الرغم مما يراه البعض من كون ذلك ممارسة ديمقراطية، لا تتسنى لأحد خارج الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها أعتى الديمقراطيات ... فإن الاقتراب من تفاصيل المشهد، يؤكد لك أن الحقيقة تختلف كثيراً عما تتغنى به أمريكا، ويصوره لنا الإعلام. وهو ما تأكدت منه بنفسى فى أثناء الإشراف على الترتيبات الخاصة بزيارة الوزير الأمريكى بانيتا إلى القاهرة؛ إذ جرت العادة أن تقوم سفارته بالقاهرة، بالمشاركة فى ترتيبات الزيارة، وتوفير جميع الاحتياجات المطلوبة لتأمين شخصية مهمة مثله، خاصة وأننا سنتعرف بعد قليل على أن الوزير بانيتا على رأس القوائم المهددة من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة، بدءاً من السيارة المصفحة، وسيارات التأمين المرافقة، وأفراد التأمين اللازمين. كما تلتزم السفارة بترتيب إجراءات استقباله، كواحد من كبار الزوار، حتى وإن لم يكن فى منصب رسمي، أو مهمة رسمية، ويقيم االسفير حفل استقبال على شرفه. إلا أن السفارة اعتذرت عن تقديم أى مما تقدم، واكتفت بتحديد مقابلة شخصية له مع السفير مدتها 45 دقيقة. وقد علمت فيما بعد، أن هذا الموقف يتكرر معه، فى العديد من البلدان الأخري، منذ انتقاده للرئيس أوباما، وسياساته. هذه صورة من ديمقراطية الغرب، التى طالما تطلعنا إليها، وحلمنا بها ... ديمقراطية الأضواء الإعلامية!
نعود، الآن، إلى موضوع المقال ... فلقد حكى الوزير الأمريكي، خلال عشائنا، قصة القضاء على بن لادن ... والحقيقة أننى احتفظت بالتفاصيل لنفسي، ولم أكن أنوى تناولها لسببين، أولهما أن الحديث جرى فى مقابلة شخصية وليست رسمية، ثانياً أن نشر أى من تلك التفاصيل، يتطلب موافقة صاحب الأمر أولاً. ولكن ما دفعنى للعدول عن رأيي، بعد فترة من لقائى معه، هو أننى فوجئت فى الأسبوع الماضي، بعرض فيلم وثائقى على قناة BBC Arabic، يروى معظم الأحداث والتفاصيل التى شاركنى إياها الوزير Panetta، فلما أصبحت المعلومات متاحة على شاشات التليفزيون، رأيت أن أعرض هذه التفاصيل على من لم تسنح له الفرصة لمشاهدة ذلك الفيلم الوثائقي.
من هو أسامة؟
نسرد، أولاً، نبذة، سريعة، عن أسامة بن محمد بن عوض بن لادن، المعروف باسم أسامة بن لادن، المنتمى لأسرة سعودية محافظة، وثرية، تربطها علاقات قوية بعائلة آل سعود الحاكمة. ورث عن والده ثروة طائلة، تقدر بمئات الملايين من الدولارات اتهمته واشنطن بتفجيرات «الخُبر»، «ودار السلام»، «ونيروبي»، وبالوقوف خلف الهجوم على المدمرة الأمريكية «يو إس إس كول» فى ميناء عدن اليمني. ثم كانت هجمات الحادى عشر من سبتمبر، المعركة الحاسمة، لتصنفه بأكبر الإرهابيين المطلوبين.
مرت عشر سنوات على هجمات الحادى عشر من سبتمبر، والجميع يبحث عن بن لادن فى الجبال، والسهول، والأودية، والكهوف، والحفر، حتى ظن البعض أنه قد مات. ثم استيقظ العالم، فى يوم 2 مايو 2011، على بيان للرئيس الأمريكى باراك أوباما، يعلن فيه نجاح القوات الخاصة الأمريكية، فى تنفيذ مهمة خاصة، بقتل أسامة بن لادن، زعيم القاعدة، المسئول عن مقتل الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء. وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنه تمت إقامة الشعائر الإسلامية الخاصة بوفاته، وتم دفن جثته فى قاع بحر العرب، حتى لا يصبح قبره مزاراً للجماعات المتطرفة.
قال الوزير الأمريكى بانيتا، إنه فور توليه رئاسة وكالة المخابرات المركزية، تم استدعاؤه من الرئيس أوباما، الذى كان قد بدأ لتوه فترة ولايته الثانية فى 2008، ومن الكونجرس الأمريكي، وتم تكليفه بتكريس جميع جهود وموارد وكالة المخابرات، فى العثور على أسامة بن لادن، حياً أو ميتاً، إذ إن مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية مرهونة بذلك. وبدأ البحث!
ركز بانيتا جهوده، منذ اليوم الأول، فى متابعة خيوط العثور على بن لادن، وابتعد عن الصور الجوية والمعلومات السابقة، التى بذلت فيها CIA جهوداً كبيرة، فشلت كلها فى تحقيق الهدف. اتجهت الأراء، إلى ضرورة البحث عن «السعاة» المكلفين بنقل المعلومات، والأوامر، والخطط الإرهابية، من أسامة بن لادن، إلى أعضاء تنظيم القاعدة فى مختلف الأنحاء. وكان معروفاً أن جميع «السعاة» يغلقون هواتفهم المحمولة لمسافة لا تقل عن 160كم، من أماكن لقاء بن لادن، لضمان استحالة اقتفائهم إلكترونياً. وتوصل فريق العمل بوكالة الاستخبارات الأمريكية، إلى سجين سابق بمعتقل جوانتانامو، يقال له «الكويتي»، وقادتهم معلوماتهم إلى أنه أحد المراسلين المهمين. وقد زادت أهمية ذلك «الكويتي» عندما أنكر جميع المعتقلين، بجوانتانامو، أهمية هذا الرجل، ومن هنا بدأ التركيز عليه.
السر عند «الكويتي»
بإصدار التكليف بالحصول على بن لادن، حياً أو ميتاً، تم تخصيص موازنة إضافية لوكالة الاستخبارات المركزية، لتنفيذ تلك المهمة، فتم نقل قوات أمريكية من العراق، إلى أفغانستان لمتابعة بن لادن. وبدأت متابعة العديد من أرقام الهواتف، للوصول إلى رقم «الكويتي»، وهو ما استلزم متابعة أكثر من مليون رقم على مدى عامين. وأخيراً، وفى عام 2010، تم رصد مكالمة بين رجل فى شمال غرب باكستان، مع آخر بمنطقة الخليج العربي. ومن هنا ... من هذا الخط ... بدأت متابعة هذا الرجل، الذى كان أول الخيط لسقوط بن لادن، وأطلق على هذا الرجل الكويتى اسم حركى ... «وحش قندهار» .. وبمتابعته ورصد تحركاته، تبين تكرار زياراته إلى مدينة أبوت أباد الباكستانية، مقر الكلية الحربية الباكستانية، حيث يتجه إلى مبنى منعزل هناك، يتكون من ثلاثة طوابق، وتحيطه أسوار عالية، تعتليها أسلاك شائكة ... وأعتقد أن هذا هو مقر بن لادن ... ولأول مرة، يتصل بانيتا بالرئيس أوباما ويخبره بأنهم يقتربون من بن لادن!
وحيث إن المبنى يقع داخل دولة لها سيادتها، وفى مدينة شبه عسكرية، لوجود الكلية الحربية بها، فإن أى عمل عسكرى أمريكي، سيقابله، على الفور، رد من القوات المسلحة الباكستانية. ولتفادى هذا الموقف، ووفقاً لدراسات المخابرات الأمريكية، قام عدد من عملائها بالانتقال للعيش فى مدينة أبوت أباد، بجوار المبنى المشتبه فيه. وبالمراقبة، تبين أنه مجمع سكني، يعيش فيه «الكويتي» وزوجته ... وأخوه وزوجته ... «وشخصية مهمة»، أخري، تعيش داخل هذا المجمع، ولكن لم يستدل عليها، حينئذ. وتلاحظ من المراقبة، أنه لا أحد يخرج من هذا المبنى لقضاء احتياجاتهم إلا «الكويتي» ... ولم ترصد أى اتصالات إلكترونية من داخل المبنى ... إذ ان «الكويتي» كان يخرج إلى إحدى المدن المجاورة، ويجرى اتصالاته من أحد مقاهى الإنترنت، ثم يتأكد من محو أى أثر لتلك المكالمة.
وباستمرار المراقبة، تبين أن «الشخصية المهمة» التى تعيش فى هذا المجمع، لا تخرج منه على الإطلاق، وتقتصر تحركاتها على المشي، لأوقات محدودة، داخل فنائه. وبقياسات الطول التى التقتطها الأقمار الصناعية لتلك الشخصية، تأكد الأمل، بنسبة كبيرة، من أنه، بالفعل، بن لادن.
