يصادف عام 2016 مناسبة الاحتفال باليوبيل الماسى لافتتاح المكتب الثقافى الكويتى فى مصر، وماقام به المكتب من تدشين رسمى للعلاقات التعليمية والثقافية بين مصر والكويت سبق تبادل العلاقات الدبلوماسية. وهى مناسبة تذكرنا بأن وزارة الثقافة المصرية سبق أن اختارت الكويت ضيف شرف فى معرض القاهرة الدولى للكتاب سنة 2014 فى اطار عدد من الندوات التى أصلت الدور الكبير الذى قامت به مصر فى دعم الاستقلال الوطنى للكويت ، وقامت به الكويت فى دعم المجهود الحربى المصرى فى حربى 1967و 1973، حيث استشهد بعض أبنائها على الجبهة المصرية. والحق أن هذه المناسبة تذكرنا بأهمية الثقافة فى بناء العلاقات بين الدول . فقد بدأت العلاقات الثقافية بين مصر والكويت قبل بدء العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما ، بل مهدت لها وشكلت بنيتها التحتية فى تطور عكسى للرؤية التى تقول ان الثقافة تتبع الاقتصاد. ففى حالتنا فإن الاقتصاد هو الذى تلا الثقافة، كما أن الثقافة وفرت أساسا عميقا للعلاقات بين الدولتين . وهذا الأساس يمكن ان تلمسه منذ استقلال الكويت حيث يجد المتابع لعلاقات الدولتين مستوى ملحوظا من الترابط سواء على مستوى الجماهير أو مستوى النخب الثقافية والتعليمية والفنية والأدبية. فنجد أن الاسهام الثقافى فى أى من الدولتين سرعان ماينتشر ويعرف فى الدولة الأخرى بمجرد حدوثه، كما أن الأجيال الكويتية التى درست فى مصر قدمت اسهامات جليلة فى وطنها وفى توثيق أسس العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدولتين. من ناحية أخرى، فالعلاقات الثقافية المصرية الكويتية سبقت انشاء المكتب الثقافى اذ إنها بدأت فى شكل ذهاب بعثة طلابية من المدرسة المباركية للدراسة بالأزهر سنة 1942. وقد درس هؤلاء بالأزهر وعادوا الى الكويت ليضعوا أسس النهضة العلمية، كما تبنى الأزهر الاشراف على المعهد الدينى فى الكويت سنة 1945. كما طلب عبد اللطيف الشملان ، مدير المعارف فى امارة الكويت، من طه حسين ارسال أساتذه مصريين تتقاسم الكويت ومصر دفع رواتبهم، وقبول بعثة طلابية تدرس فى مصر على نفقة الحكومة المصرية . وفى سنة 1959 افتتح «بيت الكويت» للطلاب، وهو الذى تحول فيما بعد الى مبنى سفارة الكويت فى القاهرة. وقد افتتحه آنذاك الرئيس عبد الناصر بصحبة الشيخ عبد الله الجابر الصباح والشيخ سعد العبد الله السالم الصباح. كما حضر زكى طليمات الى الكويت سنة 1958 حيث أسس المسرح العربى و من خلاله قدمت الكويت اسهامات ابداعية فى مجال المسرح. وفى السنة ذاتها تم انشاء مجلة العربى ورأس تحريرها أحمد زكى. وقد كان لتلك المجلة دور كبير فى نشر الثقافة العربية، ومازال هذا الدور قائما حتى اليوم. وقد أعطى انشاء المكتب الثقافى سنة 1958 دفعة قوية لتطوير العلاقات الثقافية فى شكل بناء جيل من الدارسين الكويتيين الذين يدرسون فى مختلف التخصصات والمراحل الدراسية الجامعية ، ويبلغ عددهم حاليا نحو ثمانية آلاف طالب يشكلون مع نظرائهم الكويتيين منذ سنة 1958، ونظرائهم المصريين الذين يدرسون فى المؤسسات الجامعية الكويتية، ماأسميه البنية التحتية للعلاقات بين الدولتين حيث إن تلك الأجيال تشكل أحد أهم عناصر الترابط بين الشعبين. ومن متابعتى لما حققته تلك الأجيال فى مؤسسات التعليم العالى المصرى لاحظت أن بعضهم درس فى مراحل الماجستير والدكتوراه وكتب رسائل فى مختلف التخصصات ذات مستوى علمى راق يعكس جودة فى الإشراف والكتابة فى تلك المؤسسات، وهو مالمسته من قراءة ملخصات تلك الرسائل على صفحة المكتب الثقافى الكويتى على الانترنت. وهذه الرسائل تناولت موضوعات مختلفة على مستوى منهجى متميز. ومن ثم فهى جديرة بأن تكون متاحة للباحثين العرب. ولذلك فإننى أقترح على الدكتور بدر العيسى، وزير التعليم العالى الكويتى، الذى حضر خصيصا للمشاركة فى الاحتفال بتلك المناسبة، أن يتولى مشروعا لنشر تلك الرسائل واتاحتها فى مكتبات مؤسسات التعليم العالى الكويتية والعربية وأن تعرض فى مكتبات توزيع وبيع الكتب بأسعار ميسرة. وستكون تلك خدمة بحثية كبرى يمكن أن نلمس أثرها فى الربط بين العلم والمجتمع، وتشجيع الباحثين الكويتيين على الانخراط فى كتابة الرسائل العلمية وتحويلها الى كتب يمكن أن تكون نواه لباحثين متميزين. والحق أنه لايمكن أن نتحدث عن انجازات المكتب الثقافى وعن العدد الكبير من الدارسين الكويتيين فى مصر، وعن رسائلهم العلمية دون أن نربطه بالدور الذى تقوم به الكويت فى مجال «العمل الانسانى». وقد قدر الدكتور الشيخ محمد الصباح ، وزير الخارجية السابق، اسهام الكويت فى مجال العمل الانسانى (مثل رعاية اللاجئين وضحايا الكوارث الطبيعية ) بنحوالى 4.1 مليار دولار مما حدا بالأمم المتحدة الى اعطاء أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد لقب « قائد العمل الانسانى» فضلا عن ذلك فإن الكويت تقوم بدور متميز فى مجال حل النزاعات الأهلية العربية، فهى ترعى حاليا المفاوضات بين الحوثيين وبين الحكومة اليمنية الشرعية ، وهو دور تفردت به الكويت بين دول مجلس التعاون، وكثيرا ماتدخل الأمير لحث الطرفين على الاستمرار فى المفاوضات، وهو ماحدث بالفعل. وهو مايبشر بإنجاز تاريخى سيحسب للدبلوماسية الكويتية. رغم ماقد يبدو من تباعد بين تلك الموضوعات فإنها تشكل رابطة متكاملة تتسم بالتركيز على بناء «القوة الناعمة» وتوظيفها لتحقيق ليس فقط أهداف محلية ولكن ايضا عربية وعالمية. فالتركيز على التعليم الراقى هو احد أهم أدوات مقاومة التطرف الفكرى، كما أن توظيف أسلوب التفاوض هو أحد أهم أدوات حقن الدماء العربية وافشال مشروعات التقسيم التى تهدد مستقبل الجميع. فقد لاحظت مثلا أن الكويت لم تهدد باستعمال القوة المسلحة لانهاء الحرب السورية، مما يجعلها وسيطا مقبولا لتسوية هذا النزاع. كما أن دعم الكويت للخيارات الشعبية المصرية مكن مصر من أن يتكرر بها ماحدث فى دول عربية أخرى. وأذكر أنه بعد ثورة 30 يونيو أصدرت حكومة الكويت بيانا رسميا جاء تأكيدا لدعمها «الخطوات الايجابية للشعب المصرى، والحكومة المصرية على طريق ترسيخ دعائم الديمقراطية .. .ان ماقامت به القوات المسلحة المصرية من دور حفظ لمصر أمنها واستقرارها» وقرنت حكومة الكويت القول بالعمل فى شكل دعم مالى ونفطى لمصر. لمزيد من مقالات د. محمد السيد سليم