بعد خمس سنوات على عملية القوات الخاصة الأمريكية، التي أدت إلى تصفية بن لادن في مخبئه في باكستان، هل ما زال تنظيم " القاعدة "، يمثل خطرا حقيقيا، رغم تصفية مؤسسه في الثاني من مايو2011 ؟. فبعد اعتداءات 11سبتمبر 2001، خرج التنظيم سالما من العملية الأمريكية في أفغانستان. فقد وجد تنظيم "القاعدة"، نفسه خلال الأعوام الخمسة التي مضت منذ قتل بن لادن، مضطرا للتأقلم مع غياب زعيمه، وصعود نجم تنظيم الدولة "داعش"، الذي بات يتصدر التهديد الجهادي في العالم. في حين اقتصر نشاط "القاعدة"، خلال الأعوام الماضية على هجمات دولية محدودة وتعزيز نفوذه في بعض أرجاء اليمن وسوريا، حقق غريمه مكاسب ميدانية واسعة، وتبنى هجمات دامية في دول عدة. بيدً أن المحللين يرون، أن "القاعدة"، يخطط على المدى البعيد، وقد يتفوق في نهاية المطاف في ظل الحملة الدولية الواسعة ضد تنظيم "داعش". لا شك أن هجمات 11 سبتمبر2001، شكلت المحطة الأبرز في مسار "القاعدة"، إلا أن التنظيم، بدأ بالتراجع بعد قتل زعيمه والأب الروحي له. ويزداد أفول نجم التنظيم، مع الصعود التدريجي الثابت لتنظيم "داعش"، الذي أقام "الخلافة" في مناطق سيطرته بسورياوالعراق في يونيو 2014، ونصب زعيمه أبو بكر البغدادي " أميرا للمؤمنين ". وبحسب خبراء فإن " بروباجندا "القاعدة"، باتت غير ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، في مواجهة الآلة الدعائية التي أنشأها "داعش" بنجاح". حيث اعتمد تنظيم "داعش"، بشكل كبير على نشر صور وأشرطة من خلال حسابات مؤيدين له على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر الإعدامات المروعة التي نفذها بحق المناهضين، وهجماته العسكرية. فيما، خسرت "القاعدة"، في كل مكان بمواجهة "داعش"، بإستثناء منطقة الساحل (جنوب الصحراء الإفريقية)، هذا التراجع "مرتبط برغبة زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، في ركوب موجة الاحتجاجات في العالم العربي، في حين أن البغدادي وقف ضدها. وعلى الرغم من أن البغدادي، تزعم الفرع العراقي لتنظيم "القاعدة" (دولة العراق الاسلامية)، إلا أن الخلاف بين الطرفين بدأ منذ سعيه لدمج هذا الفرع مع الفرع السوري (جبهة النصرة) قبل أعوام. لكن زعيم النصرة أبو محمد الجولاني رفض هذا الدمج، وأعلن مبايعته للظواهري مباشرة. ويبدو أن عناصر "جبهة النصرة"، تراجعوا في سوريا، في مواجهة تنظيم "داعش" ، إلا أنهم تمكنوا من تعويض "خسائر مكلفة"، تكبدوها سابقا. وفي اليمن، استفاد التنظيمان من النزاع بين الحكومة والمتمردين، لتعزيز نفوذهما. إلا أن الفرع اليمني للقاعدة (قاعدة الجهاد في جزيرة العرب)، المتجذر منذ أعوام، لا يزال يحظى باليد الطولى. حيث يقدر عناصر "القاعدة" في اليمن بالآلاف، ويسيطرون على مساحات واسعة، رغم تراجعهم بعض الشيء مؤخرا. أما عدد تنظيم "داعش"، فيقدر بالمئات فقط، وهم لا يسيطرون على الكثير من الاراضي في اليمن. وتعتبر واشنطن، فرع "القاعدة" في اليمن، أقوي أذرعته في العالم، ففى يناير 2015، تبنى هذا الفرع الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة في باريس، ما أدى إلى مقتل 12 شخصا. ورأى محللون في حينه، أن الهجوم محاولة من "القاعدة" لإستعادة مكانتها في ظل تنامي تنظيم "داعش". وخلال الأشهر الماضية، تبنى تنظيم "القاعدة في المغرب الاسلامي"، هجمات في دول أفريقية مثل مالي وبوركينا فاسو وساحل العاجل، أدت إلى مقتل العشرات، واستهدفت فنادق ومطاعم ومنتجعات سياحية. واعتبرت مجموعة "صوفان" للأبحاث في تقرير أصدرته في مارس الماضي، أن "القاعدة"، وجدت في غرب أفريقيا "منطقة من العالم يمكنها فيها التفوق على النفوذ المنافس لتنظيم "داعش". ورأت أن الهجمات الأخيرة تتيح لعناصر "القاعدة" كسب الدعاية التي تساعده في الحفاظ على تأثيره في مناطق أخرى، أكان في شمال أفريقيا، أوشرقها، خوفا من فقدان المبادرة لصالح "داعش". وتشير، "مجموعة الأزمات الدولية"، في تقرير حديث لها، أن تنظيم "القاعدة"، حاول اتباع نسق مختلف عن تنظيم "داعش"، في التعامل مع المجتمعات التي يتواجد فيها، حيث أولى عناية ل "الحساسيات المحلية". فعلى سبيل المثال لا الحصر، أدان تنظيم "القاعدة" في اليمن، تفجيرات نفذها تنظيم "داعش"، استهدفت مساجد للشيعة في 2015. وفي سوريا، قاتلت "جبهة النصرة"، جنبا إلى جنب مع فصائل مسلحة ضد النظام، وضد "داعش"، على غير جبهة. وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة، تقود منذ صيف عام 2014، تحالفا دوليا ضد تنظيم "داعش"، يستهدف مناطق تواجده في سورياوالعراق، إلا أنها لم توقف ضرباتها المتواصلة منذ أعوام بطائرات من دون طيار، ضد تنظيم "القاعدة"، في اليمن. كما تعرض التنظيم لضربات جوية من التحالف الذي تقوده واشنطن في سوريا، وإن بدرجة أقل. في ظل هذه العوامل، يبدو أن تنظيم "القاعدة"، يراهن على ميل النزاعات التي تشهدها دول يتواجد فيها، لصالحه. ويري ألان رودييه، وهو ضابط سابق في الاستخبارات الفرنسية، إن تنظيم "القاعدة"، يراهن على تدهور تدريجي في أوضاع الدول الاسلامية، ما سيحمل إلى السلطة قادة مقتنعين بأطروحاته. مضيفا، "هذا النمط من الجهاد، مخطط ليمتد عشرات السنين"، بينما أسلوب تنظيم "داعش"، وزعيمه البغدادي، يجعله يبدو "وكأنه على عجلة من أمره". مع تصفية بن لادن المفاجئة، بات أيمن الظواهري على رأس تنظيم "القاعدة"، بعدما كان لفترة طويلة الرجل الثاني في التنظيم. وبقيادته عرف التنظيم تراجعا كبيرا، فيما تصاعد نفوذ تنظيم "داعش" المنافس، فاحتل مناطق شاسعة في العراقوسوريا. لمزيد من مقالات ابراهيم النجار