استمعت الى الكثير من الأحاديث والحوارات فى عهود سابقة وحتى عهدنا الحالى حول أهمية استخدام الدول للقوة الناعمة فى علاقاتها مع الدول ذات الأهمية الشديدة التى تتمتع بأولوية لديها سواء كانت فى علاقات الجوار أو العلاقات الاستراتيجية التى لا غنى عنها ، وبالطبع فان مصر لديها مثل هذا النوع من العلاقات مع الدول العربية الشقيقة والدول الأفريقية خاصة دول حوض النيل فضلا عن دول الدائرة الاسلامية وبعض الدول فى الدوائر الأخرى الآسيوية والأوروبية والأمريكية ، ومع مرور الوقت ارتفعت الأصوات حول أهمية ما يطلق عليه الدبلوماسية الشعبية للقيام بدور فى هذه العلاقات، وبالفعل انطلقت الوفود الشعبية تحمل الكتاب والفنانين وبعض رجال الأعمال فى زيارات الى بعض الدول الأفريقية ، وارتفعت التوقعات واستبشر الجميع بدفع عجلة العلاقات مع هذه الدول دفعة كبيرة، ومرت الأيام ولم نر أى نتائج مبشرة مع انخفاض درجة الحماس ثم اختفائه بالكامل مع مرور الوقت وظهور أحداث جديدة على الساحة السياسية، ثم ظهرت موجة أخرى من هذا النوع من الأحاديث حول أهمية استخدام القوة الناعمة بأدواتها الثقافية والفنية ، ولم يتعد التطبيق المشاركة فى بعض المهرجانات الفنية والمسابقات الثقافية دون بذل جهد حقيقى فى هذا الاتجاه ودون قياس - معلن عنه - للناتج الفعلى المتحصل من ذلك لصالحنا ، دون مبالغة أو تهويل ، خاصة أن المفهوم علميا أن مثل هذه التحركات لابد أن تدخل ضمن اطار الجهود الكلية للدولة التى تكون مردوداتها محل قياس باعتبار أن لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه. وقد كان يراودنى شعور مستمر بأننا نفتقد شيئا مهما فى هذا الطريق ولم أستطع أن أحدد ملامحه بوضوح ، هل هى الآليات وابتكار الأساليب الجديدة ؟ وحدثت المفاجأة التى أشرقت معها أنوار الحقيقة متجلية فى مشهد بأحد الأفلام الهندية الحديثة التى تعرضها قناة فضائية هندية شهيرة ، حيث كانت أحداث الفيلم تدور فى اطار قصة عاطفية بين شاب هندى مسلم وفتاة مسلمة من باكستان، وبالطبع فانهما واجها عقبات خلال قصة الحب التى أحاطها العديد من المشاهد المؤثرة والاستعراضات الفنية المبهرة، وتطورت الأحداث حتى زج بالبطل فى السجن وقضى به اثنين وعشرين عاما ظلما، وعندما تمكنت محاميته من الحصول على حكم ببراءته سأله القاضى ان كان يريد الحديث فما كان من البطل - الممثل شاروخان وهو النجم الأشهر فى الهند – الا أن قرأ رسالة موجهة الى الجميع ولم تكن الرسالة عاطفية أو تتحدث عما لحق به من ظلم ولكنها كانت رسالة انسانية شديدة التأثير قال فيها انه عندما كان ينظر من خلال قضبان نافذته بالسجن كان يتنسم عبير الأزهار وهى ذاتها رائحة الأزهار ببلده وأنه كان يستمع الى أصوات الاحتفالات بعيد الحصاد تأتى من بعيد مثلما كانت أصوات الاحتفالات بذلك العيد فى قريته ، فكيف يقولون انه أتى من بلد مختلف ؟! وانه وجد نفسه يشبه من يراهم من البشر فى باكستان فكيف يكون انسانا مختلفا ؟ وان الأمهات فى باكستان يشبهن فى عواطفهن الأمهات فى الهند فأين الاختلاف ؟ وهنا فاننا نشعر انها رسالة محبة ورسالة انسانية لم تشر الى التوتر والنزاعات بين الهندوباكستان ، انها رسالة محبة بين البشر ، وهذا ما نحتاجه فى علاقاتنا مع الشعوب الأخرى ، انها علاقات بين الانسان والانسان لأننا جميعا نعيش تحت سماء واحدة ونحصل على طعامنا من أرض واحدة وقد خلقنا رب واحد سوف نرجع اليه جميعا يوم الحساب.