تباينت نتيجة انتخابات الإعادة بين المتنافسين علي رئاسة جمهورية ما بعد الثورة من محافظة إلي أخري بل من لجنة إلي أخري نتيجة عوامل متعددة كانت واضحة منذ البداية وأكدتها النتائج من أهمها ما يلي: إنحاز أعضاء الحزب الوطني المنحل إلي الفريق أحمد شفيق انحيازا كاملا حيث بذلوا جهودا كبيرة وانفقوا ببذخ علي اعتبار أنها فرصتهم الأخيرة في العودة إلي الأضواء وخاصة بعد أن تم الإعلان عن حل مجلس الشعب قبل يومين فقط من الانتخابات.. وقد ساهم ذلك في تفوق شفيق علي منافسه في عدد من محافظات الدلتا الغربية والدقهلية والقليوبية والمنوفية والشرقية وهي المحافظات التي كان للحزب الوطني فيها اليد الطولي في السابق حيث كان هؤلاء وذووهم مندوبي شفيق في اللجان والقائمين علي حملته الانتخابية خارجها. كان للطائفية دور واضح حيث تفوق شفيق أيضا وبوضوح علي منافسه في دوائر محددة مثل شبرا بالقاهرة وقلص الفارق في دوائر أخري بالإسكندرية وفاز في بعض اللجان بأسيوط وهي الدوائر التي تضم غالبية من الأقباط الذين تجنبوا التصويت للدكتور محمد مرسي لأسباب دينية إلا أن ذلك قد ألقي بظلال عكسية علي الدوائر المجاورة حيث حصول مرسي علي أغلبية واضحة في محافظة أسيوط ككل وعلي أغلبية مهمة بمحافظة الإسكندرية. ألقت الطائفية أيضا بظلالها علي كل محافظات الصعيد باستثناء الأقصر حيث تفوق الدكتور محمد مرسي في كل من بني سويف والفيوم والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان مع الأخذ في الاعتبار أيضا الدور الاجتماعي الذي تلعبه القوي الدينية في هذه المحافظات وأثرها الواضح علي التوجه الانتخابي, كما كان للعامل القبلي والعائلات التي كانت ممثلة في الحزب الوطني سابقا الأثر الكبير في معظم الأصوات التي حصل عليها الفريق أحمد شفيق بهذه المحافظات. ربما كان للطبيعة السياحية لمحافظة الأقصر أثرها في تغير الموقف هناك حيث تفوق شفيق علي منافسة وان كان بنسبة ضئيلة وهو أمر كان متوقعا في محافظة يغيب عنها التيار الإسلامي إلي حد كبير, وهو ما ينطبق أيضا علي كل من محافظتي البحر الأحمر وجنوب سيناء اللتين حقق فيهما شفيق تفوقا معنويا في مجتمع يخشي علي مصدر الرزق الأول هناك وهو السياحة التي ردد البعض أنها يمكن أن تتأثر بوصول التيار الإسلامي إلي الحكم. وعلي العكس من ذلك فقد تفوق الدكتور محمد مرسي في محافظات شمال سيناء والوادي الجديد وكل من الإسماعيلية والسويس وهي محافظات كان للعامل الثوري دور مهم في عمليات الاختيار هناك حيث تفاعلت مع الأحداث منذ الأيام الأولي للثورة إلي حد العنف واراقة الدماء علي خلاف محافظة بورسعيد التي تفوق فيها شفيق لما للقوي الحزبية المختلفة هناك من انتشار واسع يصطدم في كثير من الأحيان بالتنظيمات الدينية. وكما كانت الأقصر حالة مختلفة من بين محافظات الصعيد فقد شكلت محافظتي كفرالشيخ والبحيرة حالة خاصة وسط محافظات الدلتا حيث تفوق فيهما الدكتور محمد مرسي تفوقا واضحا أكد قوة جماعة الإخوان المسلمين هناك, كما أكد أيضا ضعف تنظيم الحزب الوطني المنحل ربما لترامي أطراف المحافظتين شاسعتي المساحة. وإذا كانت هناك محافظة مثل المنوفية