آخر موعد لتلقي طلبات وظائف الكهرباء 2024    البابا تواضروس يبحث التعاون مع نادي الشبان المسيحيين حول العالم    محافظ أسيوط يبحث مع مركز المشكلات بجامعة أسيوط مواجهة الهجرة غير الشرعية    رئيس البورصة: انتقال 5 شركات من سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة للسوق الرئيسي    الصين تطوق تايوان بالسفن والطائرات.. مناورات محاكاة لحصار شامل    استطلاع رأي: 48% من الإسرائيليين يرون أنه لا يمكن إخضاع حماس    «القاهرة الإخبارية»: المنظومة الصحية خرجت عن الخدمة بالكامل في غزة    جيش الاحتلال يكذب نتنياهو.. سلمنا للحكومة 4 رسائل تحذيرية قبل "7 أكتوبر"    نهائي أفريقيا، الأهلي يدخل معسكرا مغلقا استعدادا لمباراة الترجي    إيقاف تشافي، عقوبات قوية من الاتحاد الأوروبي ضد برشلونة    موعد إعلان قائمة منتخب مصر لمباراتي بوركينا فاسو وغينيا بتصفيات المونديال    امتحانات الثانوية العامة 2024.. ماذا يحدث حال وجود فراغات بإجابة أسئلة «البابل شيت» وعدم تظليلها جيدا؟    تصل ل350 ألف جنيه.. ننشر إجمالي تعويضات حادث معدية أبو غالب    أحمد الفيشاوي يتجاهل الانتقادات ويروج ل«بنقدر ظروفك»    النيابة العامة تستدعي مسئولي الآثار للتحقيق في واقعة العثور علي مومياء أثرية داخل جوال    أميرة هاني: عبلة كامل من أفضل الأمهات الموجودة في الوسط الفني    هل يجب عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه! .. الأزهر للفتوى يجيب    إنفوجراف| كل ما تريد معرفته عن مدينة «كابيتال ميد» الطبية    خطة لتنمية الصناعة المصرية بالتعاون بين «الجايكا» وجهاز تنمية المشروعات    بمشاركة زعماء وقادة.. ملايين الإيرانيين يلقون نظرة الوداع على رئيسي (فيديو)    "نقابة المعلمين" تشكل غرفة عمليات لمتابعة امتحانات الدبلومات الفنية    أيام قليلة تفصلنا عن: موعد عطلة عيد الأضحى المبارك لعام 2024    لا رادع لجرائم الإسرائيليين.. «القاهرة الإخبارية» تكشف الوضع المأساوي في غزة    «قانونية مستقبل وطن» ترد على CNN: مصر ستواصل دعم القضية الفلسطينية    القائم بأعمال رئيس جامعة بنها الأهلية يتفقد سير الامتحانات بالكليات    أول تعليق من نورين أبو سعدة على انتقادات «قماصة»: الأغنية من 3 سنين    وزير الدفاع: مصر تقوم بدور مهم وفعال لمساندة القضية الفلسطينية على مدار التاريخ    هل يجوز شرعا التضحية بالطيور.. دار الإفتاء تجيب    توريد 76.6 ٪ من المستهدف للقمح المحلي بالإسماعيلية.. 48 ألفًا و137 طنا    مستشار الرئيس للصحة: مصر تمتلك مراكز لتجميع البلازما بمواصفات عالمية    «صحة المنيا»: تقديم الخدمات العلاجية ل7 آلاف مواطن خلال شهر    تعرف على موعد مباراة الزمالك وفيوتشر والقنوات الناقلة لها    أسعار البقوليات اليوم الخميس 23-5-2024 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    مسلسل البيت بيتي 2.. هل تشير نهاية الحلقات لتحضير جزء ثالث؟    النائب محمد المنزلاوي: دعم الحكومة الصناعات الغذائية يضاعف صادراتها عالميا    بنمو 173%.. aiBANK يحقق 475 مليون جنيه صافي ربح خلال 3 أشهر    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    وزير الري يلتقي مدير عام اليونسكو على هامش فعاليات المنتدى العالمي العاشر للمياه    عضو مجلس الزمالك: نعمل على حل أزمة بوطيب قبل انتقالات الصيف    100 جنيه للكيلو.. عودة أسعار الدواجن للارتفاع في أسواق كفر الشيخ    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيي طابا وسانت كاترين يجنوب سيناء طبقا للمعايير القومية المعترف بها دوليا    «المنيا» ضمن أفضل الجامعات في تصنيف «التايمز العالمي» للجامعات الناشئة 2024    «الصحة»: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشري HIV    إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكى فى أطفيح    فضل الأعمال التي تعادل ثواب الحج والعمرة في الإسلام    أول تعليق من دانا حمدان على حادث شقيقتها مي سليم.. ماذا قالت؟    نشرة مرور "الفجر ".. انتظام حركة المرور بميادين القاهرة والجيزة    «القاهرة الإخبارية»: قوات الاحتلال الإسرائيلي تنسحب من مدينة جنين ومخيمها    ل برج الجوزاء والميزان والدلو.. مفارقة كوكبية تؤثر على حظ الأبراج الهوائية في هذا التوقيت    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    حملات مكبرة للنظافة والتشجير بمركز سنورس بالفيوم    الأرصاد: طقس اليوم شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمي بالقاهرة 39    «زى النهارده».. وفاة الكاتب المسرحي النرويجي هنريك أبسن 23 مايو 1906    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    «دول شاهدين».. «تريزيجيه» يكشف سبب رفضه طلب «أبوتريكة»    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    أتالانتا يضع حدا لسلسلة ليفركوزن التاريخية    طالب يشرع في قتل زميله بالسكين بالقليوبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة يوليو والتنمية.. عبدالناصر وقضايا المجتمع المصرى
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 01 - 2016

يقول الرئيس جمال عبدالناصر في فلسفة الثورة: «وأنا أنظرأحيانا إلي أسرة مصرية عادية من آلاف الأسر التي تعيش في العاصمة: الأب فلاح معمم من صميم الريف والأم سيدة منحدرة من أصل تركي وأبناء الأسرة في مدارس علي النظام الإنجليزي وفتياتها في مدارس علي النظام الفرنسي، كل هذا بين روح القرن الثالث عشر ومظاهر القرن العشرين أنظر إلي هذا وأحس في أعماقي بفهم للحيرة التي نقاسيها وللتخبط الذي يفترسنا ثم أقول لنفسي: سوف يتبلور هذا المجتمع سوف يتماسك وسوف يكون وحدة واحدة قوية متجانسة وإنما ينبغي أن نشد أعصابنا ونتحمل فترة الإنتقال»0
«قلنا إننا لانملك المستقبل وحدنا فمن أجل ضمان الحياة السياسية في المستقبل ذهبنا إلي عدد من قادة الرأي من مختلف الطبقات والعقائد وقلنا لهم: ضعوا للبلد دستورا يصون مقدساته وكانت لجنة الدستور، ومن أجل ضمان الحياة الاقتصادية في المستقبل ذهبنا إلي أكبر الأساتذة في مختلف نواحي الخبرة وقلنا لهم: نظموا للبلد رخاءه واضمنوا لقمة العيش لكل فرد فيه وكان مجلس الإنتاج تلك حدودنا لم نتعداها، إزالة الصخور والعقبات من الطريق مهما يكن الثمن واجبنا، والعمل من كل نواحيه مفتوح لكل ذوي الرأي والخبرة فرض لازم عليهم، وليس لنا أن نستأثر به دونهم ، بل إن مهمتنا تقتضي أن نسعي إليهم لجمعهم من أجل مستقبل مصر مصر القوية المتحررة«.
ووفقا للمنهج الذي حدده جمال عبدالناصر صدرت عدة قرارات بعد أسبوع واحد، من قيام الثورة وبالتحديد في 30 يوليو1952، إستهدفت القضاء علي الإقطاع والإحتكار وكان في مقدمتها قانون الإصلاح الزراعي وتنظيم الإيجارات التي أنهت تسلط الملاك علي المنتجين والمستأجرين في الريف والحضر وحددت بالتالي المبالغة في التكالب علي الملكية العقارية وما يترتب علي ذلك من عزوف المدخرات الخاصة علي الدخول في مجالات الإنتاج المثمر وبخاصة الإنتاج الصناعي وتحمل مخاطره.
ثم صدر بعد ذلك القانون رقم156 في 2أبريل 1953 الذي حدد أسلوب معاملة رأس المال الأجنبي حيث حددت القنوات الشرعية التي يرد من خلالها (سواء نقدا أو عينا أو في شكل حقوق معنوية ) وحدد شروط تحويل الأرباح بما لا يتجاوز 10% بالعملة الأصلية، كما أجاز تجاوز هذه النسبة في حدود ما يحققه الاستثمار الأجنبي من عملة أجنبية كما أجاز إعادة تحويل رأس المال الأجنبي بعد خمس سنوات بما لا يتجاوز خمس القيمة المسجل بها. وحددت المادة الثانية في هذا القانون شرط الانتفاع أن يوجه رأس المال الأجنبي إلي الاستثمار في مشروعات التنمية الاقتصادية ( الصناعة-الزراعة التعدين القوي المحركة النقل السياحة ) ويبت في الطلب في خلال شهور ثلاثة من تاريخ تقديمه تفاديا للإجراءات التشريعية والإدارية الحكومية وتفاديا للتعقيدات وتضارب الإختصاصات بين الجهات المعنية. وفي هذا الصدد أيضا صدر القانون رقم 325لسنة1952 والقانون رقم 324لسنة1953 خاصا بالرسوم الجمركية والضرائب غير المباشرة حول المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج والعوائد وما إلي ذلك وكان الغرض من كل هذا التشجيع العملي علي الاشتغال بالإنتاج من أجل التصدير.
لم تكن نشأة القطاع العام ، كما يردد البعض ، علي حساب رأس المال الوطني بل من خلال إستثمار عام ومن خلال إسترداد الشعب حقوقا اغتصبها الأجانب والمتمصرون، نتيجة سوء تصرف ولاة الأمور في مصر، وفي ظل إمتيازات أجنبية أعفتهم من دفع الضرائب التي كان يتوجب دفعها من أجل إقامة المرافق التي مولها االفلاح المصري الذي إغتصبت حقوقه .
ومع نشأة وزارة الصناعة سنة1956 اعتمد برنامج التصنيع الأول في1957 بعد الحصول علي قرض من الإتحاد السوفيتي لتنفيذه وتكونت هيئة السنوات الخمس وتوسعت المصانع الحربية في الإنتاج المدني وتم الاتفاق مع الإتحاد السوفيتي علي بناء السد العالي وشكلت الهيئة العامة للسد العالي.
وقامت وزارة الصناعة بوضع برنامج خمس سنوات للتصنيع يتكلف 255مليون جنيه ( كان الجنيه يعادل أكثر من ثلاثة دولارات في ذلك الوقت ) ويرفع نصيب الصناعة من 11% من الدخل القومي الي 19% -ووضع البرنامج قواعد للأولويات تضمنت كافة تكلفة المشروع وحاجته من النقد الأجنبي والعائد المتوقع منه وما يضيفه إلي الطاقة الإنتاجية ويستخدمه من عناصر وعمالة وعلاقة المشروع بالمشروعات الأخري وأهميته للتنمية إضافة إلي الاعتبارات الإستراتيجية 00 وقدر أن تستغرق المرحلة الأولي ثمانية عشر شهرا يليها أربعة مراحل سنوية ، وإتضح مما تقدم أن الإهتمام بالتنمية يتطلب نظرة شاملة متكاملة فصدر قرار رئيس الجمهورية رقم78لسنة1957 بشأن التخطيط القومي وأدمج مجلسي الإنتاج والخدمات في لجنة التخطيط القومي.
لقد جاء في تقريررسمي لمعهد التخطيط القومي سنة 1997 بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ما يلي :
في حصاد ثمانية عشر عاما من الثورة حتي رحيل الرئيس جمال عبدالناصر حققت مصر من سنة 1960 حتي سنة 1967 أعلي معدل تنمية في العالم الثالث وأعيد توزيع الرزق حتي بات الدخل القومي عام 1970 مناصفة بين عوائد التملك والأجراء في مصر . وحول الخطة الخمسية التي بدأ الإعداد لها من سنة 1957 بغرض مضاعفة الدخل القومي خلال أقصر فترة ممكنة قدر لها الخبراء عشرين سنة ولكن كان الأمل الطموح أن يتم إنجازها في عشر سنوات وذلك لمقابلة الزيادة السكانية الكبيرة 2٫5%، في الوقت الذي كانت الإمكانيات محدودة في التوسع الزراعي وكان التفكير في التوجه نحو دفع عجلة الصناعة لإحداث التوازن في التنمية.
وبعد أن تم إعداد الهيكل العام للخطة عرضت علي مجلس الوزراء فقسمت إلي خطتين خمسيتين أولي وثانية 1960 /1965 للأولي التي كان هدفها زيادة الدخل القومي بنسبة 40% مما كان عليه في سنة الأساس وقدرت الإستثمارات اللازمة بحوالي 1576,9 مليون جنيه وبلغت الإستثمارات المنفذة مبلغ 1513 مليون جنيه أي بنسبة 5ر95% من الإستثمار المستهدف وبمتوسط سنوي قدره 6ر302 مليون جنيه وهو يعادل 19% من الدخل القومي في المتوسط خلال سنوات الخطة.
ساهمت المدخرات القومية في تمويل هذه الإستثمارات بمبلغ 6ر1095 مليون جنيه أي بنسبة 4ر72% وبمتوسط سنوي 1ر2109مليون جنيه وهو ما يساوي 2ر13% من الدخل القومي في المتوسط. وساهمت القروض الأجنبية بمبلغ 417,4 مليون جنيه اي بنسبة 27,6 % وذلك بعدما وزعت الخطة علي العالم الخارجي غربا وشرقا والعالم الثالث وكان الحجم الأكبر من الخطة مع الغرب وبدرجة أقل مع الشرق ولما كانت المشكلة الرئيسية هي عجز التمويل الداخلي فكان التأميم من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ومن أجل المستقبل وكان التأميم وسيلة ولم يكن هدفا بل كان اتجاها اقتصاديا لتنمية اقتصادية اجتماعية ووطنية مستقلة وكان يمثل خط الدفاع السياسي في مقابل عملية منظمة مصالحها تتعارض مع مصالح الغالبية العظمي من الناس ولم يكن التأميم يعني أبدا أفراد أو أشخاص ولكنه كما ذكرت يعني وسيلة ولم يؤمم أي فرد وكان عام 1961 هو عام بدء الثورة الاجتماعية وبدء توفير القدرة علي التنمية الوطنية مع انفتاح علي العالم كله بما يحول دون التبعية لأي ضغوط خارجية. وبلغت الزيادة المحققة في الدخل القومي في نهاية الخطة 37,1 % مما كان عليه في سنة الأساس في مقابل الزيادة المتوقعة 40% متوسط معدل النمو السنوي 6,5 %000 ومعدل زيادة السكان خلال سنوات الخطة كان 2,8 % في المتوسط.
إن حدوتة رأس المال الأجنبي علي مدي الخمسين سنة الماضية مع ثورة يوليو تؤكد وتثبت أن التنمية لا تتم إلا بالاعتماد علي النفس، وهو ما يفترض توجها مستقلا يرفض التبعية للرأسمالية العالمية ويتعرض هذا المبدأ للتشويه حيث يصور علي أنه سعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو أمر يتعذر علي أكبر الدول وأكثرها تقدما تحقيقه، وحتي لو أمكن بلوغ نسبة عالية منه، فالأغلب أن يتم ذلك بتكلفة باهظة نظرا للاضطرار للدخول في جميع المجالات دون ضمان القدرة علي إتقانها جميعا ويعني الاعتماد علي النفس أن يسعي الاقتصاد إلي تعظيم قدرته الإدخارية، وإلي تعبئة مدخراته وحسن توجيهها إلي ما يتمتع فيه بميزة نسبية، ويكون دور رأس المال الأجنبي مكملا وليس هو الأساس شريطة أن يأتي بالشروط وفي المجالات التيتهم الاقتصاد ولكنها تتصف بارتفاع تكلفة بناء الخبرة الذاتية فيها ولا يعني نقص الخبرة المحلية تبرير الاعتماد علي الخبرة الأجنبية في جميع المجالات بدعوي أنها أكثر تقدما بحكم السبق.
ولم تكن القضية هي الاكتفاء الذاتي والاستعاضة عن الواردات ، بل هي المرحلة الأولي من التصنيع التي تقوم فيها الصناعة بتثبيت أقدامها في السوق المحلية تمهيدا للانطلاق إلي الأسواق العالمية يساعد علي هذا الانطلاق أن تكون الدولة علي صلة وثيقة بمجموعة من الدول المجاورة المقاربة لها في أوضاعها الاقتصادية يقوم كل منها بالتخصص في عدد محدود من المجالات ثم يجري التبادل فيما بينهما علي نحو يفتح أمام كل منهما سوقا رحيبة هي سوق التجميع الإقليمي 0 ويتيح هذا التوسع في المجالات التي يجري التخصص فيها نتيجة لتوزيع التخصاصات فيما بينها أو ما يطلق عليه « تقسيم العمل الدولي « ، ولذلك فقد بات من المسلمات بين اقتصاديي الدول النامية أن التنمية المستقلة تتم باعتماد جماعي علي النفس 0 ولقد أزعج هذا الاتجاه الذي ساد بين الدول النامية في الستينات الدول الرأسمالية ، فبدأ الحديث عن الاعتماد المتبادل ، وخرجت الرأسمالية من الستينات مصابة بأزمات مستعصية أفضت إلي ركود وتضخم وبطالة ، لم تجد بعد سبيلا إلي التخلص منها ومن ثم تأتي الحملة المسعورة التي تريد القضاء علي التنمية المستقلة وذلك بالدعوة إلي:
الخصخصة التي تفتح الباب أمام تغلغل رأس المال الأجنبي الخاص . التصدير بدلا من التوجه إلي السوق المحلية، وهو ما يزيد من الاعتماد علي الإستيراد في تلبية الحاجات الضرورية، إنتاجية كانت أم إستهلاكية بما في ذلك الغذاء الضروري 0
إن الاعتبارات السابقة تؤكد علي عدد من القواعد العامة التي يجب أن تلحظها عملية التنمية :
أن التنمية تبدأ بالتوسع في عدد من الأنشطة ذات المردود الكبير علي قطاعات أخري لتحدث آثارا مضاعفة، أي تقود التنمية.
وقد شهد العقدان الأخيران اعتمادا علي قطاعات تضيف إلي قدرات الإقتصاد المالية ولكنها لا تستطيع تنشيط قدراته الإنتاجية علي سبيل المثال قناة السويس والبترول وهجرة العمال ، فلابد من العودة لبناء القاعدة الإنتاجية المتنامية 0
وحتي يؤدي توسع بعض الأنشطة إلي آثار مضاعفة علي الاقتصاد القومي ، لابد من تحقيق قدر معين من تكامل حلقات الإنتاج الداخلية 0 لقد اظهرت الإجراءات المسماة بالتصحيحية أن إرتفاع تكاليف الاستيراد نتيجة هبوط سعر الصرف أدي إلي إرتفاع تكاليف الإنتاج ومن ثم إلي تعثره أي أن ما تمت إضافته لطاقات الإنتاج كان بالتكامل مع العالم الخارجي ، وهو ما أضعف من قدرة الاقتصاد علي الاعتماد علي النفس.
وأرجو أن أنهي كلامي حول هذ القضية بالاستشهاد بما كتبه جون بادو سفير الولايات المتحدة الأمريكية في القاهرة خلال فترة إصدار القرارات الاشتراكية فقد ذكر في كتابه « ذكريات الشرق الأوسط « The middle East Remembered ، ما نصه: «وحينما صدرت القوانين الإشتراكية وكنت سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في القاهرة ، ثارت ضجة حولها فقررت تكوين فريق عمل من رجال السفارة لدراستها بدقة وانتهينا إلي أن حجم القطاع العام الجديد في مصر أقل منه في إسرائيل وفي الهند وفي فرنسا وفي بريطانيا بل وفي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، وانه لا يصادر القطاع الخاص أو يغلق الطريق أمامه بل علي العكس سوف يحفزه ويدفعه للمنافسة في ظل إقتصاد مختلط كما حدث في هذه الدول .
ويقول جون بادو إن سياسة كينيدي كانت تلقي معارضة من القوي المؤيدة لإسرائيل داخل دوائر الإدارة الأمريكية ويضرب المثل علي ذلك بقوله إن إيفاد المبعوث الشخصي حول موضوع صفقة الصواريخ الهوك لم يقرأ عنها شيء في واحدة من الصحف الأمريكية . كما ظل الكثيرين من العاملين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يتعاملون مع عبدالناصر باعتباره شيوعيا أو أداة للشيوعية ، وهكذا فإن برنامج معونة القمح لمصر والذي زاد بشكل كبير في عهد كينيدي حتي أصبحت هي أكبر صفقة قمح أمريكية بعد صفقة الهند وجدت معارضة داخل الكونجرس والمخابرات المركزية خاصة بعد عمليات التأميم التي حدثت في مصر في ذلك الوقت ودعت بعض رجال الكونجرس إلي إنتقاد تقديم المساعدات « للإشتراكيين والشيوعيين هكذا وذلك بالرغم من أن هذه الصفقة لم تكن تكلف الولايات المتحدة شيئا حيث كانت كلها مواد غذائية زائدة عن الحاجة 0 وقد أجري بادو في تلك الفترة دراسة دقيقة عن الاقتصاد المصري وكانت نتيجة ما وصل إليه هو أن 18% من القوي الإنتاجية المصرية هي التي تم تأميمها ، ثم قارنت الدراسة هذه النسبة مع مثيلاتها في بعض الدول الأخري من حلفاء واشنطن فوجد مثلا أن القوي الإنتاجية في إسرائيل تبلغ نحو 30% وفي الصين الوطنية نحو 25% ، ويقول السفير بادو : «علي أن أفضل ما وقعت عليه أعيننا كان مثال الولايات المتحدة نفسها حيث 29% من القوي الإنتاجية تخضع للإشراف الحكومي بشكل أو بآخر».
لمزيد من مقالات سامى شرف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.