ترأس رئيس الوزراء البريطانى المستقيل ديفيد كاميرون أمس آخر اجتماع لحكومته، بعدما أدت تطورات سياسية درامية فى بريطانيا خلال اليومين الماضيين إلى اختيار وزيرة الداخلية القوية تيريزا ماى زعيمة لحزب المحافظين عقب انسحاب وزيرة الدولة لشئون الطاقة أندريا ليدسوم منافستها الوحيدة على زعامة الحزب من السباق، لتفتح الباب بذلك أمام تولى ماى رئاسة الوزراء فى وقت أسرع مما كان متوقعا. وستكون ماي، التى يطلق عليها "تاتشر الجديدة" بسبب قوة شخصيتها وتصميمها ودقتها فى العمل واهتمامها الكبير بالتفاصيل، ثانى أمرأة تشغل منصب رئيسة الوزراء فى بريطانيا بعد مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة منذ 26 عاما. وبدأ اجتماع الحكومة بتصفيق طويل لكاميرون الذى قاد حزب المحافظين للفوز فى الانتخابات العامة مرتين متتاليتين. وتحدث كاميرون خلال الاجتماع، الذى استمر نحو 50 دقيقة، عن اصلاحات حكومته خلال السنوات الست الماضية، مركزا على خفض العجز فى الميزانية والحد من البطالة وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية وتنفيذ وعده للبريطانيين بإجراء استفتاء حول الخروج أو البقاء فى الاتحاد الأوروبي. وقال إنه على الرغم من دعمه للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، فإن حكومة المحافظين الجديدة المنوط بها بدء الحوار مع الاتحاد الأوروبى حول شروط الخروج، يجب أن تلتزم بتصويت البريطانيين، وأن تخرج ب"أفضل اتفاق ممكن"، مشددا على ضرورة استمرار أقوى علاقات ممكنة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. كما تحدث كاميرون عن ضرورة توحد حزب المحافظين لمواجهة التحديات المستقبلية. وسيرأس كاميرون اليوم آخر جلسة له فى البرلمان، ثم سيتوجه إلى "قصر باكينجهام" لتسليم خطاب استقالة حكومته إلى الملكة إليزابيث الثانية، ثم ستتوجه ماى إلى القصر للقاء الملكة لتسلم تكليف تشكيل الحكومة الجديدة. وتتولى ماى السلطة وسط تحديات كبيرة فى بريطانيا هى الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية بعد تصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي. وسيكون عليها فى الأسبوع الأول من توليها الحكم تحديد ملامح حكومتها الجديدة، ومناقشة متى يمكن تطبيق المادة 50 لبدء إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقال مقربون من ماى إنها "لن تتعجل تطبيق المادة 50، وستقرر هذا فى الوقت المناسب لبريطانيا”. وبدأت ماى مشاورات تمهيدية لاختيار أعضاء حكومتها الجديدة ومن الأسماء المرشحة بقوة لتولى مناصب مهمة فى حكومتها زعيم المحافظين فى مجلس العموم كريس كرايلنج، ووزير الخزانة جورج أوزبورن، الذى يتوقع أن يعين وزيرا للخارجية، وفيليب هاموند وزير الخارجية الذى قد يشغل منصب وزير الخزانة، بينما يتوقع أن يتم تعيين وزير الدفاع السابق ليام فوكس أو النائب البارز فى الحزب ديفيد ديفيز مسئولا فى الإدارة الحكومية الجديدة التى استحدثت لتولى ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي. وكانت ماى قد شددت فى كلمة فى مدينة برمنجهام حول برنامجها السياسى على أن “الخروج من أوروبا، يعنى الخروج من أوروبا”، وتعهدت باقتصاد قوي، لكنها قالت إن عوائده يجب أن يشعر بها كل البريطانيين، كما تعهدت بإعادة توحيد البريطانيين، الذين صوتوا بالبقاء والذين صوتوا بالخروج. وقالت إنها ستضع حدا أعلى لأجور مديرى الشركات الكبرى والبنوك، وستلاحق الشركات الكبري، مثل جوجل وأمازون التى تلجأ للملاذات الضريبية. ورحب كبار مسئولى حزب المحافظين وعلى رأسهم كاميرون وأوزبورن، ورئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون ووزير العدل مايكل جوف باختيار ماى زعيمة لحزب المحافظين وتعهدوا بدعمها والعمل معها. لكن على الرغم من الدعم الكبير لها داخل حزب المحافظين تظل نقطة ضعفها عدم انتخابها مباشرة لا من أعضاء الحزب البالغ عددهم 150 ألف، ولا من الشعب البريطاني. وقد بدأت بالفعل مطالبات من أحزاب "العمال" و"الأحرار الديمقراطيين" و"الخضر" لإجراء انتخابات عامة مبكرة. وقال نيك كليج نائب رئيس الوزراء السابق إن ماى تحتاج إلى تفويض شعبى عبر انتخابات مبكرة لأن ملامح هذه الفترة تختلف تماما عن الظروف التى انتخب فيها كاميرون قبل عام من حيث البرنامج والأولويات بسبب تصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي. ورغم أن ماى شغلت منصب وزيرة الداخلية لمدة 6 سنوات وتعاملت بحصافة مع التحديات الأمنية التى تواجه بريطانيا ونجحت فى ترحيل الداعية المتطرف أبو قتادة إلى الأردن بعد معركة قانونية فى بريطانيا استمرت نحو 10 سنوات، فإن التحديات المتعلقة بالخروج من أوروبا ستكون أصعب بعدما أدت إلى انقسامات حادة غير مسبوقة فى بريطانيا.