بين رغبة عارمة فى الهرب من الفقر والاحتياج فى بعض المجتمعات الإفريقية.. وبين طمعهم فى حياة أفضل، ألقوا بأنفسهم دون أن يدركوا مصيرهم المحتوم - فى شباك عصابات منظمة لتهريب البشر، والإتجار بهم، إما لبيعهم كعبيد فى سوق النخاسة، أو لاستغلال النساء فى الأعمال المنافية للآداب، أو استخدامهم رجالا ونساء - كقطع غيار بشرية، أو اختطاف الأطفال، وإجبارهم على التسول داخل مصر وخارجها، من أجل المال.. يظل آلاف البشر حول العالم، ضحية مجموعة من معدومى الضمير، عقدوا العزم وبيتوا النية على التعامل مع الإنسان كسلعة تباع وتشتري، بالمخالفة لكل الشرائع السماوية، والأعراف والقوانين الدولية. دعونا نعد إلى الوراء قليلا، حيث استأنفت محكمة جنايات القاهرة ، محاكمة مسئولين بإحدى الجمعيات الأهلية، بتهمة تشكيل وإدارة عصابة متخصصة فى الاتجار بالبشر، واستغلال الأطفال فى جمع تبرعات مالية، وممارسة التسول. وسواء برأت المحكمة هؤلاء المتهمين أو ادانتهم، - فذلك اختصاصها وسلطتها- ، فنحن لا نتهم أحدا، ولا ننفى عنه اتهاما، لكننا بشكل عام ، أمام ظاهرة خطيرة، تعيد الإنسان إلى القرون الوسطي، - كما يقول اللواء منصور الشناوى مساعد وزير الداخلية الأسبق لشرق الدلتا والقناة وسيناء ، والذى عاصر العديد من قضايا الاتجار بالبشر، ومحاولات تهريبهم عبر الحدود المصرية فى سيناء، سواء كان ذلك عن طريق خطف الأطفال لتشغيلهم فى التسول، أو استخدام الفتيات فى الأعمال المنافية للآداب، أو استخدامهم كقطع غيار بشرية، مشيرا إلى أن عصابات تهريب الأفارقة نشطت فى عام 2003، حيث كان يجرى جلب الأفارقة عبر الحدود السودانية المصرية، وتهريبهم عبر الصحراء، وصولا إلى شمال سناء، حيث تلتقيهم مجموعة من البدو، لاستكمال مسلسل التهريب عبر عصابات دولية متخصصة فى الاتجار بالبشر، ويتولى البدو ممن يعملون مع تلك العصابات الدولية - مسئولية إقامتهم وإطعامهم بصورة غير آدمية ، ثم يجرى نقلهم فيما بعد، عبر سيارات الدفع الرباعي، أو الجمال، إلى إسرائيل. هل يسقط هؤلاء فى قبضة عصابات تهريب البشر بإرادتهم أم رغما عنهم؟ هم يذهبون لهؤلاء المهربين باختيارهم هربا من الفقر فى العديد من الدول الإفريقية، حيث يجرى إيهامهم، بالحياة الرغدة، والعيش الكريم، والثراء الفاحش، وتوفير فرص العمل المناسبة لهم، لكنهم لا يعلمون المصير المحتوم الذى ينتظرهم، بدءا من وصولهم إلى عصابات التهريب فى سيناء، حيث يجرى إذلالهم، وانتهاك آدميتهم، ومعاملتهم كالعبيد، ويواجهون نفس المصير فى إسرائيل، وهم مسلوبو الإرادة، غير قادرين على الاعتراض، ويكتشفون أنهم وقعوا ضحية لعصابات تهريب البشر، وأنهم دخلوا البلاد بطريق غير شرعي، وأن ذلك يعرضهم للعقاب والمساءلة، ومن ثم يلتزمون الصمت تجاه أى تصرف مشائن أومهين يرتكب بحقهم، بواسطة عصابات التهريب. المواجهة بالقانون وفى عام 2010، أقر مجلس الشعب آن ذاك، القانون رقم 64، المعروف بقانون مكافحة الإتجار فى البشر، والذى أشار فى مادته الثانية كما تقول الدكتورة فوزية عبد الستار أستاذ القانون الجنائى ورئيس اللجنة التشريعية فى مجلس الشعب سابقا - إلى أنه يُعد مرتكبا لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة فى شخص طبيعى بما فى ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء فى داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية، مشيرة إلى أن تلك الجريمة لا تقع على الكبار ( فوق 18 سنة) إلا باستعمال طرق معينة، كاستعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة، أو الوعد بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه وذلك كله إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أيا كانت صوره بما فى ذلك الاستغلال فى أعمال الدعارة، وسائر أشكال الاستغلال الجسدى والسخرة. بينما نص قانون مكافحة الإتجار بالبشر فى مادته الثالثة - والكلام لايزال للدكتورة فوزية عبد الستار- على أنه لا يُعتد برضاء المجنى عليه الاستغلال فى أى من صور الاتجار بالبشر، متى استخدمت فيها أية وسيلة من الوسائل المنصوص عليها فى المادة الثانية من هذا القانون . ولا يشترط لتحقق الاتجار بالطفل أو عديمى الأهلية استعمال أى وسيلة من الوسائل المشار اليها، و لا يُعتد فى جميع الأحوال برضائه أو برضاء المسئول عنه أو متوليه. عقوبات رادعة أما العقوبات، فقد نص القانون، على أنه يُعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن المشدد و بغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولاتجاوز مائتى ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ماعاد عليه من نفع أيهما أكبر ، ويُعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن المؤبد والغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه، إذا كان الجانى قد أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار بالبشر أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضماً إليها، أو كانت الجريمة ذات طابع غير وطني. ووفقا للقانون ، لايعد المجنى عليه مسئولاً مسئولية جنائية أو مدنية عن أى جريمة من جرائم الاتجار بالبشر متى نشأت أو ارتبطت مباشرة بكونه مجنياً عليه، وتكفل الدولة حماية المجنى عليه، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لمساعدته ورعايته صحياً ونفسياً وتعليمياً واجتماعياً وإعادة تأهيله ودمجه فى المجتمع فى إطار من الحرية والكرامة الإنسانية، وكذلك عودته إلى وطنه على نحو سريع وآمن إذا كان أجنبياً أو من غير المقيمين إقامة دائمة فى الدولة، وذلك وفقا للقواعد والإجراءات التى يصدر بها قرار من مجلس الوزراء. وفى جميع الأحوال، تتخذ المحكمة المختصة من الإجراءات مايكفل توفير الحماية للمجنى عليه والشهود وعدم التأثير عليهم، وما قد يقتضيه ذلك من عدم الإفصاح عن هويتهم، وذلك كله دون الإخلال بحق الدفاع وبمقتضيات مبدأ المواجهة بين الخصوم، وتوفر الدولة أماكن مناسبة لاستضافة المجنى عليهم فى جرائم الاتجار بالبشر تكون منفصلة عن تلك المخصصة للجناة، وبحيث تسمح باستقبالهم لذويهم ومحاميهم وممثلى السلطات المختصة، وذلك كله بمالا يُخل بسائر الضمانات المقررة فى هذا الشأن فى قانون الطفل أو أى قانون آخر، وتتولى وزارة الخارجية من خلال بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية بالخارج ، تقديم كل المساعدات الممكنة للمجنى عليهم من المصريين فى جرائم الاتجار بالبشر، بالتنسيق مع السلطات المختصة فى الدول المعتمدة لديها، وعلى الأخص إعادتهم إلى جمهورية مصر العربية، وعلى نحو آمن وسريع، كما تتولى وزارة الخارجية بالتنسيق مع السلطات المعنية فى الدول الاخرى تسهيل الإعادة الآمنة السريعة للمجنى عليهم الأجانب إلى بلادهم الأصلية. ظاهرة عالمية وبشكل عام، يمثل الاتجار بالبشر كما يقول الدكتور عادل عامر الخبير الحقوقى ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية- ظاهرة عالمية، حيث يسقط آلاف البشر فى دوامة الاستغلال البشع الذى تمارسه العديد من الدول أو تشجع على استمراره وتتقاعس عن مكافحته، ويلجأ الجناة إلى ذلك تحت وطأة الجوع والاحتياج ، وأن هناك مسارات عديدة لتجارة البشر تنطلق من الدول الفقيرة فى أفريقيا تحديدا، وأوروبا الشرقية وتكون وجهتها غالبا الدول الأوروبية أو إسرائيل ، ويتم ذلك عبر عدة مسارات ، من أبرزها سيناء ، وموانى البحر الأحمر فى إريتريا والسودان، إلى جانب الموانى الروسية ، والصربية ، والألبانية. ولا شك، أن القانون رقم 64/2010 بشأن مكافحة الاتجار فى البشر، يمثل خطوة مهمة إلى الأمام، على طريق الجهود التى بذلتها مصر لمكافحة الاتجار بالبشر، لاسيما أنه يعد القانون الأول من نوعه فى مصر، الذى يجرم كل أشكال الاتجار بالبشر، ويوفر الحماية القانونية لضحايا الاتجار، فضلاً عما يقدمه من ضمانات احترام حقوقهم، مشيرا إلى أن الشريعة الإسلامية، تحرم بيع الأعضاء البشرية ، باعتبار أن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان ، وبالتالى فمن غير المعقول أن يُخضع هو نفسه لمساومة حول أعضائه، كما أن موقف الإسلام من تحريم الاتجار فى الأعضاء البشرية ينبع من موقفه الرافض لكل صور الاستعباد، والاستغلال للإنسان.