«غزة مطواة» لأحد منافسيها فى سوق السمك، بدأت بها «فضة المعداوى» مشوار المجد.. بلا حصر استمر سقوط ضحايا «المعلمة»، فى مجتمع الفهلوة قانونه والمال سلطانه.. حتى اصطدمت بحجر، فيللا الدكتور مفيد أبوالغار، فتغير كل شيء، تجلت الحقيقة، إنها برغم أموالها وإغراءاتها وجبروتها، لاتملك إرغامه على بيع الفيللا.. «فضة» لا تستسلم، حاصرته بعنف، شنت حربا قذرة، فى النهاية انطلق البلدوزر صوب الفيللا، تحقق لها ما أرادت.. زمجرت مزهوة منذرة: «ولا يا حمووو.. التمساحة يااالااا»..! هكذا صور البديع أسامة أنور عكاشة الأمر فى رائعته «الراية البيضا»، وعلى ما يبدو أنها «الراية» نفسها التى يريد «أبناء فضة المعداوى» أن يرفعها المجتمع المصرى، أمامهم اليوم، مع فارق جوهرى، أنهم تحولوا من «تجار سمك» إلى أباطرة، يتاجرون بكل شيء، طموحهم كاسح، لايريدون السيطرة على «فيللا»، إنما «وطن» بأكمله.. حواة يلعبون بالبيضة والحجر، تفجرت ضدهم، ثورتان 25 يناير و30 يونيو فما وهنوا وما استكانوا، تواروا فى الأولى، وانطلقوا من خلف الصفوف محاولين امتطاء الثانية.. تناسوا صيحات «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» و«يسقط يسقط حكم الأهل والعشيرة»، تعبيرا عن رفض الفساد والإقصاء والاستئثار بكل صوره. أحوال الوطن الصعبة، تمنحهم الثقة والعزيمة، تتصادم أهدافهم مع أحلام بقية الشعب فى العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.. إنهم لايشبعون، يرون الوطن بقرة حلوبا، ينبغى امتصاص خيراتها رشفة واحدة، عمليات التهريب تقدر ب100 مليار جنيه سنويا.. ينهبون أراضى الدولة - تقرير رقابى يقدر قيمة الأراضى المنهوبة بنحو 370 مليار جنيه، بما يكفى لانتشال الغلابة من دائرة الفقر - لا يرتدعون، يتلاعبون بالعملة فى مجتمع يستورد 60% من احتياجاته.. خذلوا الرئيس عندما طالبهم بالتبرع ب100 مليار لصندوق «تحيا مصر».. عملوا «ودن طين وودن من عجين»، لكن ولاد البلد انتفضوا لما دعاهم للاكتتاب بحفر قناة السويس الجديدة، قدموا 64 مليار جنيه فى 8 أيام فقط. ولضمان الهيمنة، يسيطر أبناء فضة على وسائل الإعلام، والأندية الرياضية والأحزاب السياسية.. أما مدخراتهم فيحولونها أولا بأول للخارج، أبرز مطالبهم الدائمة إطلاق قوانين العرض والطلب، إلغاء الدعم ومجانية التعليم، تحرير سعر صرف العملة، إكمال خصخصة القطاع العام .. ومع أن الدستور يتبنى العدالة الاجتماعية والضرائب التصاعدية، فإن ضغوطهم أفضت إلى تخفيضها للفئات الأعلى من 25% إلى 22،5 % وإرجاء ضريبة «أرباح البورصة»، وهو ما انتقده وحذر منه «صندوق النقد الدولى» كعبة الرأسمالية والليبرالية فى العالم. فلم تجد الحكومة أمامها مفرا سوى أن تمد يدها فى جيوب الغلابة، من خلال تخفيض الدعم وترك الجنيه يواجه مصيره المؤلم، ليرتفع التضخم ومعه الاسعار والفوارق فى الدخول والطبقات.. إن هؤلاء الطامعين لم يخذلوا الرئيس بل خانوا الوطن، انفتحت شراهتهم للمزيد، حتى «منطقة الإنسانية المشتركة» تغيب عنهم، صاروا ك «بلدوزر المعداوى» سببا لأزمة اقتصادية - ضمن أسباب أخرى قديمة وممتدة - تنغص عيشة المصريين، آفة كبيرة تسهم فى تفكيك آليات العدالة الاجتماعية. .. كيف؟! للإنصاف - قبل أن نجيب على السؤال - لابد من القول إن التعميم لايجوز، فهناك رجال أعمال شرفاء، بحق، يعلون مصلحة الوطن ويعملون من أجله، ويسهمون فى تقدمه.. أما أبناء فضة المعداوى، فهم شريحة تابعة تتصل برأس المال الأجنبى والشركات المتعددة الجنسيات بمصر، كيان طفيلى يعمل «ذيلا خطافيا» يقتنص الفرائس من الواقع المحلى، طبقة ولدت مع عصر الانفتاح الساداتى، تناقض توجهاتها طبقة الرأسمالية الوطنية التى تشكلت فى ركاب ثورة 1919، وكان على رأسها الاقتصادى طلعت حرب بانتمائه الوطنى النادر، ودعوته إلى مراكمة الثروة الوطنية، وإنشاء بنك قصره على المصريين «بنك مصر»، أصبح شركة قابضة تفرعت عنها 21 شركة مصرية خالصة فى كل المجالات. هذا التناقض اغتيال معنوى لجهود طلعت حرب، فى بناء قوى الإنتاج واستقلال القرار الوطنى، ينزف اقتصادنا اليوم، فقد الجنيه كثيرا من الدسم والعافية، تطوح أمام ضربات الدولار، تفاقم الدين المحلى ومعدلات الفقر( 40%) والبطالة وعجز الموازنة، وتراجعت الصادرات والسياحة وأغلقت مئات المصانع، هناك خطأ ما حاصل داخلنا يستدعى الانتقال من جوف الحذر إلى سطح المكاشفة.. يصرخ العمال ويئن الفلاحون ويعزف الشباب العاطل عن المشاركة السياسية - الانتخابات البرلمانية تصلح مثالا- تتوارى نوازع الأمل فى صدره شيئا فشيئا، بينما المطلوب منه أن يستكمل طريق الحياة، فى دولة تحارب الإرهاب.. اعتمدت سياستنا الاقتصادية على تحسين مناخ الأعمال وتحرير التجارة والخدمات وجذب رأس المال الأجنبى والخصخصة، وكانت الإشكالية ولا تزال، هى إحداث التوازن بين اقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية، وقد أثبتت الأزمات الطاحنة وتجارب الدول فشل سياسات «النيوليبرالية المتوحشة» وخطورتها على مسار التنمية والبناء الاجتماعى ووجود الأوطان فى حد ذاته، ومن ثم تبرز الحاجة إلى تغيير أولوياتنا لمصلحة المجتمع ككل لا فئة بعينها، فالفقراء رأسمال ميت ينبغى إحياؤه، وهذا غيرممكن بقرارات خجول، تشبه أنبوبا صغيرا يمنح الاقتصاد التنفس تحت الماء، قديما قالوا: «عندما لا تتبقى هناك قرارات جيدة فإن قرارات صعبة لابد أن تتخذ.. حتى الأحكام الأخلاقية الثابتة تبرر ذلك»، دون أن نخاف من «الولا حموو» أو «التمساحة»!. [email protected] لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن