بسبب سلسلة من الهجمات على المصالح الهندية فى أفغانستان وقرب الحدود مع باكستان، باتت جهود التقارب بين نيودلهى وإسلام آباد مهددة،وربما عرضة للانتكاسة إلى مرحلة ما قبل كسر الجمود بين العاصمتين الذى أحدثته زيارة قام بها رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى لباكستان أواخر ديسمبر من العام الماضى بهدف رأب الصدع وفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين. ومن المؤكد أن إعلان البلدين الذى جاء خلال لقاء مودى برئيس الوزراء الباكستانى نواز شريف فى إسلام آباد فى 25 ديسمبر الماضى بشأن إجراء جولة مباحثات جديدة للسلام لحل القضايا العالقة بين الجانبين بعد سنوات من تعثرها بسبب ضعف الثقة بين الطرفين من ناحية واستهداف المتشددين من كلا الجانبين للآخر من ناحية أخرى كان بمثابة انفراجة ونقطة تحول إيجابية فى علاقات ما زالت تتسم بحالة من اللاسلم واللاحرب بين الجارتين النوويتين. وذهب المحللون السياسيون إلى أن انعقاد هذه المباحثات يوم 15 يناير الجارى وفقا لما كان مقررا لها كان من شأنه أن يدفع البلدين إلى تحسين علاقات جوار تعرضت لثلاث حروب تسببت فى تشريد أكثر من 12 مليونا ومقتل مليون آخر منذ استقلال شبه القارة الهندية عن الاستعمار البريطانى عام 1947 واستقلال باكستان عن الهند فى العام نفسه. ومن المؤسف الآن عودة التوتر فى العلاقات إلى سابق عهده بين البلدين بسبب تعرض مصالح هندية لسلسلة من الاعتداءات، تمثل أولها فى هجوم إرهابى على قاعدة "بتنخوت" الجوية شمال الهند، مما أسفر عن مقتل 7 جنود هنود وإصابة 22 آخرين، فضلا عن مقتل 5 من منفذى هذا الهجوم، وإعلان ما يعرف باسم "مجلس الجهاد المتحد"، وهو تحالف يضم 10 جماعات، مسئوليته عن الهجوم. ويتمثل الجزء الأصعب من الحادث فى أن سيد صدقات حسين الناطق باسم هذا "المجلس" أكد فى تصريحات له أن هذا الهجوم هو عبارة رسالة من عناصر تحالفه بأن أيديهم ستصل إلى أى منشأة حساسة فى الهند، ويترتب وبالطبع على تصريحات من هذا النوع أن يترسخ فى أذهان الجانب الهندى أن حكومة إسلام آباد كانت على علم بالهجوم ولم تمنعه، أو أنها لم تخطر الجانب الهندى مسبقا به أو أنها على الأقل لم تزودها بمعلومات بشأن إمكانية وقوعه. ولدعم وجهة النظر القائلة بتشكك الهند فى وقوف إسلام آباد وراء الهجوم، وإن لم تعلن ذلك رسميا، فإن رئيس الوزراء الهندى حث نظيره الباكستانى خلال اتصال هاتفى على التحرك بشكل "حازم وفوري" ضد المسئولين عن الهجوم، وكأنه يلمح إلى علاقة ما بين منفذيه وبين حكومة إسلام آباد. وبحسب البيان الهندي، فقد رد شريف على هذا الطرح بأن "حكومته ستتحرك بشكل سريع وحاسم ضد هؤلاء الإرهابيين"، وعقب الهجوم ذاته، أعلنت الهند اعتزامها تشكيل قوة لتأمين حدودها مع باكستان تتضمن نشر حوالى ألفى فرد إضافيين على امتداد حدودها الشمالية للسيطرة على المنافذ النهرية والغابات، بما فى ذلك قرية "باميال" الحدودية التى من المعتقد أن الإرهابيين استخدموها للتسلل للبلاد واستهداف قاعدة "بنتخوت" الجوية. ولمزيد من التباعد، وربما الاحتقان بين الهندوباكستان، وقع هجوم آخر شنه مسلحو حركة طالبان على مبنى قريب من القنصلية الهندية بمدينة مزار الشريف شمال أفغانستان، ورغم أن الحادث لم يسفر حتى عن أى إصابات بين العاملين فى مقر القنصلية الهنديةبأفغانستان، إلا أنه أضاف فصلا جديدا من التوتر بين الهندوباكستان. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هو: لماذا يتم تحميل باكستان سياسيا مسئولية أحداث إرهابية تستهدف المصالح الهندية فى أفغانستان، على الرغم من أن الأخيرة دولة لها سيادتها؟ والإجابة على سؤال من هذا النوع تتمثل - من وجهة نظر المحللين - فى حتمية تفهم طبيعة العلاقة الحميمة بين النظام الحاكم فى كابول وبين الهند من ناحية، وبين إسلام آباد وبين امتداد حركة طالبان فى باكستان من ناحية أخرى، خاصة وأن مقاتلى تلك الحركة هم من نفذوا ذلك الهجوم، بل وأعلنوا مسئوليتهم عنه. وبأسلوب آخر، يشير المحللون دائما الى احتمال قيام حرب بالوكالة فى أفغانستان بين الهند الداعمة للنظام فى كابول وبين باكستان العرابة التاريخية لطالبان. وفى النهاية، تشير كل تلك الأحداث إلى احتمالات قوية بشأن عرقلة المساعى الدبلوماسية التى تقوم بها نيودلهى للتقارب مع إسلام آباد وإلغاء تلك الجولة من مفاوضات السلام بين البلدين رغم عدم إعلان أى من مسئولى الدولتين رسميا إلغاءها بعد. ومن الواضح أن العلاقات الهندية - الباكستانية أضحت اليوم أكثر تأزما عقب الهجوم الإرهابى على قاعدة "بنتخوت"، وأكثر مما كانت عليه من قبل، وحتى وإن لم يعلن الجانبان ذلك رسميا، بدليل تحذير مسئولين هنود لسريلانكا بعدم التعامل مع باكستان ومناشدتها شراء طائراتها المقاتلة بدلا من شراء طائرات باكستانية، بل وتهديد سريلانكا بإلغاء قرض هندى للأخيرة بقيمة 400 مليون دولار فى حالة التوقيع على هذه الصفقة، إلا أن سريلانكا رفضت التهديد الهندى وأصرت على شراء الطائرات الباكستانية، وأبلغت نيودلهى باعتزامها شراء سفن حربية منها بدلا من تلك الطائرات. ومن المرجح أن جولة محادثات السلام بين البلدين لن تتم فى موعدها المقرر أو أنها وإن تمت فلن تسفر عن جديد لأسباب عديدة أهمها، أن البلدين يمثلان نموذجا جيدا لحالة من الاستنزاف الاقتصادى الطويل والمتمثل فى شراء الأسلحة والتكنولوجيا الخاصة بها، خاصة من الأمريكيين، وحتى إن كان بعضها محلى الصنع الآن، وبالتالى فإن الأمريكيين لم يسمحوا للجانبين بالتوصل لاتفاق من شأنه إغلاق أحد أوسع أسواقهم لبيع السلاح فى آسيا. ويتمثل السبب الثانى فى أن الهند لن تقبل بأى اقتراح باكستانى لتسوية ملف كشمير، ببساطة، لأن الهند تعلم جديا أن باكستان تعانى هذه الأيام من مشاكل جمة على الصعيدين السياسى والاقتصادي، وبالتالى فإنها لا تجد نفسها مضطرة للقبول بأى شيء فى صالح باكستان، ومن ثم فإن أى حوار بين الجانبين لن يكلل بالنجاح.