كثيرون يبحثون عن الأمن والنجاة والأمان، في كل وقت وحين وآن؛ من البلايا والمحن والافتتان. وليس من وسيلة أعظم إلى ذلك، من الاستغفار، إذ به تُغفر الذنوب، وتُستر العيوب، وتُبارك الأرزاق، ويَحل النعيم، وتُستحق الجنة. الاستغفار سر الأعمال، وكنز المسلم، ومستحق رحمة الله. قال قتادة: "إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار". وقال الحسن البصري: "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وأسواقكم، ومجالسكم، وأينما كنتم، فإنكم لا تدرون: متى تنزل المغفرة؟". وقد مدح الله "َالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ"، وقال: "وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"، وقال: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ".(الأنفال: 33). قال ابن عباس: "كان فيهم أمانان: نبي الله والاستغفار، أما النبي فقد مضى، وأما الاستغفار فهو باق إلى يوم القيامة". وقد تعهد الله أن يغفر لمن استغفره، فقال:"وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا". كما وعد سبحانه بأن يجلب الاستغفار الخيرات، ويدفع البلاء، فقال، على لسان نوح عليه السلام: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)".(نوح). وقال تعالى: "وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً"، قيل إن المتاع الحسن: سعة الرزق، ورغد العيش، والعافية في الدنيا. أما الأجل المسمى فهو: الموت. وكان الاستغفار دأب الأنبياء والرسل.. فقال آدم وزوجه: "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ". وقال نوح: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا". وقال موسى: "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". ومن هنا توالت دعوات الأنباء لقومهم إلى الاستغفار. فقال شعيب لقومه: "وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ". وقال صالح لقومه: "فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ". وقال هود لقومه: "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ". وورد الحديث عن الأغر المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه ليغان على قلبى، وإنى لأستغفر الله فى اليوم مائة مرة". قال الإمام النووي:" الغين ما يتغشى القلب، فالمراد: الفترات والغفلات عن الذكر الذى كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل، عدَّ ذلك ذنبا، واستغفر منه". وأعظم صيغة للاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على الله، ثم يثني بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة. عنْ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ". (البخاري) وروي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار. وعلق القرطبي: "هذا يقوله في زمانه، فكيف في زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مكبا على الظلم، حريصا عليه، لا يقلع، زاعما أنه يستغفر الله من ذنبه، وذلك استهزاء منه واستخفاف". والأمر هكذا،: ما أحلى حياة الطهر والنقاء، باستغفار الله تعالى، والندم بين يديه، والإقبال شوقا إليه، وطلب عفوه ورضائه. قال علي - كرم الله وجهه -: "العجب ممن يهلك، ومعه النجاة، قيل وما هي؟ قال: الاستغفار". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد