في هذه الأيام الأولى من شهر ربيع الأول، حيث تحل ذكرى مولد رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، فيدور نقاش طويل حول مشروعية الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، أهو سنة؟ أم بدعة؟ وهل فعله الصحابة رضي الله عنهم أم لم يفعلوه؟ وإذا كان سنةً فلماذا لم يفعله الصحابة وخصوصًا الخلفاء الأربعة الذين أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعه واتباعهم من بعده حيث قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" [شرح صحيح البخاري لابن بطال-كتاب الطلاق]. وراح المؤيدون يبالغون في رأيهم ويقولون إن الاحتفال بمولد الرسول الكريم من أصول الدين!! وهذا لعمري في القياس بعيد، أصول الدين التي تعلمناها من أساتذتنا (أساتذة أصول الدين) والتي ثَبَتَتْ بها النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم معروفة وواضحة. وإذا أردنا حصر أصول الدين فيمكن الرجوع إلى كتب العقائد التي عُنيت بهذه الأمر، كالعقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الحنفي، والمنهاج في شعب الإيمان للحليمي، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن، والإيمان لابن تيمية، والعقيدة الواسطية له، ومعارج القبول للشيخ حافظ الحكمي... إلخ. وقد تحدَّث القرآن الكريم عن أصول الدين فقال سبحانه وتعالى: {الم *ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 1-4]. وقال سبحانه: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}[النساء: 136]. وقد تضمن حديث جبريل -عليه السلام- مجموعة من الأصول، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الإيمان: "... فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك" قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" ثم قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" [متفق عليه]. قال الإمام الطحاوي: "والإيمان: هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وحلوه ومره من الله تعالى" قال الشارح: "تقدم أن هذه هي أصول الدين، وبها أجاب النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور المتفق على صحته…". هذه هي النصوص الشرعية، ففي أي حديثٍ أو آيةٍ ذُكِرَ أن الاحتفال بمولد رسولنا الكريم من أصول الدين؟! فأصول الإيمان معروفة وواضحة كما دلت عليها نصوص الكتاب والسنة، وهي الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره حلوه ومره، ولا حاجة للمزايدة عليها كي ننتصر لرأي أو نهاجم شخصًا بعينه. كذلك –وهذا رأيي- ينبغي أن يكون الاحتفال برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحين وفي كل كبيرة وصغيرة، وعلى الجميع أن يعرف بمن يحتفل وكيف يحتفل، فقد أمرنا الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً} [الأحزاب: 21]، فعلينا التأسي برسولنا الكريم في كل حياته، حيث علمنا رسولنا الكريم كل شيء حتى كيفية دخول الخلاء وقضاء حوائجنا وشهواتنا مع زوجاتنا، فعندما نقوم من نومنا هناك آداب لرسول الله وأذكار عند القيام من النوم، وكذلك عند دخول الحمام هناك أذكار لذلك وعند الخروج منه أيضًا وعند البدء في تناول الطعام هناك آداب للطعام علمنا إياه رسول الإنسانية، وكذلك عند الانتهاء منه، وعند لُبْس الثياب هناك أذكار لرسول الله في ذلك وعند الخروج من المنزل وعند الرجوع إليه هناك أذكار لذلك، وكذلك عند ركوب أو الدابة أو السيارة أو الطائرة وعند السفر وحتى عند إتيان الزوجة هناك أذكار لرسول الله علمنا إياها...إلخ. فالاحتفال برسول الله ليس بالرقص والغناء والشعارات، ولكن بالفعل والقول والعمل، والتخلُّق بأخلاقه التي ما أحوجنا إليها في زماننا هذا. وذلك بأن نتواضع كما تواضع صلى الله عليه وسلم، فقد كانت الأَمَةُ تأخذ بيده الشريفة وتسير به في شوارع المدينة حيث شاءت فيسير معها بالرغم من عظم مسؤولياته، كذلك احتفالنا بأن نعدل كما عدل، وأن نصل الرحم كما فعل، وأن نتحلى بحُسن الخلق كما تحلى صلى الله عليه وسلم، حيث زكاها ربه فقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[الدهر: 4]، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على من قال "إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق". لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر