فى كل مرة تجرى فيها انتخابات البرلمان دائما تثار قضية التمثيل البرلمانى للمرأة ولماذا هو دائما ضعيف ولايعكس التمثيل الحقيقى لها فى المجتمع, وغالبا ما تتوارى القضية بمجرد انتهاء الانتخابات وتظل الأوضاع كما هى. والمفارقة أن المرأة المصرية تشكل ما يوازى 49% من الكتلة التصويتية أى ما يزيد على 26 مليون صوت, ورغم أنها كانت العنصر الفاعل فى الأحداث والتغيرات السياسية التى شهدتها مصر فى السنوات الخمس الأخيرة خاصة ثورتى 25 يناير و30 يونيو, كما أنها تبوأت مواقع قيادية فى المجتمع فى مختلف المجالات العلمية والتعليمية والقضائية والإدارية والإعلامية والحزبية, ورغم ذلك كله فإن تمثيلها السياسى فى البرلمان يعد ضئيلا جدا مقارنة حتى بالدول النامية الأخرى مثل رواندا, بل المفارقة الغريبة أن المرأة لا تنتخب المرأة قرينتها فلاتزال نسبة كبيرة من النساء يعتبرن أن الانخراط فى الحياة العامة غالبا ما يؤثر سلبا على الحياة الخاصة. وثمة عوامل تقف عائقا أمام التمثيل العادل للمرأة فى البرلمان أولها: التقاليد والأعراف المجتمعية فى الريف المصرى والصعيد التى تنحاز للرجل وتعتبر أن المرأة غير مؤهلة للعمل العام, كما أن عضو البرلمان يتطلب وجوده فى الشارع والاحتكاك بالناخبين من الطبقات المختلفة والتفاعل مع قضاياهم ومشاركتهم فى أفراحهم وأحزانهم وتقديم الخدمات لهم فى جميع الأوقات سواء فى أقسام الشرطة أو إجراء الصلح بين العائلات المتخاصمة, وهى أمور من الصعب على المرأة القيام بها, إضافة إلى طغيان النظرة الذكورية فى المجتمع المصرى, فالرجل غالبا ما يعتبر نجاح المرأة انتقاصا أو تقليلا من شأنه وتفوقا عليه. وثانيها: النظرة الدينية للمرأة, فالصورة الذهنية لدى الكثيرين أن المرأة كائن ناقص العقل والدين, وبالتالى لا تصلح للولاية العامة سواء كانت الرئاسة أو المقعد البرلمانى, وبعض رجال الدين يكرسون هذه النظرة لدى العامة, وهو أمر بالطبع يتنافى مع جوهر الدين الحقيقى الذى يعلى من شأن المرأة ويساوى بينها وبين الرجل فى العمل وتحمل المسئولية, كما أن ترشح امرأة غير محجبة يبدو غريبا ومتناقضا مع زى المرأة فى بعض المجتمعات المحافظة. وثالثها: أن العوامل الاقتصادية تشكل عقبة كبيرة أمام المرأة فى مجال الانتخابات والمشاركة السياسية, ففى ظل الحالة المصرية التى يلعب المال السياسى دورا كبيرا فى العملية الانتخابية ويتجاوز الإنفاق عليها الملايين, فإن المرأة غالبا ما تفتقد الأموال التى تمكنها من منافسة رجال الأعمال وأبناء العائلات الكبرى, الذين ينفقون الأموال ببذخ فى الانتخابات, ولذلك فإن الاعتماد على فكرة البرامج السياسية والمهنية التى قد تمثلها المرأة لا تجد صداها لدى الناخب, كما أن هناك نسبة كبيرة من النساء من المطلقات والأرامل والذين يقومون بإعالة أسرهم وهؤلاء لا يستطيعون الترشح فى الانتخابات لأنهن لا يملكن القدرة الاقتصادية أو ليس لديهن الوقت للمشاركة فى العمل العام. ورابعها: أن الإعلام لعب دورا سلبيا فى تراجع مشاركة المرأة السياسية فى العمل البرلمانى, حيث يكرس الصورة الذهنية السلبية عن المرأة وعدم قدرتها على تحمل المسئوليات, كما أنه نادرا ما يلقى الضوء على المرشحات من النساء أو يستضيفهن فى برامجه أو النماذج الناجحة من النساء فى العمل السياسى. وخامسها: درجة التطور الديمقراطى فى المجتمع, كما أن الأحزاب السياسية تتحمل مسئولية كبيرة عن وضع المرأة السياسى, فهى تخشى من المغامرة بترشيح النساء على قوائمها الانتخابية خوفا من الخسارة, وتفضل غالبا ترشيح الشخصيات العامة المعروفة, أو الشخصيات من الرجال القادرة على إنفاق الأموال من رجال الأعمال أو القادرة على أداء الخدمات لأبناء الدائرة, وتضع المرأة فى أحيان نادرة على قوائمها الانتخابات لمجرد الظهور بأنها من أنصار المرأة وأنها مع المساواة بينها وبين الرجل, أو لجذب أصوات السيدات لصالحهن, لكنها فى حقيقة الأمر تعتبر المرأة رهانا خاسرا. ورغم أن قانون انتخابات برلمان 2015 قد ضمن نسبة تمثيل شبه عادلة للمرأة بعدما نص على أن تتضمن القوائم الحزبية فى الانتخابات نسبة من المرأة, لكن المشكلة ليست فى القانون وفى ترشيح المرأة وإنما الأهم أن يكون هناك تغيير فى النظرة المجتمعية للمرأة وأن يقوم الناخبون بانتخابها بالفعل. والأهم أن تنال المرأة حقوقها بنفسها وألا تنتظر من أحد أن يمنحها حقوقها, وعليها أن تخترق العمل السياسى وتناضل من أجل حقوقها وأن تتغلب بنفسها على هذه التحديات, وهناك بالفعل نماذج ناجحة من النساء اللواتى استطعن أن يفرضن أنفسهن فى المجال العام وفى العمل البرلمانى. كما تبرز أهمية دور منظمات المجتمع المدنى, التى تزيد على 45 ألف منظمة أهلية, فى تدريب النساء المرشحات على كيفية إدارة الحملات الانتخابية وإعداد البرامج والتفاعل مع الجماهير, ونشر التوعية السياسية بين النساء وحثهن على انتخاب المرأة, كذلك أهمية دور الإعلام المرئى والمكتوب فى دعم المرأة وتشجيع وتحفيز الناخبين على اختيارها, وإزالة الصورة الذهنية السلبية عنها, وتأكيد أن المرأة لا تقل عن الرجل فى قدراتها العقلية وفى العمل العام, بل فى كثير من الأحيان تتفوق عليه. وإذا كان الإطار التشريعى والدستورى قد شهد نقلة نوعية فى مجال تمثيل المرأة البرلمانى إلا أن الأهم هو تغيير النظرة المجتمعية وإزالة العقبات التى تحول دون تبوؤ مكانها المناسب فى البرلمان لسد الفجوة بين الواقع والنصوص الدستورية والقانونية. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد