الرئيس.. الشخص أو المنصب.. دائما وأبدا ما كان مادة خصبة للدراما السينمائية في كل أنحاء العالم, بين الحقيقة والخيال, الواقع والأحلام, النقد واستعراض العضلات, تنوعت المعالجات السينمائية لمنصب الرئيس وصورته, فهو البطل والشجيع وحامي حما الديار علي طريقة مايكل دوجلاس في فيلم الطائرة الرئاسية وهو الضحية في أفلام جي أف كيه و نيكسون علي الطريقة الهوليوودية بالقطع, وهو المخدوع والساخر في طباخ الرئيس و ظاظا علي الطريقة المصرية بكل تأكيد.وبين هذا وذاك تنوعت صورة الرئيس في السينما الأمريكية وفقا للأجواء الاجتماعية و السياسية التي مرت بها الولاياتالمتحدة, فتارة يظهر علي أنه البطل الأسطوري و منقذ العالم, و تارة أخري تضرب آلة السينما بيد من حديد علي رأس الرئيس فتنتقد إخفاقاته السياسية و تتناول عيوبه الشخصية وتغوص في تفاصيل وأسرار حياته الاجتماعية. وبالعودة إلي تاريخ السينما الأمريكية, نجد أن هوليوود بدأت في الثلاثينيات من القرن الماضي في تقديم صورة الرئيس البطل و مرسل العناية الالهية لإنقاذ أمريكا و العالم بأسره, فقد كانت الأزمة الاقتصادية العالمية في ذلك الوقت في أوجها وظهرت الحاجة إلي زعيم ملهم يلتف حوله الشعب, وهذا ما وضح جليا في فيلمGabrieloverthewhitehouse عام1933, حيث يقدم الفيلم تصورا خياليا عن رئيس للولايات المتحدة يدخل في غيبوبة ليأتي إليه وحيا إلهيا يدله علي الحلول التي يجب أتباعها في مواجهة الأزمة الاقتصادية. وتكررت تلك الصورة ايضا في فيلم مستر لينكولن الصغير عام1939, وهو أول فيلم يعرض قصة حياة رئيس أمريكي سابق وهو الرئيس إبراهام لينكولن الذي تولي رئاسة الولاياتالمتحدة عام.1858 وشهدت فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي تنوعا شديدا في تقديم صورة الرئيس, فبعد فضيحة ووترجيت و الانسحاب الأمريكي من حرب فيتنام, بدأت سهام النقد تنهال علي صورة الرئيس الامريكي باعتباره رمزا للسلطة, وكان المخرج الأمريكي روبرت التمان من أوائل من قدموا نظرة نقدية لأعلي منصب في الولاياتالمتحدة متمثلة في الرئيس نيكسون من خلال فيلمsecrethonor عام1982 ليقدمه وحيدا بعد استقالته يتذكر أخطاء الماضي و حياة المجد,كما ساءت صورة الرئيس الامريكي ايضا في فيلمWagethedog عام1997, حيث يظهر الرئيس الذي يخدع الشعب بمساعدة أحد خبراء هوليوود لاقناعهم بأن أمريكا في حرب لزيادة شعبيته, وكأن الفيلم يشير إلي استغلال بوش الأب لحرب تحرير الكويت من أجل الحصول علي شعبية. كما وصل الامر الي تصوير الرئيس بالقاتل الذي يستجيب لنزواته و يقتل عشيقته كما في فيلم القوة المطلقة إخراج و بطولة كلينت إيست وود. ومن أبرز المخرجين الذين تناولوا حياة رؤساء فعليين للولايات المتحدة وهو المخرج الكبير أوليفر ستون بأفلامه الثلاث جي.إف.كيه و نيكسون و دبليو أوw و التي أحدثت ضجة كبيرة في أمريكا خلال التسعينيات وعام8002. ففي فيلمه الشهير جي.إف.كيه عام1991 تعرض ستون لقضية اغتيال الرئيس الامريكي جون كيندي في دالاس عام1963, رافضا الرواية الرسمية للحادثة, ومتتبعا تحقيقا مستقلا يشير إلي تعرض كنيدي لمؤامرة من قبل الحكومة الامريكية متمثلة في المخابرات المركزية سي.آي.ايه و مجمع الصناعات العسكرية و نائب الرئيس ليندون جونسون و مكتب التحقيق الفيدرالي إف.بي.آي بالاضافة الي المافيا. وانتقد الفيلم النظام السياسي الأمريكي وإلي أي درجة يمكن أن يتوحش الساسة الأمريكيون ليقتلوا رئيسهم إذا تعارضت سياسته مع مصالحهم, وهذا ما ظهر في تكالب القادة العسكريين الأمريكيين علي كيندي وتخطيطهم لقتله بعد إعلانه اعتزامه سحب القوات الأمريكية من فيتنام وما سيتبع ذلك من خسائر كبيرة لمجمع الأسلحة العسكرية. وظهرت المخابرات الأمريكية أيضا من ضمن الخاسرين من سياسة كيندي بعد أن أمر بنقل مسئولية القوات شبه العسكرية من المخابرات إلي وزارة الدفاع و هو ما وجدته ال سي.