وسط هذا الاضطراب الذى تعيشه المنطقة العربية فى عدة بؤر من بؤر الصراع الملتهبة التى اشتعلت نيرانها تحت قناع الربيع المزعوم ثم ظهرت الحقيقة وانكشفت الخدعة وبرزت على سطح المشهد كتائب القتل والتدمير والفوضى التى تحركها وتمولها قوى أجنبية هدفها تأكيد الادعاء بوجود فراغ أمنى وسياسى يهدد أمن العالم بأسره وليس أمن واستقرار المنطقة وحدها! وفى ظل هذه الأوضاع عادت إلى الظهور مصطلحات تتحدث عن صياغة نظام للأمن الإقليمى بدرجة تقترب من صيغة حلف بغداد الذى نجح جمال عبد الناصر فى إسقاطه قبل أن يرى النور. والذين عاشوا هذه المرحلة التاريخية فى أوج المد القومى العربى عند منتصف الخمسينات من القرن الماضى يعرفون كيف استدارت السياسة الأمريكية وتخلت عن نظرية ملء الفراغ وانتهج أيزنهاور ووزير خارجيته جون فوستر دالاس نظرية جديدة اسمها «الاحتواء» لامتصاص الغضب العربى والحيلولة دون مزيد من الزحف السوفيتى بعد فشل العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 وإقدام الاتحاد السوفيتى على تمويل بناء السد العالى. لكن الأمر جد مختلف فى الوضع الراهن فلم يعد هناك الاتحاد السوفيتى كقوة عظمى موازية للقوة الأطلسية التى تقودها أمريكا بل إن هناك إشارات لا تخطئها العين حول وجود توافق بين واشنطن وموسكو حول العودة إلى نظرية ملء الفراغ ناهيك عن أن ما كان يعرف بالمشروع القومى العربى قد تراجع تراجعا مخيفا. ويثير القلق والفزع أنه رغم وجود قاعدة العديد العسكرية الأمريكية فى قطر وقاعدة انجرليك العسكرية الأمريكية فى تركيا تتسارع خطوات لإقامة قواعد عسكرية دائمة لحلف الأطلسى «الناتو» فى بعض دول الخليج.. وكفى غيابا عن الوعى وعدم حسن قراءة وتقدير المواقف يا أمة لم يعد يشغلها سوى المناكفات والمماحكات فيما بينها بينما لا يوجد عبد الناصر عندنا وجاء ترامب رئيسا لأمريكا ويصعب الرهان على أنه سيكون عقلانيا مثل سلفه الجمهورى داويت أيزنهاور خير الكلام: المعرفة توفر الشجاعة والجهل يصنع الخوف! [email protected] لمزيد من مقالات مرسي عطا الله