لست أظن أن مصر أقل من دول كثيرة نجحت خلال سنوات قليلة في أن تنتقل من خانة التسيب والإهمال الإداري إلي خانة الانضباط المؤسسي الذي وضع أقدام هذه المجتمعات علي طريق النهضة والتقدم. ولكي لا يكون الكلام مجرد كلام مرسل وعام فلعلي أقول: إن هذه المجتمعات استطاعت أن تتوصل للصيغة المثلي في التنظيم الإداري للمجتمع ككل, وليس كما نفعل نحن في الانشغال وتوصيف وتقييم الدرجات والوظائف في جهازنا الإداري المترهل والمكتظ بالعمالة الزائدة التي تفوق كل حد.. فهم دائما منشغلون بابتكار النظم والأساليب والوسائل التي تؤدي إلي سرعة دوران عجلة العمل وتيسير مهمة المتعاملين مع الأجهزة بالاحترام والأدب وحسن الاستقبال. إن محدودية العدد في الجهاز الإداري للدول المتقدمة تمثل أحد أهم أسباب النجاح فيها لأنها تحقق القدرة والمرونة المطلوبة لضبط إيقاع العمل وضمان تحقيق الرقابة الواجبة علي جميع الأنشطة. إن مهمة الجهاز الإداري للدولة هناك لا تستنزف في القيام بأعمال تنفيذية وإنما تتركز في وضع القواعد والضوابط ثم ضمان مراقبة الالتزام بها في كل موقع! إنك علي سبيل المثال تستطيع أن تلمس قيمة وأهمية التنظيم الإداري في أي مجتمع متقدم عندما تدلف إلي داخل أي هيئة أو مؤسسة أو مول تجاري حيث تجد في مدخل كل مبني لوحة إرشادية واضحة ترد علي أي استفسار يخطر علي ذهنك, وتشرح لك في تبسيط موجز ماهية النظم واللوائح التي تحكم العمل ومراحل تنفيذه. ولكي أكون أكثر وضوحا لعلي أقول: إن المبدأ العام الذي يحكم أسلوب العمل والتعامل يقوم هناك علي ضرورة توفير جميع المعلومات اللازمة للمواطنين بنظم وتعليمات الهيئة أو المؤسسة أو المتجر الذي يتوجهون إليه, والهدف من ذلك واضح وهو ألا يكون تغييب المعلومات مدخلا لأي انحراف أو سبيلا لأي تعقيد روتيني يعطل المصالح ويعذب البشر فضلا عن أهمية ذلك في عدم شغل العاملين في أي مرفق بمهمة الرد علي الاستفسارات لضمان تفرغهم الكامل للمهام الملقاة علي عاتقهم لتحقيق الأهداف المرجوة بكل دقة وانضباط.. وهذا بالفعل هو الاستثمار الحقيقي لجهد وأداء الموظف من خلال ساعات عمل حقيقية لا تعرف جلسات الدردشة وحلقات حل الكلمات المتقاطعة داخل الدواوين! وغدا نواصل الحديث خير الكلام: عندما يموت الماضي يصعب إحياؤه من جديد! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله