لا شك أن قضية الخطاب الدينى بصفة عامة صارت تشكل هاجسًا عالميًّا نتيجة أعمال تلك الجماعات الإرهابية الإجرامية التى تتاجر يالأديان، ونتيجة ما حملته الأديان عبر تاريخها الطويل من مطامع البشر، وتدثر السياسة لدى البعض بدثار الدين حتى قامت حروب سياسية ترفع رايات الدين وأعلامه لخداع العامة والدهماء وإضفاء ضرب من القداسة على هذه الحروب، ونتج عن توظيف الخطاب الدينى من بعض رجال الدين فى أوروبا فى العصور الوسطى لتحقيق مكاسب دنيوية وسلطوية أن صار الناس على سطوة رجال الدين، وطالبوا بفصل الدين عن السياسة وبعلمانية الدولة، لأن ما عانوه من تسلط رجال الدين آنذاك قد فاق حدود البشر فى التحمل أو قل فى التجاوز والاعتداء، وأخذت قضية الدين تنزوى وتتلاشى فى نفوس كثير من الغربيين، ولولا أن الدين فطرة الله التى فطر الناس عليها لكانت العواقب أشد وأقسي. وعندما تاجرت بعض الجماعات وفى مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية وما انشق عنها أو انبثق منها أو نسّق معها من جماعات إرهابية تاجرت بالدين، رأينا فكرًا شاذًّا غريبًا على ديننا وأخلاقنا وقيمنا وحضارتنا، رأينا كذبًا واختلاقًا وافتراءً لا يحتمله عقل ولا بشر ولا مجتمع، وعادت الجماعة إلى سيرتها الأولى من العنف والقتل والاغتيال وإهلاك الحرث والنسل، وتخريب العامر، وهدم البنيان، وترويع الآمنين أو استهدافهم، دون وازع من دين أو ضمير إنسانى حي، ثم انبثق عنها وتفرع منها وخرج منها من انضم أو نسق مع داعش، والقاعدة، وجماعات الخزلان، وأعداء بيت المقدس، وجند الشيطان، ممن عاثوا فى الأرض فسادًا، واستحلوا ما حرم الله من ذبح البشر وحرقهم والتنكيل بهم فى موجات عنف لا تمت للإنسانية بصلة حتى رأينا من يذبح أخاه أو والده حجة أنهم لا يصلون، ورأينا من يدهس المواطنين الأبرياء الآمنين، لا ندرى بأى ذنب قتلوا أو دهسوا؟ وأى دين هذا الذى استباح دماءهم؟ وأى مجرم هذا الذى أفتى بجواز ذلك؟، بل أى إنسان هذا الذى خطط ودبر ونفذ؟. إن بعض الشباب قد ينجرون أو يساقون إلى هذه التنظيمات أو ينساقون إليها دون فهم أو وعى وبلا إدراك لطبيعة هذه الجماعات الضالة المضلة المجرمة المخربة المفسدة، حتى إذا ما دخلوا إليها دخلوا من الباب الذى لا خروج منه ولا رجوع إليه، فإذا ما فكر الملتحق بهذه الجماعات مجرد تفكير فى تغيير وجهته عن هذه الجماعات الضالة الآثمة، لقى من العنت والتنكيل أضعاف ما يلقاه أعداء هذه الجماعات، ليجعلوا منه عبرة لكل من تسول له نفسه الخروج عليها أو الانصراف عنها. وبدرجة أو بأخرى سعت جماعات كثيرة إلى اختطاف الخطاب الدينى من علمائه المدققين وأهله المتخصصين، وعملت على توظيفه لتحقيق مكاسب حزبية أو شخصية أو أيديولوجية ولو على حساب دينها ووطنها معًا، لأن بعضها لا يؤمن بوطن ولا بدولة وطنية، وبعضها الآخر ولاؤه لتنظيمه فوق كل ولاء، وانتماؤه له فوق كل انتماء. لذا يجب أن نعمل معًا وبكل ما أوتينا من قوة على استرداد خطابنا الدينى من مختطفيه من خلال العمل على تحصين نشئنا وشبابنا، بالعلم والثقافة والعمل، وهو ما نعلن أن وزارة الأوقاف توليه اهتمامًا بالغًا سيتضاعف فى المرحلة الراهنة بإذن الله تعالى من خلال إنشاء وتطوير مكاتب تحفيظ القرآن الكريم العصرية التى تعمل إلى جانب تحفيظ القرآن الكريم على تنشئة أبنائنا على القيم الإيمانية والأخلاق الإنسانية الرشيدة، إضافة إلى مراكز الثقافة الإسلامية، ومن خلال تنقية كتب التراث مما علق بها من إسرائيليات أو دخيل أو موضوع، ومن خلال تعميم مشروع خطبة الجمعة الموحدة المكتوبة الذى نراه محصنًا للخطاب الدينى من أن يختطف مرة أخري، بل نراه يسهم إسهامًا واضحًا فى استرداد الخطاب الدينى من خاطفيه، ومن خلال إعداد برامج علمية مدروسة لمزيد من إعداد وتأهيل السادة الأئمة بما يسهم فى صياغة نظرية علمية منهجية وشاملة لتحقيق الفهم المستنير للدين داخل مصر وخارجها بإذن الله تعالي، وإننا لنؤمل أن نسهم وبقوة فى أن تقود مصر نشر هذا الفكر المستنير فى العالم كله من أقصاه إلى أقصاه. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة