لم تتحرك إسرائيل خطوة واحدة على طريق رد الحقوق إلا بعد ضغط يقنع الرأى العام الإسرائيلى قبل صانع القرار بأن لا مفر من تقديم «تنازلات» ومادام الردع العربى تراجع بخروج جيوش العراق وسوريا وليبيا من المعادلة واتفاق المقاومة اللبنانية والفلسطينية المكتوب وغير المكتوب على إبرام هدنة طويلة مع جيش الاحتلال فقد بقيت ورقة التطبيع أو السلام الدافئ ورقة أخيرة تخطط تل أبيب لاقتناصها مجانا إن أمكن. استوقفتنى تداعيات ما بعد عدم مصافحة اللاعب المصرى إسلام الشهابى لمنافسه فى الجودو فى إطار الألعاب الأوليمبية فإذا كان هناك فريق يرى أن التصرف يتماشى مع التوجه المصرى الرسمى المتمسك بالسلام البارد ويتحرك بتحفظ ويتحدث بحرص وأحيانا بجفاء مع دولة احتلال ترفض منذ أكثر من نصف قرن تنفيذ قرارات الأممالمتحدة، على الرغم من أنها هى ذاتها قامت بقرار من الأممالمتحدة! ويرى من ساند الشهابى أنه غير مجبر على هذا البروتوكول والمجاملات، رغم أن الدبلوماسيين العرب لا يصافحون نظراءهم الإسرائيليين فى المحافل الدولية وبالطبع لا يتركون الساحة خالية لهم. وذكّرّوا من قال إنه لا خلط بين الرياضة خصوصا الاوليمبياد والسياسة بمواقف الدول الغربية وحلفائها من أوليمبياد موسكو 1980. وقال أنصار هذا التوجه أيضا: اسألوا إسرائيليا أن يصافح نازيا ودعونا نر!! فى المقابل شارك عدد لا يستهان به من المصريين فى انتقاد لاذع وصل لحد السخرية والتجريح للاعب المصري. وهذا فى رأيى له أسباب كثيرة منها الدور السلبى الذى لعبته حركة حماس بتدخلها فى الشأن المصرى إعلاميا وميدانيا بشكل فج وصل لحد الإضرار بأمن مصر وممارسة الضغوط عليها. كما ساعد فى تنامى هذا التوجه كذلك هدوء الجبهة الفلسطينية واللبنانية لسنوات وبروز مجموعات من المرتزقة تحت شعار الإسلام السياسي، ساهمت كذلك فى إعادة ترتيب أولويات البغض والعداء والحنق. والنتيجة هى انقسام الرأى العام الذى كان إلى وقت قريب رافضاً، بل بشكل متشنج أحياناً، لأى تطبيع مع إسرائيل واعتبر مقابلة توفيق عكاشة عضو البرلمان المصرى للسفير الإسرائيلى مبرراً لطرده من البرلمان، «كمطلب شعبي»؛ وذلك إلى أقسام ثلاثة 1- قسم رافض لأى لقاء ويعتبره تطبيعاً 2- قسم مؤيد للاعب ويرى أن التحية فى اللعبة هى الانحناء (أوجيجي) ولا تشمل السلام باليد. 3- قسم يرى ضرورة السمو فوق الخلافات السياسية والتعامل بشكل رياضى وإنسانى فى الموقف نفسه دون النظر إلى سياسات الحكومات. خاصة أن هذا التصرف سيتعين مواكبته ببذل جهود كبيرة لتبريره أو الدفاع عنه. وحتى هذا لم يحدث فقد وافقت البعثة المصرية على لوم اللجنة الأوليمبية وأعادت اللاعب فوراً إلى أرض الوطن. بعد أن تسببت واقعة رفض الشهابى مصافحة منافسه الإسرائيلي، فى زوبعة إعلامية دولية وتم تسييس الواقعة لخدمة دولة الاحتلال وإظهارها على أنها دولة ساعية للسلام مع العرب. باستثناء عدد محدود من الإعلاميين كان أحدهم رسام كاريكاتير صور اللاعب الإسرائيلى وهو يرتدى زى الجودو عليه علم إسرائيل يقطر دما. المقابلة الرياضية التى يرفض أحد طرفيها مصافحة منافسه تكررت بنفس السيناريو بين مصر وإسرائيل فى منافسات رسمية وغير رسمية لكرة اليد والجودو وألعاب أخري، لكن هذه هى المرة الأولى التى لا يتعاطف فيها عدد لا يستهان به مع موقف اللاعب المصري. ومن متابعتى للحملة الشرسة على اللاعب فى وسائل الإعلام الإسرائيلية السريعة فى رد فعلها وجدت أن وجهة نظرها أبرزتها وسائل الإعلام الغربية وعدد من كتاب الرأى والمتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي. ما أود أن أشير إليه هو أن استكشاف آفاق حل سلمى حقيقى تم منذ عهد الزعيم جمال عبد الناصر بمعزل عن الجماهير والشارع وهو الوضع الذى استمر أيضا فى عهد الرئيس السادات ثم مبارك حيث اقتصر الأمر على تطبيع اقتصادى محدود وصولاً لمرحلة مدريد واتفاقيات أوسلو ومبادرة السلام العربية. وهى كلها قائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام.. مع الوضع فى الاعتبار أن واقعة عدم مصافحة المنافسين حدثت هذه الدورة الأوليمبية من أمريكيتين ضد بطلة روسية كماحدثت داخل المشهدالرياضى الإسرائيلى دون عقاب، بل حدث العكس حيث تم تكريم المخطيء. والسؤال هنا هل يخدم هذا الموقف الشعبى الجديد فى مواجهة ممثل دولة احتلال موقف المفاوض المصرى والفلسطينى والعربي؟ وفى المقابل هل يمكن أن يمثل هذا التحول حافزا للمفاوض الإسرائيلى لقبول مبادرة فرنسا أو مبادرة الملك الراحل عبد الله بعد أن ارتكز عليها تحرك الرئيس السيسى منذ نحو شهرين؟ والأهم ماذا سيقدم العرب مقابل الأرض لو تم التفريط فى ورقة التطبيع الكامل وقبل الرأى العام المصرى والعربى التعاطى الطبيعى مع دولة الاحتلال حتى وهى ترسل جواسيسها لنا وتشوه مسيرتنا - إعلاميا - بالأباطيل التى تخدم الجماعات الإرهابية؟ الجدار المصرى الرافض للتطبيع الشعبى تعرض لخدش غائر فى هذه الواقعة، ويمكن أن يعتبرها نيتانياهو والرأى العام الإسرائيلى بادرة حسن نية توازى بوادر رسمية مصرية ويتبقى رصد سبل التعامل الإسرائيلى معها فالمفترض هو التشبث بهذه الفرصة التاريخية السانحة واتخاذ خطوات عملية إسرائيلية لوقف الاستيطان والعدوان على المقدسات إلا أن الظاهر حتى اللحظة هو أن الرأى العام الإسرائيلى ومعه نيتانياهو يبتعدون باطراد عن أى مواقف معتدلة مرنة تسمح بتدشين تحرك فعال وتاريخى يخدم جميع الأطراف ويغير وجه المنطقة. لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور