نادرا ما أطلق علي عصر بعينه اسم سلاح ميز حروب هذا العصر إلا في حالة العصر النووي الذي بدأ مع سقوط أول قنبلتين ذريتين في التاريخ علي مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين في السادس والتاسع علي التوالي من أغسطس1945, ولم تعرف تفاصيل هذا الحدث الجلل للجمهور والدول إلا من خلال تقرير رسمي صدر في12 أغسطس1945 عرف وقتها باسم تقرير سميث علي اسم كاتبه هنري سميث رئيس قسم الفيزياء في جامعة برنستون الأمريكية ذائعة الصيت, ومستشار مشروع مانهاتن لتطوير أول قنبلة ذرية في تاريخ البشرية, ومنذ صدور هذا التقرير, طفت علي السطح كلمة انتشار أو تعبير الانتشار النووي, وبالفعل تمكن الاتحاد السوفيتي من اختبار قنبلته الأولي في1949 بعد اربع سنوات فقط من القنبلة الأمريكية, وتلا ذلك المملكة المتحدة في1952 وفرنسا في1960 والصين في1964 والهند في1974 وباكستان في1998 وكوريا الشمالية في2006 أما إسرائيل, فيعتقد أنها امتلكت القنبلة في1967 وجربتها في1979. وبرغم أن القنبلة لم تستخدم إلا مرتين, إلا أنها صبغت عصرا كاملا أطلق عليه العصر النووي تميز بتأثيرها الردعي الواسع, كما أنتجت بالتوازي ديناميكيات جديدة مازالت تشغل العالم حتي هذه اللحظة, ومن بينها منع الانتشار النووي من خلال صك معاهدة دولية لمنع الانتشار, وإنشاء وكالات دولية لإدارة هذا النشاط مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تكفلت بتفعيل نظام للضمانات يضمن للمجتمع الدولي التزام الدول الموقعة علي المعاهدة, بما وقعت عليه. ينظر العلماء إلي معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية علي أنها جوهرة الحرب الباردة التي نجحت بامتياز وبقدر المستطاع في الحد من انتشار السلاح النووي, وتم التوقيع عليها في الأول من يوليو1968, ودخلت حيز التنفيذ في5 مارس1970, ووقع عليها حتي الآن189 دولة خمس منهم في حوزتهم رءوس نووية وهم: الولاياتالمتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين, وهم أيضا الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن, وهناك أربع دول أخري يمتلكون القنبلة, ولكنهم لم يوقعوا علي المعاهدة, وهم الهند وإسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية, وتتكون المعاهدة من11 مادة تغطي ثلاثة أهداف رئيسية: هدف منع الانتشار والمقصود به ألا يزيد عدد الدول النووية الموقعة عليها من جراء محاولة في الخفاء لدولة غير نووية, أو حصول الدولة عليها من دولة أخري, ثم هدف نزع السلاح ويعتبر الهدف الثاني للمعاهدة بعد أن تعهدت الدول النووية الموقعة عليها التخلص من ترساناتها النووية بدون تحديد موعد محدد لذلك, وتصب معاهدة ستارت الجديدة بين الولاياتالمتحدة وروسيا الموقع عليها في10 ابريل2010 في هذا الاتجاه نتيجة ما سوف يتحقق من خفض في ترسانة الدولتين بنسبة30% تقريبا, أما المجال الثالث, فيتيح للدول غير النووية العضو في المعاهدة الحصول علي التكنولوجيا النووية لأغراض التطبيقات السلمية, ويتم مراجعة المعاهدة كل خمس سنوات, كما تنظم الوكالة مناقشات تحضيرية بين كل مؤتمر مراجعة وآخر. ينتظر العالم الآن مؤتمر المراجعة المقبل في مايو2010 في ظروف مختلفة بسبب زخم الدعوة الدولية للخلاص من الأسلحة النووية نهائيا أو علي الاقل خفض اعدادها علي مراحل حتي تتمكن البشرية من العيش في عالم خال من الأسلحة النووية, وتقع هذه المسئولية علي عاتق الدول النووية الخمس الموقعة علي الاتفاقية, لكن المخاوف لا تنحصر فقط في ذلك, ولكن تتجه أيضا إلي منع أية دولة عضو غير نووية من الانحراف عن بنود المعاهدة, أو العمل في الخفاء لامتلاك سلاح نووي, أو استغلال حق استعمال التكنولوجيا النووية السلمية في أغراض عسكرية, ويهدف نظام الضمانات التي تتبناه الوكالة إلي مراقبة استعمال المواد النووية, خاصة اليورانيوم, والتحقق من أن هذه المواد تستخدم فقط في الأغراض السلمية, وفي إطار المعاهدة, التزمت الدول غير النووية قبول الإجراءات الفنية لنظام ضمانات الوكالة, واستعدادهم تقديم كل المعلومات الخاصة بالمواد النووية في حوزتهم, ويغطي نشاط الوكالة نحو900 منشأة نووية علي مستوي العالم مستخدمة في ذلك التفتيش المباشر, بالإضافة إلي استخدام وسائل أخري فنية مثل كاميرات المراقبة عن بعد, وبعد اكتشاف تفاصيل البرنامج النووي العراقي, اطلقت الوكالة برنامجا لتقوية نظام الضمانات تحت اسم البروتوكول الإضافي بهدف سد الثغرات, ووافق عليه مجلس المحافظين في الوكالة في1997. تواجه معاهدة منع الانتشار بعد أربعين سنة من دخولها حيز التنفيذ تحديات سوف تكون موضوعا لمؤتمر المراجعة المقبل في مايو2010 وإن كان معظمها موضع بحث في مؤتمرات المراجعة السابقة, حقيقة الأمر أن المعاهدة معرضة لضغوط من خارجها نتيجة وجود أربع دول الهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية تمتلك السلاح النووي وليست عضوا في معاهدة منع الانتشار, ولاشك أن ذلك يهدد عالمية المعاهدة, وقد يشجع دولا داخلها علي الانسحاب منها إذا أحست بتهديد من هذه الدول, والتحدي الثاني قد يأتي من داخل المعاهدة نفسها, فهناك دول بعد أن أصبحت عضوا في المعاهدة تمردت عليها في الخفاء, وتبنت نشاطات نووية غير سلمية, كما في حالة العراق وكوريا الشمالية وليبيا وإيران, والأخيرة تحيط بها كثير من الشكوك والشبهات. ويعتقد البعض أن المعاهدة معرضة للخطر من تحتها أيضا, من حيث أن أحوال العالم قد تغيرت بعد أحداث11 سبتمبر, فلم تعد الدول القومية مصدر الخطر النووي الوحيد, ولكن استجدت مخاطر من جماعات الإرهاب البعيدة عن سلطان الحوكمة العالمية ممثلة في الأممالمتحدة ومجلس الأمن, ولم يعد مستبعدا أن تمتلك هذه القوي خارج النظام الدولي سلاحا نوويا بدائيا أو معقدا إما لتقوية سلطانها السياسي, أو لاستخدامها بغرض الإيذاء والانتقام, والتحدي الرابع يأتي المعاهدة من فوقها في صورة تباطؤ من الدول النووية في تنفيذ التزاماتها والتخلص من ترسانتها النووية, وهو الوعد المقابل لالتزام الجماعة الدولية بعدم السعي لامتلاك سلاح نووي, واقتصار استخدامها للتكنولوجية النووية في التطبيقات السلمية. وهناك حزمة أخري من الموضوعات تراكمت مع الوقت خلال العقود الماضية, وجاء وقت حسمها, وهذه الموضوعات تهم مصر مباشرة لأنها تمس الحالة المصرية من جهة, والأوضاع الإقليمية المحيطة بها من جهة أخري, وعلي سبيل المثال تطبيق قرار الشرق الأوسط1995 بإخلاء الإقليم من الاسلحة النووية, والذي بموجبه تم مد زمن معاهدة منع الانتشار إلي ما لا نهاية, وهو موضوع تم بحثه في كثير من مؤتمرات المراجعة السابقة بلا نتيجة, ويتطلب الأمر الآن اقترابا جديدا يأخذ في الاعتبار عملية السلام, وتطبيع العلاقات, وبناء الثقة بين كل الأطراف المعنية, علي أن ينظر إلي الموضوع من جانبيه الدولي والإقليمي, وقد يساعد ذلك في تحقيق إنجاز دولي في مجال معاهدة المواد الانشطارية, وما سوف ينتج من تجميد للأوضاع الحالية والانطلاق منها إلي مرحلة انحسار حقيقية للأسلحة النووية. ومن المتوقع أيضا أن تتعرض الدول غير النووية النامية إلي ضغوط في مؤتمر المراجعة المقبل من أجل التوقع علي برتوكول التفتيش الإضافي في مقابل الحصول علي التكنولوجية النووية للأغراض السلمية, وهناك دول لا تري ضررا في التوقيع لإثبات حسن نيتها من البداية, وهناك من يري أن ذلك ليس منصوصا عليه في المعاهدة, وأنه ماس بسادة الدولة, وقد يستبدل ذلك بمزيد من الدقة والشفافية في التقارير المقدمة من الدول, مع تكثيف قدرات الوكالة الفنية والتكنولوجية في مجال التحقق, وهناك أيضا من يطرح شروطا في كيفية الانسحاب من المعاهدة, وهل يتم معالجة ذلك من خلال المعاهدة نفسها, أم باتخاذ إجراءات جماعية من خارجها, وهناك اهتمام بدعم أنشطة مساندة للمعاهدة بالدعوة إلي ثقافة منع الانتشار, ونزع السلاح علي المستويين الثقافي والتعليمي. وفي النهاية, قد يبدو العالم الآن مستعدا لتحقيق حلم جديد علي مراحل, استعدادا لظهور كلمة النهاية علي شاشة أحداث العصر النووي لندلف بعدها إلي بوابة عصر آخر, سوف ترسم طبيعة الأحداث فيه اسمه الجديد. المزيد من مقالات د. محمد قدري سعيد