قد تكون ألمانيا نموذجاً متفرداً للدول التي بعثت من تحت رماد الحرب، وتحولت في زمن قياسي إلى عملاق للصناعة ثبت اقدامه في الأسواق العالمية، لتصبح ضمن أكبر أربع اقتصاديات فى العالم.. أسباب كثيرة كان لها الفضل في تحول الركام والدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية في برلين وسائر المدن الألمانية، إلى وقود يحرك تروس العمل والبناء، لتصبح خلال بضع سنوات بلد الأفكار والابتكار، أما كلمة السر فكانت الثورة الصناعية التي جعلت من ألمانيا صاحبة الريادة في العديد من الصناعات،وصاحبة أقل نسبة للبطالة بين دول الأتحاد الأوروبي والعالم.. كان أهم أهداف ثورتها الصناعية هو الاهتمام بالتعليم بصفة عامة، والتعليم الفنى بصفة خاصة، ومن خلال نظام يدمج بين التعليم النظرى والتدريب العملى حققت ألمانيا هذه المعادلة، حيث ابتكرت نظام التعليم المهنى المزدوج الذى يحصل من خلاله الطالب على شهادة تؤهله للإندماج مباشرة فى سوق العمل، والتى من دونها قد لا يجد الفرصة الملائمة حتى فى ابسط المهن. ومؤخرا نظمت الحكومة الفيدرالية الألمانية برنامجا تعريفيا لنظام التعليم المهنى المزدوج لعدد من الخبراء والعاملين فى مجال التعليم الفنى وكذلك عدد من الصحفيين من الدول العربية والاوروبية والولايات المتحدةالأمريكية وآسيا وكانت مؤسسة الأهرام الوحيدة من مصر للاطلاع على النموذج الألماني. وقد شهد التعليم المهنى المزدوج إقبالا ملحوظاً فى السنوات القليلة الماضية حيث يبلغ عدد المتدربين به 1٫4 مليون طالب وهو يمثل رقما كبيرا اذا ما قورن بنسبة الملتحقين بالتعليم العالى فى سنوات ماضية، وربما يرجع ذلك إلى وجود العديد من المهن التى لا تتطلب دراسة جامعية للالتحاق بها ويكفى دراستها فى نظام التعليم المهنى المزدوج، الذى لا يحرم طلابه من امكانية الإلتحاق بالجامعة ولكنه يضع بعض المعايير الدراسية بالإضافة إلى إلزام الطالب بإكمال دراسته الجامعية فى تخصصات معينة بكلية العلوم التطبيقية. شركات صغيرة أومتوسطة وفى ألمانيا لا يقتصر التدريب على الشركات العملاقة فقط بل الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتى لايزيد عدد العمالة فيها على بضعة أفراد، وبالرغم من أن نظام التعليم المهنى المزدوج يمثل نموذجاً جذاباً للعديد من الطلاب، إلا انه يتطلب جهداً مضاعفاً، فأولى مراحل التعليم العملى تبدأ ببحث الطالب عن عقد للتدريب فى إحدى هذه الشركات المؤهلة ليمضى بها فترة التدريب، ويتم توقيع عقد بين الطالب والشركة بمراجعة غرفة التجارة. حيث تشترك غرفة التجارة والصناعة والشركات واتحاد العمال فى وضع مناهج التعليم الفني، كما يتم إجراء الامتحانات العملية داخل الشركة وإذا لم يوفق الطالب فى الحصول على عقد يحصل على مساعدة من مكتب التشغيل. ووفقاً للعقود المبرمة مع الطالب يحصل على أجر يتراوح بين 374 يورو و879 يورو فى العام الأول من التدريب. ويستطيع الطالب أن يتوجه بعد الحصول على الدبلومة - بعد مضى ثلاث سنوات من التدريب أو على الأقل عامين ونصف - إلى كلية العلوم التطبيقية للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه فى تخصصة فقط. أيدى عاملة مدربة ولكن ما المميزات التى تحصل عليها الشركات التى تنضم إلى برامج التعليم المزدوج؟ سؤال طرحته على بيتر ريشمان مدير المائدة المستديرة للتعليم المهنى الدولى الذى ألتقيت به فى المكتب الألمانى للتعاون الدولى فى مجال التعليم والتدريب المهني؟ أجاب أن نحو 21٪ من الشركات المسجلة فى السوق الألمانية تقدمت فى عام 2012 للمشاركة فى نظام التعليم المزدوج، وبالرغم من أن نسب المشاركة ليست كبيرة إلا انه بمعرفة أن 99٫6٪ من الشركات فى المانيا هى شركات صغيرة ومتوسطة الحجم يتضح جزء من أسباب انخفاض هذه النسبة فهناك شروط ايضا توضع لقبول مشاركة الشركات فى هذا التدريب ويوضح أن مشاركة تلك الشركات فى برامج التدريب هو نوع من الاستثمار فى عامل مدرب بشكل جيد، ويضيف :"لا يمكن النظر للأمر على انه تكلفة فقط ولكن الشركات تحصل ايضا على إنتاج من الطالب المشارك بالتدريب اى أن الطالب ينتج ويحصل على أجر مقابل الإنتاج. عقبات وحلول وبالرغم من أن نظام التعليم المهنى المزدوج يمنح العديد من المزايا إلا أن طريقه لا يخلو من العقبات فبحسب الدكتورة روزينادومبرووسكى من قسم مجلس شيوخ برلين للعمل والدمج وقضايا المرأة : هناك بعض التحديات التى تواجه الشركات والطلاب على حد سواء داخل برلين، والتى تم ابتكار بضعة حلول لها ومنها تقديم دعم مادى لبعض الشركات وبخاصة تلك التى تهتم بتدريب السيدات فى مجالات العمل التى كانت مقصورة على الرجال فقط، كذلك تتلقى الشركات التى كادت تتعرض للغلق بعض الدعم المادي، كما يحصل الطلاب القاطنين بعيدا عن مقر الشركات التى يتدربون بها على دعم مادى للتنقل. اما الشركات الصغيرة التى لا تستطيع توفير التدريب المتكامل للطالب فتنضم إلى عدد آخر من الشركات الصغيرة لتشكل تحالف تدريبى يقدم تعليم فنى متكامل للطالب ويحصل هذا التحالف على دعم مادى ايضاً. جذب ورقابة ومن جهة اخرى تلعب غرفة التجارة والصناعة دوراً اساسياً فى نظام التعليم المهنى المزدوج توضحه مارى هوفمان من قسم التعليم المهنى والتدريب التى التقيت بها فى غرفة كولون للتجارة والصناعة، حيث أن مهمتها استشارية للرقابة والمراقبة، فهى تشارك فى وضع المناهج الخاصة بالتعليم المهنى المزدوج مع الشركات والنقابات والمدرسة وكذلك فى وضع المناهج الخاصة بإمتحان المدربين حيث تقدم المشورة للشركات فى جميع قضايا التدريب المهنى عن طريق مستشارى التدريب وتقع مسئولية مراجعة العقود المبرمة مع الطالب ايضاً على غرفة التجارة والصناعة حيث يتم التعرف على إمكانيات الشركة لتضمن تدريب مهنى ذو مستوى عالى بها. تجارب تعليمية فى جولة قصيرة داخل واحدة من أكبر مدارس التعليم المهنى فى برلين وهى مركز للمدارس الثانوية المهنيه للمعلومات التقنية، والإدارة الصناعية والطاقة إلتقيت سابين فينكى مديرة المدرسة التى قدمت شرحاً مختصراً عن نظام التعليم المهنى المزدوج والمزايا التى يقدمها للطالب وكذلك لسوق العمل. وتضم المدرسة عددا من المعامل المصممة لتدريب الطلاب على التقنيات الحديثة فى مجال الالكترونيات والطاقة. وتضم برلين ايضاً واحدا من اكبر و اهم مؤسسات التعليم المهنى فى المانيا المتخصص فى مجال البناء و كافة الأنشطة المرتبطة به والذى يجب أن يمضى اى شخص يرغب فى العمل بمجال البناء فيه على الأقل عاما تدريبياً ويضم عددا من الورش الفنية التى تهتم بالتعليم العملى والتدريب على انشطة النجارة واعمال الجبس والمحارة واعمال الصرف وصيانة الطرق استثمار اللاجئين ويبدو أن ندرة الأيدى العاملة هى الأزمة القادمة التى قد تواجه الاقتصاد الألماني، مما دعا البعض للاعتقاد بأن أزمة اللاجئين فى المانيا ( يقدر عددهم بنحو 800 ألف لاجئ) لها جانبها المشرق المتمثل فى دخول عدد من الشباب إلى المجتمع الالمانى وهنا تظهر مرة أخرى أهمية التعليم المهنى حيث يرى بعض الخبراء أنه قد يكون واحدا من أهم آليات دمج هؤلاء المهاجرين فى سوق العمل ولكن تظل الخطوة الاولى هى ضرورة تسجيل هذا العدد الكبير من المهاجرين وإنشاء قواعد بيانات لهم بالاضافة إلى ضرورة وجود شهادات أو وثائق توضح مستوى تعليم اللاجئ وهو الأمر الذى يمثل صعوبة أخرى لان نسبة كبيرة منهم لم يحرص على احضار هذه الأوراق معه فى رحلة الهجرة من بلاده بالاضافة إلى صعوبة التواصل مع الجهات الرسمية فى بعض الدول الآن مثل سوريا للمطالبة بنسخ من هذه الوثائق.