فى جامعة أسيوط وفى مؤتمر جماهيرى لعمرو موسى، استقبله بعض الشباب بهتافات معادية له منها "موسى موسى ياعميل.. تبقى ريس مستحيل" أما هو فقد ظهر الإستياء الشديد علي وجهه وكان رده عليهم: "يسقط يسقط.. حكم الفوضى" الهتاف ضد الرجل "بالٌعِمالة" ورده على معارضيه بأصحاب "الفوضى" لايمثل فى رأينا حالة فردية جاءت على خلفية مؤتمر جماهيرى لمرشح, لكنها تأتى فى إطار صراع لم يتوقف حتى الآن بين رؤيتين متناقضتين حول سبل إستكمال مسيرة مصر فى المرحلة الإنتقالية . الرؤية الأولى تريد نسف كل ماهو قديم بكل مافيه وما عليه حتى نبدأ فى بناء مصر جديدة والأخرى ترى أن التخلص من كل شئ يعنى تهوراً وإندفاعاً وإقصاءاً لايؤدى إلا لمزيد من حالة إستقطاب لن تؤدى إلى توافق بين كل أطياف مجتمعنا. وعلى خلفية هاتين الرؤيتين لازال "الكل" يتهم الكل وربما يخونه.. والبعض لايرى سوى فى نفسه وحدها القدرة على إمتلاك الحقيقة, أما الحديث عن الديمقراطية وقبول الرأى والسماع للرأى الآخر فأصبح الآن وكأنه درباً من دروب الوهم .. تحول الأمر وكأنه "فتنة" تضرب فى أعماق نفوس إكتوت بنار الإحباط وضياع أى أمل فى التغيير ليأتى التغيير من أوسع أبوابه أمام الجميع إلا داخل نفوسنا التى لم تتغير وبقيت مشوهة بصنيعة الماضى . .. إن عمرو موسى ليس خائنا ولاعميلاً.. وهؤلاء الشباب المندفعين ليسوا بفوضويين لكن نقطة التوازن النفسى لدى الطرفين بأن يقبل كل منهما الآخر فى لحظ إستثنائية من تاريخنا لم تتحقق بعد.. وتلك هى أصعب الأزمات التى نعيشها الآن فيها وندور فى فلكها على مستويات مختلفة . فالجديد وهو هؤلاء الشباب المندفع يرون فى كل ماهو قديم عودة الى الوراء, وإنتكاسة جديدة لأحلامهم التى تخيلوا أنها ستحدث دفعة واحدة.. يرون أن وجود كل من تولى جزءاً من مسئولية هذا البلد فى السابق هو وجود "حرام" .. وكأنه سيدنس الثوب الأبيض الطاهر الذى ترتديه نفوسهم, وأن القضاء عليه وإقصائه من أمامهم هى مهمتهم الأولى بعيداً عن أية إعتبارات أخرى . أما القديم الذى يمثله السيد عمرو موسى - ومن هم فى مثل حالته - فيرى فى نفسه مواطناً مصرياً صالحاً تعلم واجتهد وتفوق فى كل مراحل حياته .. يرى فى نفسه نموذجاً للشاب الذى تجاوز كل صعاب الحياة ليطفو فوق سطح هذه البلد وأصبح مسئولاً يشير إليه الناس بالبنان بما فيهم مسئولى العالم كله.. فمن هم هؤلاء الشباب الصغار الذين يأتون الآن ليصفوه بأنه عميلاً .. لابد أن هؤلاء سيكون أقل وصف عنده لهم بأنهم فوضويون..! ربما يكون للطرفين مايبرر إتجاهاتهما تجاه الآخر وسيحكم بينهما غالبية الشعب لكن أن يصل الأمر بشبابنا أن تصف شخصاً مثل عمرو موسى بالِعمالة حتى لوكانت على سبيل الهتافات المعادية ,فهو في رأيى - سواء إتفقت أو إختلفت معه سياسياً - يمثل ظلماً للرجل الذى عمل بإسم مصر سنوات طويلة. ويكفى أن نورد ماأشارت إليه صحيفة معاريف الاسرائيلية فى تحقيق لها هذا الاسبوع على لسان بعض مسئوليها الذين وصفوا اليوم الذى يمكن أن يصل فيه موسى إلى رئاسة مصر بأنه سيكون يوماً "مظلماً " بالنسبة لهم , وأن السلام بين مصر وإسرائيل سوف يرى " أياماً سوداء" فى تلك الحالة وإنه سيطالب بتغيير بنود اتفاقية كامب ديفيد،. , فوق هذا كان سبباً في تعميق الهوة السياسية بين إسرائيل ومصر أكثر من مرة، حتى أن رؤساء وزراء إسرائيل تقدموا بشكاوى أكثر من مرة ضده في السابق وأكدوا أنه لا يحب إسرائيل ولا يفضل أن يتعامل معها .. إن كانت هذه شهادات هى المسئولين الإسرائيليين فى موسى .. فكيف نصفه نحن بالِعمالة ؟ إن الصراع بين الجديد والقديم فى مصر .. بين الشباب والأجيال السابقة يجب ألاينسينا ليس فقط "أدب الحوار" والتعبير عن أنفسنا وآراءنا ولكن أيضاً عند حقيقة أن الوقوف عند دائرة الماضى وحده والإنغماس فيه وفى شخوصه والإستمرار فى محاولة الإنتقام منها بالحق والباطل لن يحقق لنا إلا البقاء عند أسوأ مافى هذا الماضى.. ولن تتحرك بنا العجلة إلى الأمام ..إن كنا نريد أن نتحرك !! المزيد من مقالات حسين الزناتى