هل يتذكر أحد الأديب والقاص مجيد طوبيا؟ ألم يكن واحدا من أبرز كتاب جيل الستينيات ومن رواد تلك الموجة الأدبية التي غيرت وجه الكتابة القصصية والروائية في مصر!. وهو علي عكس الكثيرين ممن تاجروا بإنجازاتهم المحدودة, وتقلبوا بها بين المنابر, ووظفوها في خدمة المؤسسة السياسية الفاسدة في مصر وفي غيرها, حافظ علي استقلاله الثقافي وعلي كرامته الشخصية بحيدة ونزاهة, وعاني من الجحود في عصور التردي والفساد. طوبيا الروائي والأديب, المولود في 25 مارس عام 1938 بمحافظة المنيا, والحاصل علي بكالوريوس الرياضة والتربية من كلية المعلمين عام 1960, ودبلوم معهد السيناريو عام 1970, ودبلوم الدراسات العليا إخراج سينمائي من معهد السينما عام 1972, عاش بعيدا عن ضجيج الزيف الإعلامي المعاصر, فهو لم يشغل منصبا ينتفع به, ولا يؤمن بالعلاقات الاجتماعية الوطيدة بديلا عن الإبداع الجيد, فقد عاش حياته راهبا في محراب فنه الذي عشقه. وهو ينتمي إلي فئة المبدعين ممن طغت شهرة أعمالهم في الساحة الثقافية رغم أنه نادر الظهور في المنتديات والمؤتمرات والأماكن العامة, ونادر الحديث عن أعماله التي ترجم معظمها إلي عدة لغات, وكانت محورا لرسائل جامعية في مصر وفي العديد من الجامعات الأوروبية في السوربون ونابولي وروما وفي الجامعة الأمريكية,من أهم أعماله دوائر عدم الإمكان, والهؤلاء, وغرفة المصادفة الأرضية, والوليف, وحنان, وريم تصبغ شعرها, وعذراء الغروب, والحادثة التي جرت, وثلاثية تغريبة بني حتحور التي اختيرت ضمن أفضل ألف رواية عربية في القرن العشرين, كما تم تحويل بعض أعماله الي أفلام سينمائية منها فيلم أبناء الصمت الذي تم اختياره ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية, وحكاية من بلدنا, وقفص الحريم, الي جانب مجموعاته القصصية فوستوك يصل إلي القمر, وخمس جرائد لم تقرأ, والأيام التالية وغيرها. وتعبر روايته تغريبة بني حتحوت التي صدرت عام 1988 ونشرت مسلسلة في جريدة الأهرام في عام 1987 عن دأب وإصرار ذلك الجيل الذي مزقته صواعق الأيام, ونهشت وجداناته هزيمة يونيو 1967, فاتجه أبناؤه في جملتهم إلي التراث يغوصون فيه ويستلهمون منه المثل, ويفتشون فيه عن إجابات لأسئلة الحاضر المغلقة عليهم, وراح مجيد طوبيا يجوب ساحاتنا حاملا مشاعل الماضي الباهرة وقيمه الزاهرة, وكأنه يقول إنه لا خلاص لنا ولا منجاة بغير هذه القيم. والرواية نموذج لجهاد جيل من المبدعين الذين أصروا علي كتابة رواية مصرية خالصة, تنبع من تراثنا وحضارتنا, وتنير أمامنا سبيل المستقبل علي أساس من عناصر القوة والإجادة فنيا, وهي نموذج ومثال علي قدرة الكاتب علي الإستفادة من الفنون المختلفة, ومحاولة إبداع شكل روائي جديد, فهي رواية أدبية, وسيرة شعبية, وتاريخية معا, فضلا عن كونها محاولة لصنع تلك الجدلية الفنية الجديدة وهذا أمر جدير بالعناية والدرس. أديبنا مجيد مجيد طوبيا الحاصل علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي عام 1979 وجائزة الدولة التشجيعية في الأدب لنفس العام, والذي تناول كبار نقادنا أمثال عبد القادر القط, وصلاح فضل, وأحمد كمال, وعلي شلش, ويوسف الشاروني أعماله بالدراسة والنقد لاحظ الزميل مصطفي عبد الله غيابه وانقطاع أخباره عن الساحة الأدبية منذ فترة ليست بالقصيرة فاكتشف أنه لم يعد يخرج من منزله, ويمر بأزمة صحية وعند زيارته لاحظ تردي حالته الصحية والنفسية, فأبلغ علي الفور وزير الثقافة الدكتور صابر عرب الذي لبي الدعوة وقام بزيارته في منزله بمرافقة الدكتور علي الشامي طبيب الأمراض النفسية بوزارة الصحة, وذلك للاطمئنان علي حالته,والتعرف علي احتياجاته, وعرض عليه نقله إلي أحد مستشفيات القوات المسلحة لتلقي العلاج والرعاية اللازمة له علي نفقة الدولة,كما طلب منه ترشيح أحد كتبه لإعادة نشره وطباعته في احدي مؤسسات وزارة الثقافة, كما قرر الوزير أيضا إقامة احتفالية لتكريمه تعد لها الآن الهيئة العامة لقصور الثقافة تقديرا لإنجازه الإبداعي وموقفه الفكري النزيه والمستقل. وناشد وزير الثقافة أصدقاء مجيد الذين يحتفظون بذكريات معه أن يتواصلوا معه من جديد ويلتقوا به لكي يشعر بالاهتمام من الوسط الثقافي, علي أن يتم إصدار كتاب يضم الدراسات النقدية التي كتبت حول أعمال مجيد طوبيا لكي تصدر في الاحتفالية. إن ما حدث للأديب مجيد طوبيا جعلنانستحضر في أذهاننا حالتين مماثلتين للأديبين الراحلين نجيب سرور, وفاروق عبدالقادر, ونتمني ألا يتكرر هذا مع أدبائنا ومبدعينا. تهاني صلاح