آي.إيه انتقاصا من سلطاتها و قوتها. وبرغم أن الفيلم تعرض لهجوم شرس من النقاد في بداية عرضه فإنه أثار ضجة جماهيرية وإعلامية كبري, و انهالت المقالات في الصحف الامريكية الشهيرة تنتقد الفيلم باعتباره إهانه للمخابرات و انه مليء بالاخطاء التاريخية وقال مقال في صحيفة نيويورك تايمز إن الفيلم يقول لنا إن حكومتنا غير جديرة بالثقة عندما تعطينا معلومات عن إغتيال رئيس.بل و امتد الأمر إلي تلقي مخرج الفيلم تهديدات بالقتل, ولكن رغم هذا كله إلا أن الفيلم دفع الحكومة الامريكية عام2991 إلي تشريع قانون, لقب إعلاميا بقانون جي إف كيه علي اسم الفيلم, لجمع الملفات الخاصة باغتيال كيندي, كما تم تشكيل لجنة تحقيقات خاصة في العام نفسه أعادت التحقيق في القضية وظلت تعمل حتي عام8991 وصدر مرسوما بجعل كل الوثائق الخاصة بالقضية متاحة للجمهور. أما فيلم نيكسون عام1995, فقد تطرق فيه ستون الي حياة الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون صاحب أشهر فضيحة سياسية في التاريخ وهي فضيحة ووترجيت التي أجبرته علي الاستقالة من منصبه عام1974, ولم يكتف ستون بسرد الجانب الانساني من نيكسون بكل عيوبه و مساوئه ولكن الفيلم انتقد النظام السياسي الامريكي ككل, ذلك النظام الذي جسده الفيلم علي هيئة وحش بري وقف خلف نيكسون و تسبب في تدميره, فمن وجهة نظر الفيلم فإن شخصية نيكسون المعيبة لم تكن وحدها السبب في سقوطه و لكن كان وراء ذلك ايضا نظام سياسي فاسد ساهم فيما وصلت اليه الولاياتالمتحدة في ذلك الوقت. اما فيلم أوليفر ستون الاخير عن الرؤساء الامريكيين, فكان فيلمw أو دبليو و يرصد الفيلم حياة الرئيس الامريكي الاسبق جورج دبليو بوش الابن, الذي عاده ما يوصف بانه أسوأ رئيس أمريكي علي الاطلاق, منذ العشرينيات من عمره و حتي وصوله للرئاسه في إطار كوميدي ساخر.حيث أظهر الفيلم بوش الابن وهو في العشرينيات من عمره, سكيرا عربيدا علاقته سيئة جدا بوالده جورج بوش الاب الذي اعتبر ابنه عارا علي العائلة.وأثناء فترة القطيعة بين الابن و والده, يجد دبليو طريقه إلي التدين, وهذه المرحلة يصورها المخرج بشكل ساخر في علاقة دبليو مع القس الذي تحمس كثيرا لرجوع دبليو إلي المسيحية, ولكن القس في مشهد آخر يشعر بالخوف حين يخبره دبليو بأنه تلقي نداء من الرب ليترشح للانتخابات الأمريكية عام2000. وقد تناول الفيلم تفاصيل الحياة اليومية لعائلة بوش الاب و حالة العائلة بعد خسارة الاب المعركة الانتخابية امام بيل كلينتون, حيث اعتبر بوش الابن في ذلك الوقت ان خسارة ابيه جاءت نتيجة انه لم يقتل صدام حسين بعد حرب تحرير الكويت.و أظهر الفيلم ان قرار بوش الابن بغزو العراق جاء انتقاما لوالده الذي شعر بفخر و سعادة كبيره بعد سقوط بغداد علي يد ابنه الذي طالما اعتبره فاشلا. و يسخر الفيلم من سلوكيات بوش الابن في الحديث و الأكل و ينتقد سطحيته و قله ذكائه, كما يوضح الفيلم كيف انكتمت اصوات المعارضة في الادارة الامريكية عند اتخاذ قرار الحرب علي العراق و هو ما ظهر في مشهد يصور وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسيفلد وهو مضطر علي الموافقة علي قرار الحرب رغم عدم رضائه الذي لم يستطع الافصاح عنه. كما انتقد فيلم رجل العام أوmanoftheyear بطولة روبن ويليامز عام2006, شراسة الصراع بين الحزبين الجمهوري و الديمقراطي علي انتزاع الرئاسة و المناخ السياسي المنقسم والذي لا يعترف إلا بحرب المصالح,وذلك في إطار كوميدي سياسي. ويتناول الفيلم قصة صعود مذيع شهير لأحد برامج التوك شو إلي الرئاسه, وذلك بعد أن دفعته شعبيته الجماهيرية الكبيرة إلي ترشيح نفسه للرئاسة وبالفعل ينجح في الوصول إلي البيت الابيض حتي تفاجئه أحدي العاملات في شركة التصويت الالكتروني أن خطأ ما حدث في نظام التصويت وان المذيع الشهير لم يعد رئيسا للولايات المتحدة.