لن ينقشع كابوس الإرهاب عن سمائنا بالتصريحات المتشنجة وتوجيه الاتهامات عبر وسائل الإعلام وإنما بالبحث فى أسبابه ودوافعه والعمل بجدية على وضع حد لها وتجفيف منابعه من خلال التعاون بين أجهزة الأمن والمواطنين لرصد تحركات المتطرفين والإبلاغ عن الإرهابيين منهم لإحباط محاولاتهم قبل وقوعها.ويحتاج الأمر إلى التحلى بالصبر على ما قد يترتب على مكافحة الإرهاب من مضايقات وتقييد مؤقت للحريات وتهيئة النفس لمعركة ضده لن تكون قصيرة.فهناك نحو 50 تنظيما متطرفا وإرهابيا ناشطا حول العالم فى مقدمتها داعش والقاعدة وبوكو حرام وصلت بقادتها حالة العمى والضلال إلى حد إباحة نسف المساجد بالمصلين فى رمضان. ما شهدته مصر من أعمال إرهابية أخيرا سبقته أعمال إرهابية دموية فى دول عديدة من بينها العراق وسوريا ونيجيرياوكينياوالصومال وليبيا ومالى وفرنسا راح ضحيتها مئات الأبرياء بدعوى الجهاد لرفع راية الإسلام!.فقد استغل هؤلاء المتوحشون الشعور بالسخط الذى انتاب كثيرا من الشباب على حكوماتهم لأسباب من بينها انعدام العدالة فى توزيع الثروة الذى يتيح للقلّة الاستئثار بالنصيب الأكبر من الثروة ويترك الفُتات للأغلبية وغياب مشروعات التنمية وتزايد البطالة والفقر وتفشى الفساد وانعدام الديمقراطية وسوء معاملة أجهزة الأمن للمشتبه بهم وأُسَرهم ومعاملتهم بوحشية والتضييق على الحريات الشخصية وحرية العبادة للأقليات المسلمة فى بعض الدول وتهميشها سياسياً.وقد صدّق الساخطون المحبطون ادعاءات قادة الجماعات المتطرفة والإرهابية بأنهم يجاهدون لتحقيق العدالة وتطبيق شرع الله فوقعوا فى براثنهم ليجعلوا منهم جزّارين ينحرون المخالفين لهم فى الرأى وقنابل ملغومة تنفجر بين الجموع بالمساجد والكنائس والأسواق ووسائل المواصلات.
فى نيجيريا مثلا استفحلت بوكو حرام التى تحوّلت من العمل الدعوى إلى القتال الدموى عام 2009 لإقامة إمارة إسلامية فى الشمال ذى الأغلبية المسلمة وفشلت كل محاولات الجيش النيجيرى فى القضاء عليها.
وبعد أن شنت جيوش أربع دول متجاورة حملتها المنسقة وتمكنت من استعادة معظم الأراضى التى استولت عليها وهدأت هجماتها عدة أسابيع عادت تضرب بقوة فى مدن عديدة بشمال ووسط نيجيريا فيما وُصف بأنه أسبوع دموى قُتل فيه أكثر من 200 إنسان داخل مساجد وكنائس ومطاعم وأسواق ومنشآت حكومية.ونالت تشادوالنيجر والكاميرون نصيبها من وحشية بوكو حرام لمشاركة قواتها فى الحملة العسكرية عليها حيث فجّر انتحارى يرتدى زى امرأة نفسه فى سوق مزدحمة فى العاصمة التشادية نجامينا فقتل وأصاب أكثر من 100 شخص،وهو ثالث هجوم للجماعة فى ذلك البلد خلال شهر واحد.كما قُتل 12 شخصاً فى هجوم انتحارى بالكاميرون لم يكن الأول ولن يكون الأخير وهاجمت الجماعة من جديد منطقة جنوب شرق النيجر.
ولا يبدو أن هذا الكابوس سوف ينقشع قريباً لأن الجماعة استفادت كثيراً من تردى الأحوال المعيشية والإنسانية فى شمال نيجيريا ووسطها حيث توافرت لها بيئة حاضنة وتوالَيَ انضمام الشباب الساخطين والعاطلين عن العمل إليها لأن 67% من النيجيريين يعيشون تحت خط الفقر معظمهم فى الشمال.كما توفر لهم غابة سامبيسا مأوى آمنا تنطلق منه هجماتهم على القرى والمدن.
وفى كينيا شنت حركة الشباب الصومالية المتطرفة هجوماً جديدا فى منطقة مانديرا قرب الحدود مع الصومال راح ضحيته 25 عاملاً قتلى وجرحى بعد ثلاثة أشهر فقط من هجومها الدموى على جامعة جاريسا الذى قُتل فيه 148 شخصاً،وبعد نحو عامين من ضربتها القوية فى العاصمة نيروبى عندما استولى أفرادها على مجمع وستجيت التجارى وقتلوا 67 شخصاً بينهم أجانب.أما داخل الصومال فقد كثرت هجماتها على أهداف حكومية وفنادق يرتادها مسئولون وبرلمانيون وعلى مقر قوات حفظ السلام الإفريقية كان أحدثها على قاعدة عسكرية وعلى فندقين بالعاصمة مقديشو بهدف طرد القوات الأجنبية وتطبيق مفهومهم المتشدد والخاطئ أحيانا لأحكام الشريعة الإسلامية.
أسباب ودوافع ذلك التطرف والإرهاب عديدة تشترك فى معظمها الدول المنكوبة به وينفرد بعضها بشيء منها،ففى مقديشو مثلاً خمسة آلاف صبى صومالى مشردون لعجز الوالدين عن الإنفاق عليهم يُعدُّون لقمة سائغة للحركة المتطرفة حيث يشعرون بالضياع ويعانون من الجوع.
وفى نيجيريا 8000 رجل وغلام ماتوا فى معسكرات احتجازهم خلال السنوات الأربع الأخيرة وفقا لمنظمة العفو الدولية،بعضهم ماتوا جوعاً وتم إعدام 1200 بشكل غير قانونى مما أوجد رغبة قوية لدى عائلاتهم فى الانتقام لهم.وفى كينيا التى يشكل المسلمون 11% من سكانها،نصفهم من أصل صومالي،أثبتت اللجنة المستقلة للحقيقة والعدالة والمصالحة أن المسلمين عانوا من تمييز عنصرى اجتماعى واقتصادى وسياسى وانتهاك لحقوق الإنسان بما فيه القتل والاختفاء القسرى والاحتجاز التعسفى من جانب وحدة مكافحة الإرهاب لتحصل الحركة على ذريعة أخرى للانتقام من قوات الأمن والحكومة.
لا مفر إذن من أن تدرس الحكومات وخاصةً أجهزة الأمن تلك الأسباب والدوافع بعناية وتعمل لتلافيها عسى أن يُحد ذلك من عدد الساخطين ويمنع انضمامهم إلى الجماعات المتطرفة ويُزيل الشعور بالظلم الذى يدفع الجماهير لإيواء المتطرفين وعدم الإبلاغ عنهم.عندئذ يمكن أن تجف تدريجياً منابع الإرهاب مهما طال الوقت. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى