الاجتهاد في عبادة الله تعالى، متعة لا يذوقها إلا من رضي سبحانه عنه، ووفقه إلى استثمار ملكاته في طاعته، وفي القلب منها محبة الناس، والعمل الصالح، لإسعاد النفس، والآخرين. وكان الصحابة يتنافسون، في كل مجال، من أجل الفوز بالسبق عند الله، والأجر الجزيل في الآخرة. وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشجع صحابته الكرام على ذلك، ويثبت كل لون من ألوان التميز في طاعة الله، أو أداء عبادة معينة له، مهما كانت ضئيلة، أو محدودة. ففي مجال الصدقة جاء عن عدِيِّ بنِ حاتِمٍ - رضي الله عنه - أنه قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَة". (متفق عليه). وفي رواية للبخاري ومسلم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينطر أشأم مِنْهُ، فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لم يجد فبكلمة طيبة".(أي يتصدق بنصف ثمرة أو حتى بكلمه طيبة). وعن أبي مسعود عُقْبَةَ بن عمروٍ الأنصاريِّ البدريِّ رضي اللَّهُ عنه قال: لمَّا نَزَلَتْ آيةُ الصَّدقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنا. فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ فَقَالُوا: مُراءٍ (من المراءة، وهي العمل ليراه الناس، فيكتسب منهم غرضا دنيويا). وجاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فقالُوا: إنَّ اللَّه لَغَنِيٌّ عَنْ صاعِ هَذَا، فَنَزَلَتْ: "الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ".(التوبة 79). (متفق عليه). ومعنى "نُحَامِلُ": أي يحمل على ظهره بالأجرة، ويتصدق بها (يشتغل: حمالا)، دون أن يستنكف من ذلك لكي يتصدق. (المُطَّوِّعِينَ: المتنفلين).. جُهْدَهُمْ: طاقتهم فيأتون به. وفي مجال الصلاة ورد عن أبي المنذِر أُبيِّ بنِ كَعْب - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لا أعْلَمُ رَجلًا أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاةٌ (لا تفوته)، فَقيلَ لَهُ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ في الظَلْمَاء، وفي الرَّمْضَاء؟ فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ إنِّي أريدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمشَايَ إِلَى المَسْجِد،ِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهْلِي، فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: "قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذلِكَ كُلَّهُ". (مسلم). وفي رواية: "إن لك ما احتسبتَ". (أي: ما عملته من تكثير الخطا في الذهاب إلى المسجد احتسابا).. والرمضاء: الأرض التي أصابها الحر الشديد. وفي مجال الاجتهاد في الذكر، ورد أنه بعد رفع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الركوع ذات يوم، وعندما قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: "رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ"، فَلَمَّا انْصَرَفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ المُتَكَلِّمُ آنِفًا؟" فقَالَ الرجل: أَنَا، فقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ".(البخاري). والآن إلى الاستغفار (سيد الأذكار)، فقد قال تعالى: "وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ". (آل عمران:17)، وقال سبحانه: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ". (الانفال:33). وعن الأغر المزني - رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم قال -: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله في اليَوْمِ مَائَةِ مَرَّةٍ". (مسلم). قال القاضي عياض: "المراد ب"الغَين": فترة عن الذكر الذي من شأنه أن يداوم عليه، فإذا فتر عنه لأمر ما، عدَّ ذلك ذنبا، فاستغفر منه، صلى الله عليه وسلم". والأمر هكذا، أين اجتهادنا وتنافسنا في الآخرة، كما كان سلفنا الصالح يتنافس، ويجتهد؟ إنه سؤال جدير بأن يضعه كل منا نصب عينيه[email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد