كمال عبد الجواد فى «قصر الشوق».. كامل فى «السراب».. إسماعيل الشيخ فى «الكرنك».. زعتر فى «أهل القمة».. جعفر الراوى فى «قلب الليل».. وشطا الحجرى في «الشيطان يعظ».. تلك هى أسماء لشخصيات جسدها المبدع الراحل نور الشريف وغاص من خلالها فى أدب الكاتب العملاق نجيب محفوظ.. كان نور نجمًا يعرف قيمة الأدب ويعرف أهمية أن يأخذ نصًا أدبيًا ويقدمه للسينما، فما بالك لو كان هذا الأديب هو نجيب محفوظ.. هذا ما أدرك نور قيمته وأهميته ولذلك كان لديه شغفً خاصً بما قدمه أديب نوبل والذى يبدو أنه وجد نفسه فيه حيث إن الاثنين أبنان لمناطق شعبية أصيلة لعبت دورًا كبيرًا فى تشكيل وجدانهما، سواء كان الأديب الراحل نجيب محفوظ ابن الجمالية، أو الفنان الراحل نور الشريف ابن السيدة زينب. .......................................................................... نور الذى تشرب الكثير من مفاهيم «المجدعة».. وعرف كيفية أن تكون «بنى آدم حر» صاحب رأى ومبدأ.. وجد الكثير ضمن شخصيات محفوظ تتجسد فيها تلك المعانى، وهو ما أدركه بعينه الثاقبة، فأدب نجيب محفوظ يرسم صورة بانورامية وشديدة العمق للمجتمع المصرى وتحولاته، وأيضًا يحلق فى مناطق بعيدة ومثيرة للجدل وتحمل أبعادًا فلسفية بدءًا من ماهية الخلق وصولًا إلى الجدل بشأن الثوابت، وقد تكون المصادفة هى التى وضعت نور فى طريق الأديب الكبير عندما تم ترشيحه لتجسيد دور كمال عبد الجواد مع المخرج حسن الإمام.. ومن بعدها صار الفتى الذى لم يكن قد بلغ العشرين من عمره بعد عاشقًا لأدب محفوظ، حيث وجد نفسه بين جنبات رواياته وأطلق لموهبته العنان مع تنوع الشخصيات التى قدمها، وكان محفوظ قد أكد أن نور أدهشه بأدائه لأدوار بعض أبطاله قائلا «إن نور الشريف حينما يمثل لا يكون ذاته وإنما يكون الشخصية التى رسمتها»، كمال عبد الجواد الشاب الخجول الطيب والذي يتمتع ببراءة نادرة حيث أنه لا يزال في مرحلة تكشف الأشياء الحب الوطن الانتماء، كمال الذي يبدو شخصا مترددا يحتاج الي من يأخذ بيده وفجأة يتحول الي مناضل ضد الاحتلال الانجليزى ويموت شهيدا. ويتماهى نور فى شخصية كمال عبد الجواد ويستطيع وسط الحضور الطاغى للفنان الكبير يحيى شاهين بشخصية بطل الرواية وعميدها السيد أحمد عبد الجواد، أن يعلن عن مولده كنجم سينمائى ويبقى كمال عبد الجواد الأقرب شبها بنور الشريف، وكما قال هو نفسه في أحد حواراته: «كنت كمال عبد الجواد الشاب الحساس الممتلئ بالأمل والرومانسى المثالى، وأعتقد أن كل شباب مصر فى تلك الفترة كانوا كمال عبد الجواد، إنه واحد من جيل الثورة ولكن تكوين الشاب ظل كما هو حتى بعد هزيمة 67، وأنا أعتبر «قصر الشوق مثل إبنى البكرى».. ورغم أنها التجربة الأولي للنجم الراحل مع أدب نجيب محفوظ إلا أنه علي الأقل خطف الأنظار وأكد أن هناك موهبة قادمة في الطريق وهو ما تأكد من خلال التجارب التالية.. حيث جسد بعدها دور» كامل» في فيلم السراب إخراج أنور الشناوى، وهى رواية تحمل أبعادا سيكولوجية صاغها الأديب الكبير عن بطل شاب عاجز وفاشل، يحمل ملامح أديبية نتيجة علاقته المرضية بوالدته منذ الطفولة فينشأ خجولا، معزولا، ويخفق فى دراسته، ويعجز حتى فى علاقته بزوجته، فيلجأ إلى طبيب نفسى بحثا عن علاج.. وهو الدور الذي يأتى مغايرا تماما لكمال عبدالجواد .. والذي يسمح بانطلاقة جديدة لموهبة نور حيث قدم الشخصية بوعي كامل بكل مفرادتها ويحصل نور العديد من الإشادات عن دور كامل، وحسبما يؤكد الناقد كمال رمزي في إحدي دراساته السينمائية: «نور الشريف من أكثر الممثلين الذين جسدوا المهزومين والخاسرين فى أدب نجيب محفوظ، إنه بطل السراب المتلاشى فى قوة شخصية والدته، المنطوى على نفسه، الفاشل فى تعليمه وعمله وزواجه.. فهو الذى سرق مرتبات الموظفين من أجل حبيبته كى يقضى معها أياما جميلة على الشاطئ ويكتشف انها خائنة، مخادعة، وتبدأ رحلة جنونه حين يقبض عليه»، وقد تكون التحولات الكبيرة التى تحملها الشخصية هي ما ساعدت نور علي التألق واثبات موهبته. وفى عام 1973 يعود نور للثلاثية فى «السكرية» بعد عشر سنوات من فيلمه الأول «قصر الشوق» وقد أصبح أكثر خبرة ونضجا ثم يلتقى عام 1975 مجددا مع أدب محفوظ فى فيلم «الكرنك» الذى لعب بطولته أمام كمال الشناوى وسعاد حسنى ومحمد صبحى وكتب له السيناريو والحوار ممدوح الليثى وأخرجه على بدرخان، وكان من أوائل الأفلام التى هاجمت فترة حكم عبد الناصر كما رآها محفوظ حيث سيطرة مراكز القوى.. وجسد دور إسماعيل ذلك الشاب الثورى الحالم بمجتمع أفضل والذي يتفتح وعيه وحلمه مع ثورة يوليو ويأمل في مجتمع أفضل ولكن كل شئ يتحطم علي صخرة الهزيمة في 67 وسيطرة مراكز القوى ويتحول إسماعيل وحبيبته زينب إلي ضحيتين وهو ما يجعله مواطنا سلبيا بعد أن عذب ونكل به في المعتقل. ويشهد عام 1981 تجربتين مهمتين فى علاقة نور الشريف بأدب الروائى العالمى من خلال فيلمى «أهل القمة» و»الشيطان يعظ»، ويرصد الأول تأثير الإنفتاح الإقتصادى على المجتمع ويجسد نور شخصية زعتر الذى يعمل فى تهريب البضائع ويسعى للزواج بشقيقة الضابط المتمسك بقيمه وأخلاقياته ويتصدى لهذه الزيجة وهو الفيلم الذى شارك فى بطولته عزت العلايلى وسعاد حسنى وأخرجه على بدرخان.. وشخصية زعتر هي شخصية لا تنسي في مشوار نور الشريف وتعد واحدة من الأيقونات التى قدمها النجم الراحل خصوصا وانها تحمل تناقضات كل تلك الفترة الشائكة سياسيا واجتماعيا. وفى «الشيطان يعظ» الذى كتب له السيناريو والحوار أحمد صالح وأخرجه أشرف فهمى يجسد نور شخصية «شطا الحجرى» الحالم بأن يصبح مثل الدينارى الكبير «فريد شوقى» فتوة الحارة الشعبية التى يقطن بها، ويقع فى غرام «وداد» خطيبة الدينارى ويتزوجها.. نور كان رمزا للشخصية المصرية البسيطة فى الفيلم التى تقع ضحية الفتوات الدينارى من جهة و»الشبلى» عادل أدهم الفتوة من جهة أخرى. وفى «قلب الليل» وهى الرواية التى تحمل طابعا فلسفيا، كتب السيناريو والحوار لها محسن زايد، وإخراج عاطف الطيب، حيث يجسد دور جعفر الراوى الذى يهجر دراسته فى الأزهر ويتمرد على جده ويتعلق قلبه براعية أغنام هى «مروانة» ويعترض الجد على زواجه منها فيطرده من قصره، ويفشل فى علاقته بمروانة ويتزوج سيدة ارستقراطية لكنه يعيش عالة عليها ويغرق فى الفشل ويقتل صديقه الذى يواجهه بفشله ويدخل السجن وحين يغادره يهيم على وجهه فى شوارع القاهرة. و»السيرة العاشورية» التى صاغ لها السيناريو والحوار محسن زايد أيضا وإخراج وائل عبد الله، وهو عمل تراثى تاريخى، تناول من خلاله مفهوم وشكل البطل الشعبي من خلال سيرة «عاشور الناجي» الشخصية التى لعبها المبدع الراحل نور الشريف، إذ مثل رمزا للمبادئ والقيم والعدل والرحمة وإنصاف البسطاء.. كما ألقى الضوء على تأثر الحارة المصرية بفكرة البطل الشعبي عند الأديب نجيب محفوظ، وخاصة البسطاء ودفاعه عن حقوقهم.