الدكتور عبد القادر القط من أبرز النقاد الذين ساندوا حركة التجديد في الأدب المعاصر بصفة عامة, وفي الشعر بصفة خاصة, وقد أقام صالون الأربعاء الشعري بالمجلس الأعلي للثقافة احتفالية إحياء لذكري هذا الناقد الكبير, الذي كان له أيضا قلمه الشعري, أدارها الشاعر عماد غزالي, وشارك فيها عدد من الشعراء والنقاد وبعض تلاميذه ومحبيه. افتتح الاحتفالية الناقد د. محمد عبد المطلب بكلمة إضافية تحدث فيها عن دور القط البارز في الحياة الثقافية المصرية علي مدي نصف قرن أو يزيد, ثم قرأ الشاعر محمد سليمان مختارات شعرية من ديوان القط( ذكريات شباب), وفي الختام أدلي الشاعر فؤاد طمان بشهادته عن الراحل الكبير مؤكدا أنه واحد من أبرز النقاد والأعلام الذين ناصروا حركة التجديد الشعري من خلال رئاسته لأبرز المجلات الأدبية: المجلة والشعر وإبداع, اكتشف وقدم شباب المبدعين الذين أصبحوا نجوما في الحياة الأدبية الآن. وكان القط ملما الماما رائعا بأدبنا العربي في كل عصوره مطلعا علي الأدب العالمي في كثير من جوانبه إبداعا ونقدا. ولد عبدالقادر القط في محافظة الدقهلية بمصر في العاشر من ابريل سنة1916 م, ونال درجة الليسانس من قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول( جامعة القاهرة) سنة1938 م, ثم حصل علي الدكتوراه من جامعة لندن سنة1950 م. وقد عمل أمينا عاما بمكتبة الجامعة, ثم تحول إلي سلك التدريس حيث حاضر في جامعة عين شمس سنوات طويلة, شغل خلالها منصب رئيس قسم اللغة العربية, ثم عميدا لكلية الآداب في تلك الجامعة.قام القط بدور بارز في النشاط الأدبي في مصر والعالم العربي, فشارك في الحركة الأدبية وواكبها بشكل متصل, وتبني الكثير من التيارات الأدبية الجديدة, وقدم أعمالا أدبية رفيعة المستوي, وأثري المكتبة العربية بكتبه ومؤلفاته التي من أبرزها: فن المسرحية, والاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر, وحركات التجديد في الشعر العباسي, وكتاباه في الأدب المصري المعاصر, وفي الأدب العربي الحديث; إضافة إلي ترجماته: هاملت, وريتشارد الثالث لشكسبير, وصيف ودخان للكاتب الأمريكي تينيسي ويليامز, والابن الضال للكاتب الأمريكي ريتشاردسون, وأيام حياتك للكاتب وليم سارويان, وجسرسان لويس راي لثورنتون ويلدر. ويعد القط من كبار أساتذة النقد الأدبي في مصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين حيث تميز منهجه النقدي بالتعامل المباشر مع النصوص الأدبية, والنفاذ إلي جوهر بنيتها وتشكيلها وصورها ورموزها وإيحاءاتها, مستفيدا في ذلك من ثقافته التراثية والعصرية, وشاعريته, ومعرفته العميقة بفنون الأدب العربي والعالمي. وهو أول من اكتشف منطق الوجدان في فنون الأدب, وخاصة في الشعر العربي, وكان مؤمنا بالتحولات الجديدة التي تعزز تطور الأدب العربي وتعمقه, وتحافظ في الوقت ذاته علي هويته العربية.وسوف تذكر الحياة الثقافية أدوارا عديدة لعبها الدكتور القط لدفع عجلة العمل الثقافي والإبداعي نحو آفاق أرحب وأعمق, لعل من أبرزها قدرته علي إشاعة جو الحوار المبني علي أسس العقل والاستنارة بين الكتاب والشعراء, وتشجيعه المواهب والتيارات الشعرية الجديدة برغم اختلافه الواضح معها, كما استطاع أن يكون همزة وصل قوية في العلاقة بين الكتاب والشعراء وبين المؤسسة الثقافية الرسمية التي تبوأ العديد من المناصب الأدبية تحت مظلتها, كان آخرها رئاسته للجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة, وحرص علي إيجاد نوع من التوازن الفاعل بين أعضائها ليمثلوا شتي التيارات الشعرية.منح عبد القادر القط العديد من الجوائز منها: جائزة الملك فيصل العالمية, جائزة الدولة التقديرية في الأدب, جائزة مبارك في النقد الأدبي, ووسام الاستحقاق المصري من الدرجة الأولي تقديرا لإنجازاته الثقافية المتميزة, ولإسهاماته القيمة في حقل الأدب العربي وخاصة في مجال الدراسات التي تناولت الشعر العربي, وقدرته علي المزاوجة بين التراث العربي وبين آداب اللغات الأخري. وبعد رحلة طويلة حافلة بالعطاء في عالم الأدب والنقد والثقافة قطعها شيخ النقاد الدكتور عبد القادر القط, رحل عام2002 عن عمر يناهز ستة وثمانين عاما تاركا أثرا واضحا في حركة الأدب الحديث شعرا ونثرا ليس في مصر فحسب بل والعالم العربي.