لو أن اللغة العربية كانت إنسانا لتكلمت صارخة مما أصابها من جحود وإحساس بالدونية تجاهها! فلا توجد أمة فى العالم أخطأ شعبها فى حق لغته القديمة كما فعلت شعوبنا العربية، وفى القلب منها الشعب المصري. ولو أن امرأ غريبا عن مصر جاءها زائرا لانتابته الحيرة والدهشة مما يشاهده من إعلانات ولافتات فى أرجاء البلاد تسطع عليها لغات أجنبية، وتتوارى عنها لغة البلاد القومية، فى سلوك ينم عن ردة ثقافية وحضارية!! فهل من دلالة على انسحاق شعب بمختلف تياراته ونخبه نفسيا وفكريا وثقافيا أمام حضارة أجنبية وافدة وتداعى الثقة فى تراثه الحضارى أكثر من غلو جحوده للغته!! ولله أنه لعار على بلد كرمه الله بذكره فى قرآنه الكريم الذى أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم قرآنا عربيا غير ذى عوج، فإذا بشعب يستعر من لغته ويتفاخر باستعمال لغات أجنبية بديلة فى جميع أنشطة ومجالات حياته!! إن إسرائيل التى لم يكن لها وجود كدولة عبر التاريخ الإنسانى أحيت لغة ماتت منذ قرون اعتزازا وفخرا بثقافتها وتراثها اليهودى وهويتها القومية، وفى دول العالم المتحضرة يتم تجريم استخدام لغة أجنبية بديلا عن لغاتها القومية اعتزازا من الشعوب بثقافتهم، ومن آيات العجب ان شعبا يجهر بتدينه وتمسكه بقيم دينه وأحكامه يستعر فى الوقت نفسه من لغة كتابه المقدس!! فهل رأينا تناقضا أكثر من ذلك دلالة على شيزوفرينيا حقيقية تحتاج بشدة وعجلة إلى علاج ووقفة حاسمة من علماء الأزهر الشريف ومجمع اللغة العربية وأساتذة اللغة فى الجامعات ومثقفى الوطن، فضلا عن سوط القانون المتقاعس تجاه مخالفة دستورية واضحة! فهل بتنا فى حاجة إلى المحكمة الدستورية العليا لإصدار حكم أو قرار حاسم بتجريم استخدام اللغات الأجنبية فى أى نشاط أو تعامل أو إعلان؟ وهل يرجى من شعب يداهمه إحساس مريض بتضاؤل قيمة و مكانة لغته القومية أن يحقق تقدما ونهضة حضارية وهو يشعر بالدونية تجاه لغته التى هى وعاء ثقافته وتراثه الحضاري؟!! عندما ألقى الدكتور عبدالوهاب المسيرى رحمه الله بيان الاحتجاج على الغزو الأمريكى للعراق، وطُلب منه إلقاؤه فى الجامعة الأمريكية باللغة الإنجليزية بصفته أستاذ الأدب الإنجليزى بالجامعة أصر على إلقاء بيانه بلغة عربية سليمة، رافضا أن يتحدث عن القاهرة حيث التاريخ والحضارة والثقافة إلا بالعربية. إن المأساة لم تعد فقط فى أسماء الشركات والمحال والمنتجعات والمدارس والقرى السياحية والإعلانات التى تصدمنا بلغات أجنبية، ولكن باتت أيضا فى مستوى الطلاب وخريجى الجامعات فى لغة بلادهم الذى تدهور إلى حد مخيف وبائس، وهو ما نشهده فى مستوى الكتابة الركيكة على شبكات التواصل الاجتماعى من أخطاء إملائية ونحوية مروعة فى حوار صحفى للأستاذ محمد حسنين هيكل قال إن لكل إمبراطورية نهاية بالسيطرة ولكن ليس بالنفوذ، وأن هذه الإمبراطورية باقية بقوة مادامت اللغة الإنجليزية باقية، وذكر أنه قال ذات مرة لمارجريت ثاتشر: أنتم فقدتم إمبراطورية فى الجغرافيا، ولكنكم وجدتم إمبراطورية فى اللغة،، يا سادة إن اللغة التى تحتضن ثقافة وتراث الشعوب هى الشرف الحضارى لأى أمة. إننى أوجه من هذا المنبر الحر نداء استغاثة إلى أولى الأمر ومن بينهم القرار والتشريع والرقابة وآليات التنفيذ أن تنقذوا لغتنا العربية التى هى لغة القرآن الكريم من الاندثار.. أنقذوا ثقافتنا وتراثنا الحضاري، أنقذوا أمتنا من الذوبان فى ثقافات وقيم الدول الأخرى حتى لا يأتى يوم لا قدر الله نخرج فيه من تاريخ الإنسانية. محمد سعيد عز