فى الآونة الأخيرة شهدت مناطق متفرقة بالجمهورية حوادث حريق متوالية، بعضها «كارثي» فى أكثر المناطق حيوية بوسط القاهرة بالرويعى والغورية، ولم يتوقف مسلسل الحرائق حتى كتابة هذه السطور، لدرجة أن البعض وصفها ب«الظاهرة»، وأرجعها البعض لأسباب جنائية وارتكابها عن عمد.. ونظرا لخطورة هذه النوعية من الحوادث سواء على أرواح المواطنين أو على الاقتصاد المصرى وعلى الأخص فى الظروف الراهنة وما تعانيه الدولة من أزمات ، قامت «تحقيقات الاهرام»بمحاولة الوقوف على الحقائق والإحصاءات الرسمية لمعرفة معدل الحرائق ومدى زيادتها عن المعدلات السابقة وأسباب الزيادة ، والعوامل التى تتسبب فى زيادة نسبة الحرائق فى مصر على المستويات العالمية وتحديد مواطن الخلل، والحلول المقترحة من قبل القائمين على الأمن والخبراء فى هذا المجال . فى البداية، نبه اللواء محمد صقر مساعد وزير الداخلية لقطاع الحماية المدنية، الى تهويل البعض فى حجم حوادث الحريق الأخيرة ، وتناولها على أنها ظاهرة والادعاء بالقول إن «البلد يحترق «وهذا أمر خاطئ ، لأن الحكم على أمر بأنه «ظاهرة»يكون عندما يتنشر بصورة عامة ويتضاعف نسبته وهذا لم يحدث ، ووفقا للحقائق العملية التى نعتمد عليها من خلال الإحصاءات التى يقوم القطاع بإعدادها ونجدها تدل على زيادة معدل الحرائق بنسبة 10%، حيث يفيد الإحصاء للربع الأول من سنة 2015 بأن عدد الحرائق بلغ 8013 حريقا، منها 4427 »نيران صناعية« بالمصانع ، بينما بلغ 8800 حريق فى الربع الأول من عام 2016 منها، 4847 حريقا بنيران صناعية ، ونسبة الزيادة فى الحرائق الأخرى - ومعظمها يشمل حرائق قش الأرز والقمامة - وفى كل الأحوال تلك النسبة لا ترفعها لمستوى الظاهرة ، وأكثر يوم شهد اكبر عدد من الحرائق كان يوم 14مايو، ووصلنا فيه بلاغات ب25حريقا فى محافظة واحدة خلال ساعة ، نتيجة ارتفاع الحرارة بالإضافة إلى حرائق المصانع والتى تحدث غالبا فى منشآت لا تطبق عوامل الأمان وغير مرخصة من الأساس ، ولم يطلب أحدهم موافقة الحماية المدنية أو تقدم للحى بطلب لاستخراج ترخيص. مناطق حيوية ويرجع صقر سر تركيز المواطنين على حوادث الحريق فى الفترة الراهنة إلى أنها طالت مناطق حيوية ومشهورة ، كالرويعى والغورية ، على رغم أن عدد الحرائق فى مصر لم تتغير معدلاتها عن ذى قبل ، ونعمل طوال العام فى إخماد ألاف الحرائق ، إلا أن وقوع حوادث كبيرة فى وقت متقارب وفى أماكن حيوية ، جذب انتباه المواطنين إليها وخاصة ان «الرويعي»اندلعت فيها الحرائق مرتين خلال هذا الشهر وأعقبتها منطقة الغورية فى ذات الأسبوع ، وأيا ما كانت أسبابه طبيعية أو بفعل فاعل فهى حوادث لم يسبق مشاهدتها من قبل بهذه المناطق ، ولا نعلم حتى هذه اللحظات ما إن كانت أسباب اندلاع الحرائق نتيجة ماس كهربائي، أو نتيجة تدخل احد ما عن عمد لإشعال هذه الحرائق، وكل هذه الأشياء تعكف أجهزة البحث الجنائى على دراسته للوقوف على الحقائق خلف هذه الحوادث. وقال إن رجال الحماية المدنية ليس من اختصاصهم الوقوف على أسباب الحريق ، ورجالنا يتوجهون لموقع الحريق بعد اندلاع النيران فيه والتعامل معها ، وكل ما يهمنا فى المقام الأول السيطرة على الحريق ومنع امتداده للمجاورات ، وبعد هذا يأتى دور الأجهزة الأخرى ، سواء كانت المعمل الجنائى الذى يقوم بفحص الموقع فنيا وعلميا ، أو أجهزة البحث الجنائى حيث تقوم بإجراء التحريات والوقوف على ملابسات الحادث ، ثم بعد ذلك يخرج المعمل الجنائى السبب الحقيقى وراء الحادث، الذى يرد إلينا فور صدوره. حريق الرويعى وعن السبب وراء تأخر وقت إخماد حريق الرويعي، أكد صقر أن التعامل مع هذا الحريق كان فى منتهى الصعوبة واستغرق وقتا طويلا، وذلك لأن هذا الحريق كان غير طبيعى ، ونوعية المفروشات المحترقة كانت من النوع الشديد القابلية للاشتعال، بالإضافة إلى تلاصق المواد ، وعملية فصلها عن بعضها كانت بها صعوبة كبيرة ، كما أن عزل الحريق كان شديد الصعوبة ، وجميع البيوت التى احترقت كانت عبارة عن مخازن ، فالمواطنون استغلوا كل حجرة بهذه المنازل كمخزن مستقل ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل يقومون بالتخزين فى الطرقات بالمبانى ودورات المياه ومداخل العمارات وفوق أسطح المنازل وبالشوارع الخلفية ، وهذه كلها معوقات واجهت رجال الإطفاء فى عملهم بموقع الحادث ، فهناك طرق بالرويعى لم تتمكن سيارات الإطفاء من دخولها بسهولة بسبب تكدسها بالبضائع ، وبالإضافة لهذا فوجئنا أثناء عملنا لإخماد الحرائق بالرويعى بوجود محلات بويات وبها مادة «التنر»الشديدة القابلية للاشتعال ، وهذه المحلات عملنا على تأمينها قبل وصول النيران إليها من قبل قوة التأمين والتبريد. وعن إرجاع البعض الحرائق للتعمد فى إضرامها لتعجيز الدولة وإحراجها أمام الشعب قال صقر: لست مقتنعا بنظرية المؤامرة فى شأن الحادث الأخير، ومن خلال اطلاعنا على الحادث فإن ضراوته جاءت نتيجة انتقال النيران بفعل الريح ولتلاصق المواد المشتعلة وأغلبها من ألياف صناعية والتى تشتعل بالإشعاع الحرارى، وليس بالنار المباشرة . وحول أسباب انتشار الحريق فى مناطق حيوية فى توقيت متلاحق ومتزامن، أوضح مؤكدا أن هذه مهمة أجهزة البحث الجنائي، ولا يمكننا إبداء رأى فيها. أما عن أهم العوامل التى يجب توافرها لمنع تكرار مثل هذه الحوادث فالمشكلة الكبرى والسمة العامة هى تواكل الكثيرين وعدم اهتمامهم بأمان المكان الذى يعملون فيه والعمل دون تراخيص مما يجعلهم بعيدا عن رقابة الدولة وأجهزة الحماية المدنية ، ومن المهم أن يكون لدى المواطنين إحساس بالخوف على حياتهم وعلى أكل عيشهم وان يتفهم كل واحد منهم كيفية توفير عوامل الأمان وتطبيق قواعد الحماية بوسائل الإطفاء السريع . وأضاف أن منطقة الرويعى معظم المحلات بها غير مرخصة ، وقاموا بتغيير النشاط من سكنى إلى تخزين وتصنيع ، فالمساكن حاليا إما ورش أو مخازن وتنعدم فيها عوامل الأمان وهذا ما تسبب فى زيادة حجم الخسائر، ولو أن هناك طفايات حريق موجودة لدى محل مجاور ، وتم التعامل بها منذ بداية اشتعال النيران لما وصلت لهذا الحد من الضراوة ، ولاسيما أن أى حريق فى الدقائق الأولى من السهل السيطرة عليه ، وكلما مر الوقت صعبت السيطرة عليه. عن إجراءات التراخيص قال : من جانبنا لا نمنح أى منشأة الموافقة على استكمال إجراءات التراخيص ، ولا نراسل الأحياء أو الجهات للموافقة على التشغيل إلا بعد الالتزام بتنفيذ كل الاشتراطات الأمنية للحماية من الحرائق ، أما الأماكن غير المرخصة فلا نعلم عنها شيئا ، ولا يوجد حصر بها، فمن أين سيتأتى لنا المعرفة بهذه الأماكن غير المرخصة ، وأن هذه الشقق غيرت نشاطها من سكنى لصناعى أو تجاري؟ فتلك المهمة منوطة بالجهات الإدارية المختصة، والواقع أن قطاع الحماية المدنية يعمل منفردا وننزل وقت اندلاع الحرائق لإخمادها، كما أن رجال الحماية على مستوى الجمهورية يقومون بعمل معاينات بناء على طلب من الجهات الإدارية المعنية من سياحة وصناعة أو استثمار أو المجتمعات العمرانية للمنشآت للوقوف على مدى مطابقتها للكود ، وبناء على المطابقة نمنح الموافقة بالسير فى إجراءات الترخيص ، أما فى حال عدم استيفاء الشروط فإننا نوجه صاحب المنشأة بما يجب الالتزام به ونقوم بعمل معاينة أكثر من مرة حتى يتمكن من استيفاء كل الشروط . أما عن مصانع بير السلم وغير المرخصة أو الباعة الجائلين فكيف سيتم حصر أعدادهم من قبل الحماية المدنية؟ فهذا أمر مجاف للمنطق ويحتاج إلى تضافر الجهود من الجهات المختلفة ، كما يجب أن يحدث فى إنشاء البنية التحتية بالمناطق الجديدة وأن تشمل عوامل الحماية المدنية وأن تستقل شبكتها عن شبكة المياه العادية . قانون الحماية المدنية وعن قانون الحماية المدنية ومدى إلزامه الجهات المعنية وأصحاب المنشآت بتطبيق شروط الأمان من الحرائق ، أوضح صقر أن قانون الحماية المدنية حتى هذه اللحظة غير قوى ولا يمكنه إلزام أصحاب المنشآت بتطبيق شروط الأمان، وأخيرا أجرينا تعديلا عليه ومن المتوقع إقراره قريبا وتم تغليظ العقوبة للمخالفين، فمن لم يقم بتنفيذ الاشتراطات الوقائية يعاقب بالحبس بمدة تصل إلى عامين. أبرز المعوقات وحول أهم المعوقات التى تعطل سرعة عمل الحماية المدنية لإخماد الحرائق، أكد صقر أن أبرز معوق يواجهنا فى التعامل بحوادث الحريق ينتج من عجز شبكات الإطفاء ، ولاسيما أن طبيعة عملنا تحتاج مصدرا مباشرا ومستمرا للمياه ، وهذا ما يمثل لنا مشكلة فى التعامل مع الحريق ونجد صعوبة فى الوصول لمصدر سريع للماء، مما يضطر السيارة للتوجه لأكثر من 5كيلومترات من اجل إعادة ملئها بالمياه مما يهدر وقتا نحتاجه بشدة لسرعة إخماد النيران ، وبالإضافة لهذا فلابد أن نقف على حقائق مهمة منها أسباب زيادة معدل الحرائق بمصر عن النسب العالمية التى يعود معظمها إلى سلوكيات المواطنين سواء التى ذكرناها من قبل أو بعدم تقدير مهمة رجال الإطفاء وعرقلة مسيرتهم للوصول بسيارات الإطفاء لموقع الحريق مما يتسبب فى تأخر وصولها لإخماد الحريق. على الرغم من أن فريق الإطفاء يتحرك من الإدارة بعد وصول البلاغ ب30 ثانية، والقطاع يحاسب على التأخير من بداية تلقى البلاغ وبداية التحرك ، فمن الضرورى الإبلاغ المباشر لرقم «180»وليس»122»حتى تتم الاستجابة بصورة أسرع ، ومن الضرورى الإبلاغ فور اندلاع الحريق وعدم الانتظار لمحاولة الأهالى إخماد النيران. فى ذروة العمل ومن داخل قطاع الحماية المدنية وفى ذروة العمل التقينا بعض أفراد فرق الإطفاء وهم على أهبة الاستعداد للتوجه لموقع بلاغ جديد، فأوضح الأمين أسامه معز أن قوات الإطفاء بالإدارة العامة للحماية المدنية تشارك كدعم فى الحوادث بالمحافظات على مستوى الجمهورية ، ونشارك حسب حجم الحريق ، حيث تخرج فى البداية نقطة الإطفاء التى يقع فى دائرتها الحريق ، أما فى حال زيادة قوة الحريق عن قدراتها تقوم بإخطار النقط المجاورة لها وإذا احتاج الأمر يتم إخطار القوات بالمحافظات القريبة من موقع الحادث وهذا ما حدث فى حريق الرويعى الذى شاركت فيه قوات إطفاء من القليوبية والشرقية والجيزة إلى جانب القوات المسلحة ، حيث شارك نحو خمسين سيارة فى التعامل مع الحريق. أما الأمين حمدى كمال فأفاد بأنه فور تلقينا البلاغ بحريق الرويعى خرجنا مع فرق الإطفاء بثلاث سيارات وكل سيارة بها5أفراد بخلاف السائق ترافقنا سيارة خزان الماء الاضافى والسلم الهيدروليكى وصعدنا بارتفاع خمسين مترا لإخماد الحريق ، ولم ينته عملنا عند هذا الحد بل استمر عملنا فى عملية التبريد حتى تأكدنا من عدم