شهد المصريون عرسًا تاريخيا لم يعهدوه منذ عقود طويلة، فقد ذهبوا لأول مرة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير إلى صناديق الاقتراع لاختيار ديمقراطي حر نزيه لرئيس جديد يعبر عن آمالهم بإراداتهم الحرة دون ضغوط ودون إملاء من أحد... في تلك اللحظات الفارقة التي تصنع مستقبل مصر، وعلى النقيض تمامًا لم تشارك مجموعة معينة لتنتخب رئيسها، مفضلين الترقب والانتظار، وأظنهم من أنصار الدكتور محمد البرادعي، الذين رأوا من وجهة نظرهم أنه لا يوجد مرشح قوي يمكن أن يكون رئيسا قويًا معبرًا عن الثورة من بين ال 13 مرشحًا.. فضلاً عن أن الذي يحدث على الساحة أشبه بمسرحية هزلية، معتقدين أن هناك لعبة ستتم أيا كانت، وسيحدث تزوير وسيأتي رئيس معين رغم أنف الجميع... ولكنهم سيندمون لاحقا؛ لأن كفة أصواتهم كانت من الممكن أن ترجح كفة مرشح آخر يستحق. كنت حريصًا في الفترة الماضية من مقالاتي على عدم إعلاني عن انتمائي للمرشح الذي أنتخبه حتى لا أفرض رأيي على السادة القراء الأفاضل، محترمًا شعورهم واختيارهم، ومحترمًا كل المرشحين، بل كنت لا أذكر أي اسم، مقدرًا شرف المهنة الذي يحتم عليّ أن أكون محايدًا بعيدًا عن أي انتماء.. وبما أن تلك الفترة مرت بسلام وانتهت الجولة الأولى منها، فأستطيع أن أعلن الآن عن مرشحي المفضل الذي راهنت عليه. لقد تابعت بشغف مرحلة فرز الأصوات بعد التصويت، مجتمعًا مع والدي وأخي.. والغريب بل والعجيب أننا لم نجتمع على مرشح واحد، وكل منا كان يراهن على مرشحه أنه الأجدر والأحق.. فوالدي صوّت للفريق أحمد شفيق، وأخي صوّت للأستاذ حمدين صباحي، أما أنا فانتخبت عن ثقة واقتناع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح؛ كأحد أبناء مصر المناضلين المحترمين، بأفكاره المستنيرة المعتدلة المعبرة عن روح الثورة المصرية. كنا نجلس ثلاثتنا نتابع القنوات الفضائية، وعندما يُذكر اسم المرشح المفضل لأي منا بأنه حقق أعلى الأصوات، كل واحد على حدة كان يفرح ويهلل ويصفق.. كأننا نتابع بطولة لكرة القدم.. ومن المؤشرات الأولية للرهان الرئاسي تجلت بعض الجوانب؛ ومنها أنه ستكون هناك جولة إعادة ثانية لا محالة.. وسيتأهل فيها الدكتور محمد مرسي.. منتظرًا من سيقابله في المباراة النهائية "جولة الإعادة" بين الفريق شفيق والأستاذ حمدين.. وإن كان الأقرب حظًا الفريق أحمد شفيق... بعدها انهالت عليّ التليفونات من أصحابي وأقاربي.. الذين أعربوا عن أن النتائج جاءت مخيبة للآمال.. عندها قال لي أحدهم: "سيذكر التاريخ أننا الشعب الوحيد في العالم الذي قام بثورة ضد النظام ثم عاد ليقوم بانتخاب نفس النظام مرة أخرى!!".. وقال لي أحد آخر :" لو النتيجة كده يبقى الشعب ده مينفعش يمشي إلا بالعصا والكرباج". على أية حال نحن استفدنا من تلك التجربة الأولى، واستخلصنا منها عدة أشياء.. أهمها من وجهة نظري أن المناظرات السياسية بين المرشحين جاءت بنتيجة عكسية لمصلحة مرشحين آخرين. التراشق بالألفاظ والتهكمات تجعل الناس يتعاطفون مع المرشح المنتهك حقه.. ثانيا النظر إلى وضع المواطن الفقير من الأولويات.. ثالثا والأهم أننا لم نعرف بعد ثقافة "الاتحاد".. وثقافة "الإيثار" لمصلحة مصر.. وظهرت "الأنا" المسيطرة على البعض، الغالبة على مقدرات الأمور.. والتي "تتكبر" على أن تتنازل لمصلحة شخص آخر.. كنت أتمنى أن يتحد المرشحون الثوريون ويتفقوا على شخص واحد، ولكن هم اتفقوا على ألا يتفقوا!! وتحقق ما كنت خائفًا منه؛ وهو تفتت الأصوات بين مرشحيْ الثورة د. أبو الفتوح والأستاذ حمدين صباحي.. أتمنى أن يخيب ظني. صحيح أن النتيجة النهائية لم تحسم بعد حتى كتابة هذه السطور.. والمصريون يتابعون سير الفرز والنتائج على أحرّ من الجمر.. لكن علينا أن نحترمها مهما كانت.. لأنها إرادة الشعب.. وسنرى من هما طرفا الرهان.. لنقرر حينها من سننتخبه في جولة الإعادة. [email protected]