على مدى ثلاثين عاما من الزمن المعاصر ويزيد، ومنذ مؤتمر العدالة الأول الذى انعقد بنادى قضاة مصر عام 1986 أى منذ نحو ثلاثين عاماً، وحتى تشييع جثمان شهيد العدالة النائب العام المستشار هشام بركات فى رمضان الماضى، ظل الحديث لا ينقطع .. وازداد قوة وحماساً عن بطء إجراءات التقاضى والمطالبة بسرعة الفصل فى القضايا وتحقيق العدالة الناجزة، وقبلها بزمن ليس بقصير، منذ سجل الدكتور عبد الرزاق السنهورى بتقرير مجلس الدولة عام 1951، أى منذ أكثر من ستين عاماً ، مطالباً بإصلاح قضائى هائل، لمواجهة بطء إجراءات التقاضى.. واحترام تنفيذ الأحكام القضائية، ولم يكن الحديث عن سرعة الفصل فى القضايا وتحقيق العدالة الناجزة يخص قضايا الإرهاب وحدها بل كان قبلها، موجهاً إلى كل القضايا الجنائية والمدنية والتجارية والاقتصادية والأحوال الشخصية والقضاء الإدارى، ولست من المؤيدين للحديث عن الماضى أو النبش فى القبور، سواء بالإجادة والإشادة.. أو اللوم والتوبيخ، إلا بقدر الإشارة والتأكيد على أن لدينا قضية مزمنة، واضحة المعالم ومتعدية الآثار، بقصد المواجهة وتقديم العلاج ، إذ لم يعد لدينا رفاهية الوقت أو فلسفة الأحاديث والحوار، خاصة أن القضية يجرى الكتابة عنها وعن آثارها المدمرة منذ عشرات السنين، وأُطلقِّت عنها البيانات والإحصاءات، من مسئولين كبار، وأعدت تقارير علمية وبحوث عن كيفية تيسير إجراءات التقاضى أو تحديثها لتحقيق سرعة الفصل فى القضايا حتى تصبح العدالة ناجزة، كما طالب البعض منذ أكثر من عشرين عاماً بإصلاحات سريعة وجذرية للنظام القضائى، فى مواجهة تراكم عدد القضايا .. واقترحوا الأفكار وقدموا الحلول سواء بمناسبة تقارير علمية أو كتب ومؤلفات حول إصلاح النظام القانونى فى مصر أو إصلاح النظام القضائى فى الدول النامية عموماً، كان منهم الدكتور إبراهيم شحاتة منذ يناير عام 94 وغيره، فضلاً عما قُدم من الإستجوابات وطلبات المناقشة والإحاطة تحت قبة البرلمان، كان حظى أن أكون واحداً ممن قدموا تلك الطلبات والاستجوابات إلى الحكومة ووزراء العدل، وكان ذلك منذ التسعينيات.. وبعدها ، وتشهد المضابط بإجابة الحكومة وردودها، لهذا كان علينا أن نواجه تلك القضية بحزم وعزم.. للخروج منها إلى بر الأمان.. خاصة ونحن نتحدث عن العدالة منذ سنوات طوال.. ولن تتحقق العدالة إلا اذا كانت ناجزة ، فاذا لم تكن كذلك انقلبت إلى ضدها.. وصارت هى والظلم سواء !! وفى باب سيادة القانون ، يؤكد الدستور المصرى حق التقاضى والتزام الدولة بتقريب جهات التقاضى والعمل على سرعة الفصل فى القضايا، وحماية غير القادرين ، وضمان وسائل الالتجاء إلى القضاء، وتنفيذ الأحكام القضائية، واعتبار الامتناع عن تنفيذها جريمة لا تسقط بالتقادم، كل ذلك فضلاً عما يقرره الدستور فى باب السلطة القضائية من ضمانات استقلال وحيدة السلطة القضائية وأعضائها جميعاً، من الهيئات والجهات القضائية ، وكذلك المحاماة والخبراء، وبما يسهم فى مكافحة الفساد، والغريب أن هذه الالتزامات الدستورية على قِدَمها، فإننا مازلنا أمام ظاهرة بطء إجراءات التقاضى وتأخير الفصل فى القضايا ومازالت القضية تزداد تفاقماً حتى بلغ عدد القضايا فى بيان سابق أعلنته وزارة العدل أرقاما مفزعة، تحدثت عنها فى حينها، بمقال نشر بجريدة الأهرام فى 22/10/1996 أى منذ عشرين عاماً، وبعدها بعدد آخر من المقالات منذ عشرات السنين فى 13/7/2003 وبعدها!! كما اشتكى منها كثيرون وعبروا عن ضيقهم ومن آثارها المتعدية.. فهل أصبحت القضية مستعصية على الحل؟! أم أننا مازلنا نعيد ونزيد رغم كل الأحداث والآثار حتى امتدت تلك الآفة إلى جميع القضايا بما فى ذلك جرائم الإرهاب التى تصيب الحقوق والحريات والاقتصاد والسياسة والوطن بأسره.. وكل شىء فى الحياة!! وفى عدد الأهرام 8 يوليو الحالى نشرت الصحيفة تحقيقاً عن القضاء المصرى، ضمير الوطن عبر التاريخ وآخر المقدسات، وأن تحقيق العدالة فرض عين، وصحيفة أخرى نشرت تحقيقاً معاصراً عن العدالة المضادة، وها نحن على أبواب عام قضائى جديد، وأمام رؤساء وأعضاء جدد لمجلس القضاء الأعلى، ومجالس الهيئات والجهات القضائية، يتحتم علينا فتح ملفات العدالة الناجزة، ودراسة المعوقات والحلول.. بإصرار وعمل.. وليس بالكلام.. لأن الزمن وحده لا يقضى على المشكلة بل لا يتناساها، وبما لازمه ضرورة المواجهة وتحديد الطريق ومواجهة المستقبل بمسئولية، وهى مسئولية وطنية ودستورية كبرى، وإلا سنظل واقفين فى الطريق.. أو متقدمين إلى الخلف، خاصة أن القضية تقع فى قلب قضايا الوطن، ولعلّ المشقة التى نعانيها تجلب التيسير !! وفى مواجهة الملفات من أجل عدالة ناجزة، وفى حدود المتاح بمساحة هذا المقال، فإنه يكفى الإشارة إلى عناوين العقبات ورءوس الموضوعات وكيفية التغلب عليها، وبما يسهم فى تحقيق العدالة الناجزة وبيان الأسباب.. والمعوقات.. والحلول: فمن زواية اجتماعية وأخلاقية علينا أن ننقب عن الأسباب الدافعة إلى تكاثر الخصومات.. وتزايد صورها حتى بلغت كماً هائلاً ينوء بحمله رجال القضاء.. وتضيق به ساحات المحاكم وسرايا النيابات، وعلينا أن نتساءل عما اذا كانت تلك الأسباب.. اجتماعية أو أخلاقية أو اقتصادية، والعمل على الحد منها بمواجهة تلك الدوافع والأسباب، ولعل بث روح التسامح، واتساع دائرة التصالح ونبذ الخلاف قد يقلل من ذلك الانفجار فى الخصومات، فالعند يورث الكفر.. والصلح خير ، وأؤكد لحضرات الشعب المصرى الكريم أن الكل خاسر، بل حتى الكاسب أيضاً خاسر.. عند الإصرار على اللجوء إلى القضاء، لضياع الوقت والجهد والمال، وهى دعوة لعلماء الاجتماع والمثقفين والأدباء والكتاب وعلماء النفس ورجال الإعلام والصحافة ورجال الدين، للعمل معاً على ترسيخ أخلاقيات التسامح ونبذ الخلاف والكيد والإساءة.. وتبادل الاحترام ، والبعد عن الخصام قدر الإمكان ، لأنه ليس بالتشريع وحده تُحل القضايا والمشاكل، وأُذَكّر بما طلبه وزير العدل الأسبق، بناء على دعوة منا، إلى مركز البحوث الاجتماعية والجنائية لدراسة هذه الظاهرة، وكان ذلك منذ عام 97 أى منذ نحو عشرين عاماً!! ومازلنا نبحث عن الأسباب الدافعة لتفاقم تلك الظاهرة، فهل يمضى البحث بجدية وإصرار، للوقوف على أسباب ذلك الداء لمعرفة الدواء ؟! سؤال مطروح فى باب الأسباب والدوافع لتكاثر الخصام بين الناس من زاوية اجتماعية .. وأخلاقية أو حتى اقتصادية !! أما عن الأسباب الأخرى المعوقه لسرعة الفصل فى القضايا وتحقيق العدالة الناجزة فى باب التشريع كماً وكيفاً، وهى مسئولية السلطة القضائية الأقدر برجالها على مواجهتها، كل ذلك يقع فى دائرة الدراسات العلمية والمهنية، نشير إليه فى مقال آخر الأربعاء القادم بإذن الله. للحديث بقية لمزيد من مقالات د . شوقى السيد