إمكانية عودة اشتعال النيران مرة أخرى . من ناحية أخرى أكد اللواء عبد العزيز توفيق مساعد وزير الداخلية لقطاع الحماية المدنية الأسبق قائلا إن الحرائق اغلبها بسبب إهمال أصحاب المنشآت الصناعية والسياحية والتجارية وعدم التزامهم باشتراطات امن الحريق ، فلو نظرنا لحريقى الرويعى والغورية فهما عبارة عن باعة جائلين افترشوا بضائعهم بطريقة عشوائية ملء الشوارع ، والتوصيلات الكهربائية وللوحات الإعلانية للمحلات بهذه الأسواق تم تركيبها بصورة عشوائية غير مطابقة للمواصفات للفنية كما أن هذه المحلات اغلبها غير مرخص وغير منفذة لاشتراطات امن الحريق ، وحتى المرخص منها لا يداوم على صيانة أجهزة الأمان والإطفاء ، كما أن المبانى والشقق السكنية استغلت كمخازن للأحذية للملابس والمفروشات والمواد البترولية والكيماوية مما ساعد على انتشار الحرق ، الذى ساعد على انتشاره سرعة الرياح ، كما أن الفندق السياحى الذى بدأ فيه الحريق كان مستغلا كمخازن وليس لاستقبال النزلاء وكان مليئا بالمواد البترولية والكيماوية والأقمشة والستائر وأدوات الدهان أما إذا اتجهنا للحديث عن حريق بورسعيد فى حظيرة مواش نتج عن عدم قيام صاحب المزرعة برفع المخلفات الناتجة عن المواشى بصفة دورية ، مع وجود محاصيل زراعية جافة كالبرسيم والبذرة والجافة وخلافه ، ومع سوء التهوية بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة مما يسهم على اشتعال الحرائق ذاتيا دون حاجة لعوامل خارجية آما حريق كفر الشيخ والذى أدى لانهيار منزل ووقوع إصابات ووفاة ، فكان سبب ذلك انفجار خزان وقود ومصنع للطوب الاسمنتى أسفل العقار الذى أدى لانهياره ،فأغلب حوادث الحرائق فى مصر تحدث نتيجة الإهمال. وأضاف بقوله إن الواقع العملى لا يتم تنفيذ 90% من هذه الضمانات ، وذلك ما يتسبب فى فداحة خسائر حوادث الحريق ولذا على الأحياء ومكاتب الصحة والسلامة المهنية التابعة لوزارة القوى العاملة وكذلك إدارة المنشآت السياحية بوزارة السياحة مراجعة المنشآت السياحية والفنادق العائمة والتأكد من توافر اشتراط امن الحريق وفى حال عدم وجودهما لابد من إخطار إدارات الحماية المدنية لمعاينتها وإخطارهم بغلق النشاط مع اتخاذ باقى الإجراءات القانونية كما على هذه الجهات عند إخطارها بغلق النشاط المخالف لوجود خطورة داهمة من تشغليه من ضرورة تنفيذ غلق المنشأة والتأكد من عدم العودة لفتح النشاط إلا بعد تنفيذ الاشتراطات الواجب توافرها. واستطرد عبد العزيز قائلا و لمنع تكرار مثل هذه الحوادث البشعة من الضرورى نقل الأسواق التجارية العشوائية من وسط البلد مثل سوق الغورية والرويعى والمناصرة و كذلك أكشاك الأوبرا والأسواق التجارية العشوائية بحارة اليهود وورش المدابغ بمصر القديمة وسوق الجمعة بالبساتين ، على أن تنقل من داخل الكتلة السكنية و توفير أماكن ملائمة لهم لنشاطهم، مع ضرورة نقل جميع مستودعات البوتاجاز من داخل الكتلة السكنية أيضا وجعل هذه المخازن مكاتب لتلقى طلبات للمواطنين مع ضرورة وقف جميع التراخيص للمحلات التجارية وسط البلد لحين مراجعة المحلات المرخصة والتأكد من وجود اشتراطات امن الحريق بها ، ومراجعة المحلات غير المرخصة وتقنين أوضاعها فى حال توافر الاشتراطات بها مع إلزام جميع المنشآت التجارية والصناعية والسياحية بضرورة تقديم بوليصة تأمين ضد أخطار الحريق من بين مصوغات الترخيص ، وهذا من شأنه فى حال اندلاع حريق بالمنشأة تعويض شركة التامين صاحبها دون تحميل الدولة أى أعباء مالية.