لا ينسي أحد فيلم مراتي مدير عام, الذي كان يحكي عن قصة زوجين محبين جدا, يعمل كل منها مهندسيا, وشاءت الظروف أن تتفوق الزوجة علي زوجها وتتولي منصب المدير العام بإحدي الشركات الهندسية التي يعمل بها زوجها, فيستشيط الزوج غضبا ولكنه يراعي في بادئ الأمر الحب الذي يجمعهما, ولكن تدريجيا بدأت الغيرة تتسلل إلي قلبه , فبدأ يتهمها بالتقصير في واجباتها المنزلية ويتلكك علي أشياء تافهة, إلي جانب التقليل من شأنها في العمل, ومن هنا بدأ الحب يتآكل, ليحل محله الغيرة المدمرة, وقد استطاع الفيلم تجسيد مشكلة مهمة, وهي نجاح الزوجة في عملها مما يجعل الرجل يشعر بالغيرة وكأنها إهانة شخصية لذاته, فمجتمعنا الشرقي يؤمن بأن وراء كل عظيم امرأة ولكن ليس وراء كل عظيمة رجل لأنه لا يحق لها أن تكون أعظم منه. ..................................................................................................... .فلا شك أنه حينما تشعر المرأة بغيرة زوجها عليها تكون أسعد من في الكون ولكن حينما تشعر بغيرته منها تصبح أتعس من في الكون, فغيرته عليها تدل علي استمرار قوة حبه لها واهتمامه بها أما غيرته منها فتعني أن الحب بدأ يتبدد مما يهدد حياتهما سويا. وقد يري البعض أن غيرة الرجل دفاع لا شعوري عن النفس ضد الخطر المنتظر وهو فقدان دوره وسلطته وسيطرته, وتحول دوره من البطولة أي قائد الأسرة, الذي يتبعه سائر أفرادها إلي الدور الثاني بعد الزوجة, ويري آخرون أن بعض الأزواج يعتقدون أنه في نجاح الزوجة وتفوقها علي الصعيد العملي والإجتماعي, انتقاص من شخصياتهم أو رجولتهم أو مكانتهم كأزواج. وهناك نوعان من الغيرة:- أحدهما إيجابي هو حينما تتسلل الغيرة لقلب الزوج من نجاح زوجته لا يحاول هدمها أو التقليل من شأنها وإحباطها بل يحاول التطوير من نفسه ويسعي للنجاح هو الآخر, فإذا شعر أنها متحدثة لبقة ومثقفة سعي هو الآخر إلي قراءة المزيد من الكتب, وإذا كانت متمكنة في إحدي اللغات سعي هو الأخر لتعلمها, وإذا تولت منصبا رفيعا أو قياديا يسعي هو الآخر إلي تحقيق النجاح في عمله وربما يلجأ لإقامة مشروع خاص به ليتفوق عليها ماديا, وبذلك ينجح كلاهما ويحافظان علي المودة والسكينة في حياتهما واستقرار أبنائهما, أما الغيرة السلبية هي التي حينما يسعي الزوج إلي تدمير زوجته نفسيا ومعنويا بالتقليل من شأنها ونجاحها وتعجيزها بإلقاء كل المسئوليات عليها واتهامها دوما بالتقصير في الشئون المنزلية وفي رعايته لها وتوفير متطلباته وإهمالها لأطفالهم, إلي جانب إلقاء اللوم عليها في كل مشكلة تحدث لهما, وكل ذلك بالفعل قد يقلل من تركيزها ويزيد من تشتيتها الفكري فيجعلها لا تنتبه لعملها, كما يؤثر سلبا علي حياتهما الزوجية وعلي الاستقرار النفسي لأبنائهما. وقد علق د.أنور الملكي, خبير التنمية البشرية والذاتية قائلا إن هناك شقين في الأمر, الأول أنه من الممكن أن تكون الزوجة بالفعل مقصرة في واجباتها المنزلية, وانصرفت عن الاهتمام بزوجها ورعاية أبنائها وحينما يحاول الزوج لفت نظرها ومطالبتها بالاهتمام بمنزلها وأبنائها أول ما يتبادر لذهنها أنه يغير منها فلا تتقبل منه أي نقد, والشق الثاني هو أن يكون الزوج يغار بالفعل من نجاح زوجته, وهو الشق السلبي حيث يسعي الزوج لافتعال المشاكل والخلافات, ويسعي للتقليل من شأنها وهدم ثقتها بنفسها, وهذا النوع من الرجال يعاني من النقص والضعف الداخلي, فالمفترض أن نجاح زوجته جاء من مساعدته لها بنجاحه في توفير الاستقرار لها ولعائلته, ولابد أن يفتخر بذلك, وأضاف د.أنور أن للزوجة دورا مهما في كبت غيرة زوجها واستمرار نجاح علاقتهما الزوجية, وهو بأن تتجاهل فكرة أن زوجها يغار منها وأن تحاول معالجة المشاكل التي تؤرقهما كزوجة وليس كامرأة ناجحة, فعليها ألا تجعل نجاحها يضع الغرور في نفسها بل يجب أن تسانده وتحاول إنجاحه بكل ما أوتيت من قوة بالحب والاحتواء والدعم وألا تشعره أبدا بأن نجاحها العملي أهم منه ومن بيتها. فالزواج ليس مجرد رجل وامرأة أحبا بعضا فتزوجا, بل أنها شراكة تستمر طوال العمر وتدريجيا تكبر الشراكة بوجود الأبناء, ونجاح أي فرد بها يعني نجاحا للشركة كلها وفشل أي عنصر يعني فشلا للشراكة كلها, ولابد أن يعلم الزوجان أن كلا منهما مكمل للآخر.