عندئذ، اتصل بانيتا بالجنرال الأمريكى ماكروف، المسئول عن التخطيط لتنفيذ العملية، باستخدام القوات الخاصة الأمريكية، والذى طلب إرجاء العملية لمدة 24 ساعة، نظراً لسوء الأحوال الجوية فى يوم 30 أبريل 2011. وفى التوقيت نفسه، كان البيت الأبيض يقيم الحفل السنوى للمراسلين الصحفيين، والذى حضره الرئيس أوباما، كالعادة، وكان كل رجال الرئيس فى حالة توتر وترقب ... فى انتظار تنفيذ العملية.
فى صباح ذلك اليوم ... وكعادته كل أحد ... مارس الرئيس الأمريكى أوباما رياضة الجولف المفضلة لديه ... إلا أن شعوره بالتوتر، لم يمكنه من إتمام عدد الحفر التى تعود عليها. فطلب تأمين خط اتصال مباشر بينه وبين مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، لمتابعة تنفيذ العملية.
يروى بانيتا أن القوات المنوط بها تنفيذ العملية، كانت قد تدربت لمدة 30 يوماً متواصلة، دون معرفة الهدف ... ولم يعرفوا سوى يوم 30 أبريل، بأن الهدف هو ... أسامة بن لادن ... « جيرونيمو» ... وهو الاسم الكودى الذى أطلق عليه فى هذه العملية، نسبة إلى أحد زعماء قبيلة الأباتشي، أحد أشهر قبائل الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، الذين قاتلوا «الأمريكيين البيض» فى القرن التاسع عشر.
ولقد تضمنت فترة التدريب، تشييد مبنى كامل، يشبه من الخارج ذلك الموجود به بن لادن، أما من الداخل، فقد تم وضع تصور هيكلى لما يمكن أن يكون عليه، ومن ثم تم إجراء التدريبات العملية للقوات على هذا المبني، وتم وضع عدد من السيناريوهات المختلفة، تحسباً لجميع الظروف. وعلى الرغم من وجود مترجم ضمن قوات العملية، فإنه تم تدريب جميع القوات، يومياً، على اللغتين الباكستانية والعربية، وخاصة بعض المصطلحات التى سيتم استخدامها فى أثناء تنفيذ العملية. ولقد أصر الجنرال ماكروف على تزويد قوات التنفيذ بأحدث الأجهزة والمعدات الإلكترونية الموجودة فى الترسانة الحربية الأمريكية، خاصة أجهزة الرؤية الليلية، والتى كان من شأنها إضاءة المبنى من الداخل، بمجرد نجاح القوات فى اقتحامه، بأشعة لا يراها سوى عناصر الاقتحام، وكاميرات التصوير التى تنقل الحدث، عبر الأقمار الصناعية، إلى مركز القيادة فى واشنطن.
كلب يدعى «كايرو»
تم تنفيذ العملية باستخدام طائرتين شينوك ... على متنهما 56 جنديا أمريكيا... وتحملان الاحتياطى اللازم للإنقاذ السريع ... ومهمتهما عمليات الإنقاذ السريع، وإعادة تموين باقى الطائرات الأخري. بالإضافة إلى طائرتين بلاك هوك، تحملان 24 فرداً، هم قوات الاقتحام ... منهم فرد مترجم، وكلب يدعى «كايرو». كانت مدة الرحلة 90 دقيقة من إحدى القواعد العسكرية الأمريكية فى أفغانستان ... عابرة الحدود الباكستانية إلى مدينة أبوت أباد العسكرية. وكان الطيارون قد تدربوا على التحليق المنخفض جداً، مستغلين الوديان المنخفضة بين الجبال الشاهقة ... حتى لا يتم كشفهم بواسطة الرادارات الباكستانية، وهو ما يعنى تدميرهم بواسطة سلاح الدفاع الجوى الباكستاني، باستخدام الطائرات إف-16.
نصت الخطة على هبوط الطائرة البلاك هوك الأولي، على سطح المنزل، بينما تهبط الثانية على الأرض بجواره مباشرة، والشينوك، اللتان تحملان عناصر الدعم الاحتياطي، على مسافة 104كم من الهدف، حتى لا تلفتا الأنظار بقوة صوت محركاتهما الجبارة.
تغير المناخ فجأة
ولكن عند التنفيذ، حدث ما لم يكن فى الحسبان، فبمجرد اقتراب الطائرات من منزل الهدف، اندفع عمود هوائى لتغيير المناخ، أدى لسقوط الطائرة البلاك الأولي، وتحطم المروحية، ولكن لم يصب رجالها بأذي. وكان الرئيس أوباما يتابع تنفيذ العملية على الهواء، من مركز القيادة، بواسطة الأقمار الصناعية وبواسطة الطائرات الموجهة بدون طيار. وبسقوط تلك الطائرة، تغيرت الخطة تماماً، بأن يصبح الهجوم على المبنى من الخارج ... وباستخدام كل القوات. وبدأ اقتحام المبنى وفقاً للتدريبات السابقة ... وكان «الكويتى وزوجته أول من قتلا فى الطابق الأسفل ... تلاه قتل أخيه وزوجته فى الطابق الثانى ... واندفعت القوات إلى الطابق الثالث، لتجد بن لادن ... وأكدوا للقيادة المركزية بأن «جيرونيمو موجود» ... وأردوه قتيلاً برصاصة فى الرأس ... وأبلغوا الرئيس الأمريكى ومدير وكالة الاستخبارات الأمريكية قائلين «لقد نلنا منه». وللتأكد من أنه الهدف المطلوب، فقد مدت جثته على الأرض، واستلقى بجوارها جندى أمريكي، للتأكد من طوله، وتم إرسال الصور إلى القيادة المركزية. ولزيادة التأكيد، تم تحليل الحامض النووى له، قبل إلقاء جثته فى البحر، كى لا تصبح مزاراً لأعضاء الحركات المتطرفة مستقبلاً.
وبانتهاء المهمة، واستعداد أفراد طاقمها للعودة، ظهرت مشكلة الطائرة المعطلة، فكان القرار هو سرعة تدميرها بشكل كامل، لتعثر نقلها، واستحالة تركها على حالتها، نظراً لاحتوائها على معدات ذات تقنيات عالية، لا يجوز لأحد الإطلاع عليها. ومع تفجير الطائرة بالكامل، أصبح احتمال تدخل القوات الباكستانية واردا فى خلال دقائق، فانطلقت الطائراتان الشينوك لتحملان طاقم المهمة، ومعهم جثة أسامة بن لادن. وكانت عودة الطائراتين، وعبورهما الحدود الباكستانية، وإعادة ملء خزانات الوقود للطائرة البلاك هوك المتبقية، من أعقد المراحل فى العملية، إذ تطلبت استخدام أعلى درجات التشويش على جميع الرادارات الباكستانية فى طريق العودة، حتى هبوطها فى «قاعدة جلال أباد العسكرية» فى أفغانستان. ووصلت جثة بن لادن إلى حاملة الطائرات الأمريكية «كارل فنسون»، حيث تم إجراء تحليل الحامض النووى DNA، والذى تطابق مع أحد أقرباء بن لادن، بعد نحو 8 ساعات من إجراء التحليل.
وبذلك لم يعد الأمر سراً، فخرج الرئيس أوباما، بعد نحو 3 ساعات من انتهاء العملية، وحتى قبل ظهور نتائج تحليل الحامض النووي، ليعلن للشعب الأمريكي، وللعالم أجمع، خبر القضاء على بن لادن على يد القوات الخاصة الأمريكية، مضيفاً أنه تم تطبيق الشعائر الإسلامية قبل إلقاء جثته فى البحر، كى لا يمجد من قبل الجماعات المتطرفة. وبإعلان الرئيس أوباما لهذا الخبر، انتهت قصة «أخطر رجل فى العالم»، الذى نال من هيبة الولايات المتحدة الأمريكية، نيلاً كبيراً.
يقول السيد بانيتا، أن فرحة الأمريكيين بهذا الخبر، لا تضاهيها فرحة، وتتلاشى أمامها أى صعاب. مضيفاً، أنه لا يهمه حجم الأموال التى أنفقت خلال السنوات السابقة لتنفيذ العملية، أو الأموال التى أنفقت فى التنفيذ، ولا يهمه حجم الأعمال الاستخباراتية، والمتابعات الميدانية، وعدد الأفراد الذين تم رصد تحركاتهم، ومكالماتهم ... كل ما يعنيه هو أنه أتم المهمة التى كلف بها، من قبل الرئيس والكونجرس الأمريكي، وانتقم لأرواح العشرات من الآلاف ممن قضى عليهم بن لادن فى أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وغيرها، وانتقم لشرف الولايات المتحدة الأمريكية. ويقول أنه على الرغم من عدم مرور وقت طويل على تلك العملية، فإن طريقة الإعلان عنها بهذه الطريقة، كان من أساليب الدعاية الأمريكية، التى تهدف إلى بث الخوف والرعب لمن تسول له نفسه المساس بأمن الولايات المتحدة الأمريكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.