مع غروب يوم الأربعاء الماضي وبينما كانت الأمطار تتساقط علي أوراق الشجر كان محمد ابن الاثني عشر ربيعا ينظر من خلف زجاج النافذة علي زخات المطر ممسكا كتابه الذي يذاكر فيه وأخذ يراقب حركة الشارع حتي شاهد طفلا لم يتجاوز السنوات الخمسة يصرخ بأعلي صوته وسط بركة من المياه أمام منزله فهرول محمد لانقاذه. وما أن وصل إليه حتي وجده يتقرح دما فقفز محمد وسط الماء محاولا انقاذه ليجد قدمه قد تسمرت في الأرض فحمله وقذفه بعيدا وحاول الاتكاء علي عامود الانارة إلا أن الأسلاك الكهربائية البارزة منه فاجأته بصعقة شديدة، بينما صرخت والدة الطفل الذي أنقذه محمد ليكون ضحية الشهامة، ورجت صرخاتها جنبات القرية وتجمع الأهالي في فزع ليجدوا محمد قد فارق الحياة، بينما أنقذت "بردعة" حمار مزارعين آخرين من الموت صعقا بعد أن نفقت دوابهما أثناء اقترابهما من محيط عامود الانارة المكهرب بفعل الأمطار المتواجدة في مساحة مترين حوله.. حيث لعبت "البردعة" فوق الحمار دور العازل بين الكهرباء والمزارعين ليؤكد ذلك الاهمال الشديد في قطاع الكهرباء بالقرية. "الأهرام" انتقلت لقرية دمشلي التي تبعد عن مدينة شبين الكوم بنحو 30 كيلومترا، ولحظة دخولك القرية تشاهد الاهمال الجسيم في الأسلاك المتدلية من أعمدة الكهرباء وبرك المياه التي تتجاوز نصف المتر علي أكثر من ثلاثة أرباع القرية لنجد سرادق العزاء منصوبا في منتصف القرية حيث يقف والد الضحية ودموعه لا تفارقه حزنا علي نجله محمد أكبر أبنائه وكان يساعده في أعمال الحقل ويحضر معه الصلوات الخمس بالمسجد تاركا له سيرة طيبة وشقيقته هايدي في الصف السادس الابتدائي ويوسف في الصف الخامس وحزن دفين لاتستطيع الأيام أن تنسيه شهامة ابن القرية الذي راح ضحية لاهمال مسئولي الكهرباء دون أن تهتز شعرة واحدة لمسئولي شركة الكهرباء، بل أن الأب المكلوم قال إنهم أبلغوا الكهرباء بأن عامود الانارة الكائن أمام منزله مكهرب منذ 3 أشهر دون جدوي، مؤكدا أنه سيقوم برفع قضية عليهم ولن يتنازل عن حق ابنه حتي لو كلفه ذلك حياته، محملًا وزير الكهرباء مسئولية حالة الإهمال التي ضربت أعمدة الكهرباء بالقرية، وطالب بتوقيع أقصي العقوبة علي المتسببين في الحادث. ويقول محمد البكري عبد المقصود عم الضحية إن سكان القرية قاموا بالاتصال بالشركة اكثر من مرة وكانت تقوم بوعود ولكن لا محرك لساكن واستمرت القصة اكثر من 3 أشهر ولم يختلف الحال كثيراً باقي القري المجاورة التي راح أبناؤها ضحية التسيب والإهمال، فالصراخ والعويل هزّا أرجاء القرية حزناً علي ابن شقيقي الذي لقي حتفه ودفع حياته ثمناً للفوضي والتسيب والإهمال، وترك لنا مأساة نتجرع مرارتها كلما شاهدنا صورته مؤكدا أنه أنقذ الطفل محمد سالم ليموت هو مؤكدا أنه يسلم بقضاء الله وقدره ولكن لن نتنازل عن ملاحقة الكهرباء قضائيا متسائلا كيف يتم اسناد صيانة الكهرباء بقريتنا دمشلي والبريجات المجاورة لنا لشخص واحد فقط؟ ويقول الطفل محمد علي سالم 8 سنوات لقد طلبت مني والدتي بعد أن توقفت الأمطار أن أحضر كيس فول من علي ناصية الشارع وما أن وصلت لمنزل محمد حتي شعرت بأن قدمي قد تسمرتا في الأرض وأخذت أرجع من فمي دماء حتي خرج محمد من منزله وقذفني بعيدا وعندما فقت من غيبوبتي أخبروني بوفاته طالبا من المولي عز وجل أن يرحمه ويجازيه خيرا علي شهامته حيث إنني سأدين بالفضل له بعد أن ضحي بنفسه من أجلي. ويقول عمر عبد العزيز من أهالي القرية لقد أصيب نجلي أحمد منذ ثلاثة شهور بصعق كهربائى من ذلك العامود وهو حاليا يخضع للعلاج وبح صوتنا مع مسئولي الكهرباء لعزل الأسلاك من فوق الأعمدة الحديدية ولكن لا حياة لمن تنادي حيث تساعد المياه التي يلقيها الأهالي بالشارع نظرا لعدم وجود صرف صحي مع مياه الأمطار في عمل بركة من المياه المكهربة في طول مترين حول العامود لتكون بمثابة مصيدة لأهالي القرية. الحادث البشع الذي هز أرجاء قرية دمشلي، سطرته أوراق إخطار تلقاه اللواء محمد مسعود، مدير أمن المنوفية من الرائد خالد مكاوي رئيس مباحث مركز منوف.