لاشك أن الإسلام أعطى كل إنسان حقه، وكل وارث حقه، وكل ذى حق حقه، يقول نبينا، صلى الله عليه وسلم، فى خطبته الجامعة فى حجة الوداع: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وقد أعطى العالم حقه، والكبير حقه، والصغير حقه، والمرأة حقها، والأجير حقه، واليتيم حقه، فقال، صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وفى رواية لَيْسَ مِنْ أُمَّتِى مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا , وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا , وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ، ويقول، صلى الله عليه وسلم): قَالَ اللَّهُ ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِى ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ، وقد قالوا: أعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه، وقد نهى الإسلام عن أكل أموال اليتامى ظلما فقال سبحانه: «وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً» ويقول الحق سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً»، ويقول سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً u وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً». وحد لذلك حدودًا وبخاصة فى المواريث، وجعل الاعتداء على حق الإنسان فى الميراث اعتداء على حدود الله، يقول الله (عز وجل) فى ختام الحديث عن آيات المواريث فى سورة النساء: «تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ uوَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ». غير أننا ابتلينا ببعض من لا يتقون الله فى حقوق الناس، فيحبسونها عن أصحابها وبخاصة الضعفاء، بحجة الحفاظ عليها أو تنميتها، وأضرب لذلك مثالين: الأول: من يحب حق المرأة فى الميراث بحجة الحفاظ عليه، أو يحب حق اليتيم بحجة الحفاظ عليه أيضا، فهم كما قال الشاعر: كالعي فى البيداء يقتلها الظما .. والماء فوق ظهورها محمول. وفى ذلك نسمع ونقرأ قصصًا عجيبة وغريبة، عن تعامل بعض أولياء اليتيم أو اليتيمة، أو بعض الإخوة أو الأهل الذين يقبضون على كامل التركة بحجة عدم تفرقتها، ولا يعطون بعض النساء حقوقهن مع حاجتهن الملحة إلى ما شرعه الله (عز وجل) لهن من نصيب جعله مفروضًا، فقال سبحانه: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً. وأعجب من هذا حال بعض الجمعيات التى تقوم على رعاية الأيتام، فتجمع المال لأجلهم، وبدل أن تفى بحاجاتهم الآنية العاجلة من مطعم أو ملبس أو كسوة ونحو ذلك ممالا غنى عنه لهم، أو الإنفاق على تعليمهم أو مداواتهم ونحو ذلك، تذهب إلى استثمار هذه الأموال، ثم تستثمر عائد الاستثمار ولا تصرف منه إلا فتاتًا، فرحة بتعلية الأرصدة مؤكدة أنها لصالح اليتيم يوما ما، على أن هذا اليتيم قد يصيبه ما يصيبه من الألم والحسرة والحرمان قبل أن يأتى هذا اليوم الذى ينعم فيه بالمال الذى جمع لأجله، وإذا كان القرآن الكريم قد نعى على أهل الجاهلية عدم إكرام اليتيم، وعدم حضهم على طعام المسكين، فقال سبحانه: «أَرَأَيْتَ الَّذِى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ u فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ u وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ» ، وقال سبحانه : كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ u وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ u وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً u وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً u كَلا إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكّاً دَكّاً u وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً u وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى u يَقُولُ يَا لَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى u فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ u وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ. فما ظنكم بمن يحبس حق المرأة أو حق اليتيم أو حق الأجير، فيحبس الحقوق عن أصحابها المستحقين لها، وهو ليس عليهم بوكيل، إنما هو مؤتمن، وعلى المؤتمن أن يسرع فى أداء الأمانة التى ائتمنه عليها الله، عز وجل، يقول الحق سبحانه فى شأن اليتامي: «فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً» . لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة