بالعودة إلى التاريخ باعتباره أحد أهم العناصر الأساسية للمعرفة يتضح لنا أن الصراع بين العرب والفرس قديم يعود إلى 1407 أعوام ، منذ إنتصار العرب على الفرص في معركة « يوم ذي قار « عام 609 ، لكن هذا الصراع يخبو أحياناً ليتجدد مرة أخرى وفقاً للتطورات والأحداث والأوضاع في المنطقة العربية ، فمنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ونجاحها في تأسيس أول دولة شيعية بالشرق الأوسط في العصر الحديث ، لجأت الثورة وفقاً لدستورها الذي يتبنى مبدأ تصدير الثورة الخمينية ونظرية ولاية الفقيه ، إلى تنفيذ مشروعها للتمدد والسيطرة على الدول العربية في الخليج العربي وفرض إرادتها ودورها الإقليمي في المنطقة ، معتمدة في ذلك على دعم وتشجيع الأقليات الشيعية في الدول المجاورة : وقد أدى ذلك إلى وجود علاقات غير مستقرة بين إيران ودول التعاون الخليجي كما كان ذلك سبب في الوقت نفسه إلى إنعدام الثقة وتجدد الصراع بين الجانبين ، وقد بدا ذلك جلياً في إصرار إيران على إستمرارها في إحتلال الجزر الإماراتية الثلاث : طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى ورفضها التوصل إلى حل هذه القضية سواء عن طريق التفاوض أو التحكيم الدولي ، ومن بين أسباب الصراع أيضاً دعم طهران للمحاولات الإنقلابية المتكررة في البحرين بهدف إسقاط الدولة لتصبح دولة تطبق فيها ولاية الفقيه على غرار إيران بالإضافة إلى عمليات تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى المنامة لزعزعة الأمن ونشر الفوضى والفتنة الطائفية لتحقيق الهيمنة على البحرين وأيضاً تمدد النفوذ والسيطرة على العراق بعد غزوه عام 2003 ، وهو أمر أقلق دول الخليج من المخططات الإيرانية في هذه الدول ناهيك عن محاولات طهران المتكررة لتسييس موسم الحج بتحريض الحجاج الإيرانيين على التظاهر ومخالفة الأنظمة والقوانين السعودية التي تسري على جميع الحجاج ضماناً لسلامتهم وآدائهم المناسك في آمان ويسر ، حيث تهدف إيران من ذلك إلى الإضرار بالسعودية ومكانتها الإسلامية والإقليمية والدولية والترويج كذباً وبهتاناً بعدم قدرة المملكة على إدارة موسم الحج . كما أن هناك تقارير مخابراتية تفيد بوجود خلايا إيرانية شيعية نائمة في دول التعاون الخليجي تنشط حاليا في جمع معلومات عن الجيوش والمؤسسات الحيوية ، وقد سبب ذلك أزمة بين الكويتوإيران عام 2010 عقب إعلان الكويت عن كشف ومحاكمة شبكة التجسس لصالح طهران تابعة للحرس الثوري الإيراني ، كما امتد التوتر في علاقات طهران بعواصم دول التعاون الخليجي بسبب دعم إيران لإنقلاب الحوثيين في اليمن لزعزعة إستقراره على حدوده مع السعودية ، وكذلك تسمية الخليج « الخليج الفارسي «وإغراق دول التعاون الخليجي بالمخدرات وهو ما كشفت عنه هذه الدول عدة مرات ، وبذلك تكون إيران هي المسئولة عن وصول علاقتها بدول التعاون إلى حالة دائمة من الصراع وإنعدام الثقة رغم حرص قيادات دول الخليج العربية دائماً على إثبات حسن نيتها وحل القضايا الخلافية بين الجانبين بالحوار والطرق الدبلوماسية على أساس حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية . وقد جاء التدخل الإيراني السافر في الشئون الداخلية السعودية إعتراضا على إعدام المواطن السعودي الشيعي الإرهابي نمر النمر ضمن مجموعة ضمت 46 إرهابياً آخرين بعد محاكماتهم وثبوت إدانتهم سواء كان هذا التدخل بإقتحام وحرق السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران أو بإطلاق اسم النمر على الشارع الذي توجد به السفارة السعودية بطهران .أو بإطلاق قادة ومسئولين إيرانيين تصريحات مستفزة ومعادية للسعودية وقيادتها بما يعد تصعيداً خطيراً للأمن والاستقرار وخروجاً سافراً على الأعراف الدبولماسية وخطأً جسيماً في علاقات إيران بالسعودية وبقية دول التعاون الخليجي وتجاوزاً لسقف الصراع والتوتر بين الجانبين بعد أن أعطت واشنطنلطهران الضوء الأخضر بتوقيع الإتفاق النووي في يوليو الماضي بين إيران ودول 5+1 ودخوله حيز التنفيذ في 16 يناير الماضي، وقد دفع ذلك كله خادم الحرمين الشريفين الملك / سلمان بن عبد العزيز ، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران قبل أيام قليلة من إلغاء العقوبات الإقتصادية عليها . والسؤال الآن : هل تدفع الأزمة وتجديد الصراع بين إيران والسعودية إلى الدخول في حرب ؟! ... الجواب هو : لا حرب متوقعة! ، لعدة أسباب منها مسارعة المرشد الأعلى والرئيس ووزير خارجية إيران إلى التهدئة بإدانة الهجوم على السفارة والقنصلية السعوديتين كما أن معظم قادة إيران الحاليين شاركوا في الحرب المدمرة مع العراق وعانوا ويلاتها وعلموا بخسائرها الهائلة في الجانب الإيراني ، ومن المتوقع في حالة نشوب تلك الحرب أن تنحاز أمريكا والغرب إلى طهران بعد الإتفاق النووي وإلغاء العقوبات عليها وإعطائها دوراً إقليمياً ضمن المخطط الأمريكي للمنطقة ، بالإضافة إلى أن مشاركة الرياض بفعالية في إطلاق «عاصفة الحزم»وقيادة التحالف الخليجي والعربي في حرب اليمن لتحريره من الحوثيين المدعومين من إيران وعودة القيادة الشرعية إلى صنعاء ، سوف يقلل من فرصة نشوب الحرب بين طهران والسعودية ، وقد دفع ذلك كله ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان في حديثه لصحيفة الإيكونوميست إلى القول : « أياً كان من يحرض السعودية على الحرب على إيران فإنه ليس في كامل قواه العقلية « لمزيد من مقالات فرحات حسام الدين