«يهل علينا شهر أكتوبر من كل عام فتنشط ذاكرة المصريين ونستعيد تفاصيل هذا الحدث العظيم فى تاريخ مصر الحديث الذى حققت فيه أعظم انتصاراتها العسكرية فى شهر أكتوبر من كل عام تمتلئ أعمدة الصحف بالكتابات، والتحليلات، والذكريات عن حرب أكتوبر وتظهر الدبابات، والمدفعية، وخط بارليف على شاشات التليفزيونات وتبدأ الندوات العلمية فى الجامعات المصرية، وأندية الروتاري، والإنرويل الجميع يتحدث عن روح أكتوبر. كانت تلك مقدمة مقالي، فى هذا المكان، فى الأسبوع الماضي، وقد تعمدت كتابة هذه الكلمات خوفاً من ذاكرة الأمة. فمازلت أذكر نشأتي، وأنا طفلً صغير، فى مدينة بورسعيد، عندما كنا نحتفل، بذكرى عيد النصر فى يوم 23 ديسمبر من كل عام. هذا النصر العظيم، الذى حققته مصر على ثلاث دول هى بريطانيا العظمى، وفرنسا، وإسرائيل. فغنى المصريون، والعرب جميعاً، فرحاً مع أم كلثوم، وعبد الحليم، وشادية، ونجاح سلام، وغيرهم وشهدت مدينة بورسعيد أجمل الاحتفالات، وهى تستقبل زعيم مصر والأمة العربية، لإحياء ذكرى النصر فى كل عام ورويداً رويدا بدأ هذا الاحتفال يخبو بل ويختفى ولم يبق من ذكراه سوى أن صار يوم عطلة رسمية، مقصورة على المدارس فقط، فرح بها الطلبة، بالرغم من جهلهم بسببها!. ومن هنا جاء خوفى على ذكرى يوم 6 أكتوبر من أن يصبح، بعد عدة سنوات أخرى، مجرد يوم عطلة رسمية مدرجة على أجندة العطلات السنوية فى مصر. ولتفادى ذلك المحو والنسيان فالمسئولية تقع على عاتق العديد من الجهات بالدولة، لذا رأيت أن أنبهها، وأعاتبها عتاب المهتم بحال البلد. وأهمهم وزارة التربية والتعليم، المسئولة عن تضمين ملحمة حرب أكتوبر العظيمة، فى المناهج الدراسية لكل عام، والتضمين هنا لا يعنى الإشارة إلى تاريخ الحرب، وانتصار المصريين فيها، فحسب، وإنما يكون بالاستفاضة فى عرض قصص وبطولات أبناء القوات المسلحة المصرية، الذين حققوا هذا النصر العظيم، وكذلك عرض ما بذله الشعب المصرى من تضحيات فى تلك الفترة، لتظل محل فخر الأجيال المتلاحقة. لقد ذكرت من قبل فى مناسبات عدة، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية صنعت أبطالاً أسطوريين، مثل "رامبو" لتعزز عند شعبها إحساس الفخر والانتماء خاصة عندما اكتشفت أن الشعب الأمريكى لا يمجد حربها فى فيتنام، وفى أفغانستان. فما بالنا ونحن أصحاب ملاحم حقيقية، رسمت التاريخ الحديث لمصر، والمنطقة العربية بأسرها ما بالنا لا نبرزها فى المقام اللائق بها؟! لذا، فالمطلوب من وزارة التربية والتعليم خاصة أنها بصدد تطوير المناهج التعليمية أن تعمل على إضافة تفاصيل بطولات حرب أكتوبر، فى مادة التاريخ، لكل عام دراسي، مع مراعاة أن يتناسب الموضوع مع سن الطالب، ومرحلته الدراسية لينهى مراحل تعليمه، وقد ألم بجميع التفاصيل والبطولات الخاصة بتلك الحقبة من تاريخ مصر الحديث، بهدف الحفاظ على ذاكرة الأمة فضلاً عن تخصيص بعض من الرحلات المدرسية إلى المواقع الحقيقية للحرب، وهو ما كان معمولاً به من قبل، وكان له شديد الأثر فى ربط الطلاب منذ صغرهم بتاريخ الآباء والأجداد وبطولاتهم. وعلى مستوى الجامعة، فيجب على المجلس الأعلى للجامعات اتخاذ القرارات اللازمة بشأن نوعية الأنشطة الثقافية المقررة لطلبة الجامعة سواء فى الاحتفالات، أو المحاضرات، وحتى الزيارات إلى بانوراما حرب أكتوبر، والمتاحف العسكرية، التى توضح بطولات الجيش المصرى عبر العصور، وأن يكون هناك جزء من المناهج الدراسية للطلبة، مخصصً لإجراء أبحاث حول أمن مصر، ودور الجيش المصرى فى حماية الأوطان. هذا بالإضافة إلى ما تطرقت إليه فى مقال سابق، من ضرورة إنتاج أفلام روائية جديدة توثق لحرب أكتوبر 73 لما لهذه النوعية من الأفلام من قدرة على إظهار حجم وشكل البطولات، ولما لها من تأثير فى جذب المشاهدين، خاصة الشباب، وتثبيت الأحداث فى الذاكرة. إن ما دفعنى إلى التفكير فى كتابة هذه السطور هو موقف تعرضت له فى أثناء استضافتى فى أحد البرامج التليفزيونية، فى شهر أكتوبر الماضي، للحديث عن ذكريات الحرب والعمليات العسكرية، وعند وصولى إلى الاستوديو، سلمت مساعدة المخرج، فيلماً تسجيلياً قصيراً لتقوم بعرضه عند نقطة معينة من الحوار كان الفيلم عن موشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق، وهو يتحدث، بأسى وحزن عما حققه المصريون من نصر خلال العبور وخلال الحرب، فإذ بى أفاجأ بمساعدة المخرج تسألنى "من هو مشى ديان؟"! وبالرغم مما أصابنى من حسرة وألم لسماع السؤال أعتقد أنهما كانا السبب فى أن أرى تلك الحلقة التى قدمتها هى أسوأ لقاء تليفزيونى أجريته إلا أننى لم ألق اللوم على هذه الشابة المتخرجة من إحدى الجامعات المصرية وحدها، بل أرى أن اللوم يوجه إلى جهات عديدة أخرى بالإضافة إلى وزارة التربية والتعليم التى ذكرتها من قبل، ومنها وزارة التعليم العالي، ووزارة الثقافة، والإعلام، وغيرهم ممن غاب دورهم الحيوى فى إحياء ذاكرة الشعب المصرى، وإطلاع الأجيال الجديدة منه على بطولات الشعب المصرى وبطولاته المسلحة. أقول ذلك حتى لا تتوه منا مرة أخرى، ذكرى أعظم حرب للمصريين فى التاريخ الحديث، وتتحول هذه الذكرى إلى مجرد عطلة رسمية للمصريين وينتهى مولد سيدى أكتوبر!. لمزيد من مقالات لواء د. سمير فرج