قد حصل فيها الفريق أحمد شفيق علي أعلي الأصوات علي الاطلاق من بين كل المحافظات التي تفوق بها وهي بنسبة 76% حيث كان يتركز بهذه المحافظة معظم قيادات الحزب الوطني السابقين فان محافظة مرسي مطروح قد أتت في مقدمة المحافظات التي حصل فيها الدكتور محمد مرسي علي نسبة عالية بلغت 80% وذلك لما للتيار الديني وخاصة السلفي هناك من وجود قوي حصل من خلاله الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح في الجولة الأولي من الانتخابات علي الأغلبية من بين جميع المرشحين وهو الأمر الذي يؤكد أن السلفيين قد شاركوا بنسبة كبيرة في جولة الإعادة, وربما ينطبق هذا الأمر أيضا علي محافظة دمياط التي تفوق فيها أبو الفتوح في الجولة الأولي ثم تفوق فيها الدكتور مرسي في جولة الإعادة. كان لحكم المحكمة الدستورية الذي قضي بحل مجلس الشعب قبيل انتخابات الإعادة دور واضح في كسب الدكتور مرسي لنسبة من الأصوات لم تكن في صالحه منذ البداية حيث كانت بمثابة رد فعل للحكم وخاصة من بعض القوي الثورية التي أعلنت تأييدها له في اللحظات الأخيرة, وفي الوقت نفسه بدا انحيازا واضحا من عائلات العسكريين ورجال الشرطة للفريق أحمد شفيق. يمكن التأكيد أن الفريق شفيق قد حصل في جولة الإعادة علي أصوات مؤيدي السيد عمرو موسي في الجولة الأولي, كما حصل الدكتور محمد مرسي علي معظم أصوات مؤيدي أبوالفتوح بينما كانت الأصوات التي حصل عليها حمدين صباحي في الجولة الأولي هي الأكثر اثارة بين المحللين الذين رأوا أن معظم أصحاب هذه الأصوات إما لم يذهبوا إلي صناديق الانتخابات واما ذهبوا وأبطلوها وهو ما بدا واضحا في ارتفاع نسبة الأصوات الباطلة, إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن هناك نسبة ولو ضئيلة قد صوتت لهذا أو ذاك. لعبت وسائل الإعلام والشائعات معا دورها في الإضرار بكلا المرشحين علي السواء وهو ما وضع كل منهما في موقف لا يحسد عليه ألقي بظلاله علي سير الانتخابات التي كانت صعبة علي كل منهما ولم تكن أدق التوقعات تستطيع ترجيح كفة أحدهما. لعبت لغة المال أو بمعني أوضح الرشاوي الانتخابية دورا بارزا في جولة الإعادة وخاصة بالمحافظات وفي القري علي وجه الخصوص حيث بلغ ثمن الصوت الانتخابي في بعض المناطق خمسمائة جنيه حسبما رصد مراسلو الأهرام هناك, كما ألقت عمليات التحايل علي التصويت والتزوير بظلال قائمة علي سير العملية الانتخابية التي شهدت بعض أعمال العنف أيضا ربما لنفس السبب, أما عمليات خرق الدعاية فكانت هي الأبرز. علي أية حال.. فقد شهدت مصر انتخابات ربما هي الأبرز والأكثر نزاهة في تاريحها سواء في عمليات التصويت أو الفرز, ويمكن القول أن كل ما حدث من تجاوزات لا يرقي إلي حد التوقف أمامه وأن نسبة التصويت وان كانت لم تصل إلي 50% من جملة المقيدين بجداول الانتخابات هي نسبة عالية ترقي إلي أكثر الدول ديمقراطية وما علي المتنافسين إلا أن يثبتا أنهما علي قدر الحدث وعلي مستوي المسئولية وذلك بالتوجه إلي الناخبين والمواطنين بصفة عامة وحثهم علي الهدوء علنا ننتقل إلي مرحلة أكثر فاعلية ويعود الهدوء إلي مجتمع ضج من التوتر والأزمات الاجتماعية.