ليس في الأمكان أبدع مما كان, هذا هو تلخيص رؤية الإعلام التركي, غداة مؤتمر أصدقاء سوريا ليس لنتائجه المتواضعة, ولكن لتهدئه أهل الحل والعقد في البلاد, وكأنه أراد أن يبعث لهم برسالة لا بأس, فما بذلتموه لم يذهب سدي, ترضية ومجاملة للعدالة والتنمية الحاكم. الحقيقة التي كشفت عنها ماوراء الجمل المكتوبة بالصحف الكبري, وكذا المرئية علي رغم فلترة عيون الرقباء وكم صارو كثروا, هي أن الدبلومسية التركية أخفقت أن لم تكن فشلت فشلا ذريعا في تحقيق ما كانت تأمله بإحداث تقدم نوعي يؤشر علي قرب إنهاء الازمة السورية, وسقوط حكم العلويين في العاصمة دمشق. ففي الادبيات السيارة خلصت تحليلاتها إجمالا إلي أن نتائج أصدقاء سوريا هي بكل المقاييس في صالح الرئيس السوري, ولعله الآن في نشوة ما بعدها نشوة, فاللمرة الثانية علي التوالي من بعد مؤتمر إنشائيات تونس علي حد تعبير قطب من العدالة الحاكم في إشارة إلي أن بلاده ستنجز ما لم دولة أخري من إنجازه التي يفوز فيها علي خصومه سواء من أبناء جلدته أو من جواره التركي المدعوم قطريا وسعوديا. وربما صور له غروره, ولديه قليل جدا من الحق, بأنه فاز بالضربة القاضية وليس بالنقاط, بعدما رأي تراجع مستوي تمثيل الفاعلين الدوليين علي ضفاف البوسفور, بإعتذار كاثرين آشتون التي تقود الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي, وكذا كوفي أنان, الذي تعلل لاردوغان الذي دعاه بإلحاح, بجدول أعماله المتخم بلقاءات ومناقشات هي في الاصل من أجل سوريا والسوريين فعلام الحضور أذن؟ هذا إضافة إلي رفض روسيا والصين ومعهما إيران. كذلك فشل خصومه في نيل صك مدموغ من المجتمع الدولي بتسليح مباشر للجيش الوطني الحر خشية من اندلاع حرب أهلية, وتلك كانت ضربة قاصمة موجهة لرئيس الحكومة رجب طيب اردوغان, الذي كان قد أكد أن المقاومة المسلحة للمعارضين السوريين هي من أجل الدفاع المشروع عن النفس, وهو ما يعني أن المعسكر الغربي, وخلاف لما كانت تسعي إليه أنقرة بتحديد فترة زمنية, يريد منح فرصة كافية لخطة أنان التي تتضمن وقف اطلاق النار, وبدء مفاوضات مع المعارضة وهذا في حد ذاته إنجار يحسب للأسد, صحيح أنه لم يلتزم بالتنفيذ, ولكنه سيكسب المزيد من الوقت, وإطالة الأخير سيزيد بدوره من حدة الانقسامات الحاصلة بالفعل داخل معسكر أعدائه. الأدهي, وهذا يسعد أهل الحكم في الشام, أن اسطنبول بدت وكأنها مكان انطلقت منه الانشقاقات بين المكونات السورية وليس توحيدها. وخلص تحليل مهم في صحيفة راديكال إلي أن مطالبة الغربيين الأوروبيين تخفيف حدة الخطاب ضد الاسد يدفع تركيا للعزلة. الأكثر إثارة, وهو ما كشفت عنه ميلليت, أن ليس مقصور علي القارة العجوز ليست فقط المترددة فالامريكيين أنفسهم يبدون أنهم أتخذوا قرارا بالتمهل وعدم التسرع لما لا قد يحمد عقباه بيد أن البيت الابيض ومعه حلفاؤه, لا يعلمون من سيحل محل الأسد, أي انهم لا يروا حتي الآن من يصلح أن يكون بديلا, وذهبت ميلليت أبعد من ذلك حينما أكدت أن واشنطن وموسكو اتفقتا حول هذا الأمر. أمر آخر ضاعف من مكاسب الأسد مقابل خيبة أمل لمعارضيه, تمثل في عدم الاتفاق علي المطلب التركي المدعوم من السعودية وقطر بإقامة منطقة عازلة آمنة داخل الاراضي السورية للمساعدات الانسانية, في السياق ذاته يبدو أن الدعوة الأخري الخاصة بتأسيس صندوق لتمويل الجيش السوري الحر, لم تجد آذانا صاغية من المجتمعين, خصوصا هؤلاء الذين يملكون القوة والنفوذ أما مطلب رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني بارسال قوة دولية مشتركة الي سوريا فقد لحق هو الآخر بسابقه إلي رفوف النسيان. ثم أن هناك إشكالا في غاية الاهمية والذي زاد من غبطة دمشق مقابل تعاسة الاناضول, وتمثل هنا في الداخل التركي, فالمواطنون الاتراك باتوا يتسألون لماذا إنجراف بلادهم بهذا الشكل المبالغ فيه بشئون جارتهم, وعلام سيعود عليهم بالنفع ؟ في إشارة إلي تنامي أصوات تطالب حكومة أردوغان بالكف وإلا السقوط المدوي في المستنقع السوري, مع ملاحظة أن الانتقادات صارت تنطلق من دوائر الحكم نفسها, ففي الأمس القريب شن ياشار ياقيش سفير تركيا الاسبق بمصر وأحد الذين أسهموا في تأسيس العدالة قبل عشر سنوات كما سبق وشغل حقيبة الخارجية مستهل2003 هجوما عنيفا علي السياسة الخارجية لبلاده, متهما إياها بالتخبط وأنها تصورت خطأ بأن سقوط الأسد سيكون سريعا مثلما حدث لمبارك بمصر وزين العابدين في تونس وهو ما ثبت عكسه. وهكذا تبدو حكومة أردوغان في مأزق, فبعد خيبة الامل التي شعرت بها ولم يخفيها المسئول الاول عن الدبلوماسية التركية أحمد داود أوغلو جراء تجاهل القمة العربية ببغداد للجهود التركية المبذولة لوقف إراقة دماء المدنيين السوريين, كانت تأمل خيرا من الاصدقاء أو علي الاقل الحد الادني إلا أنها وجدت النقيض, حتي أن ما أنجزته تجاه المجلس الوطني السوري وحماية قادة الجيش الحر علي أراضيها, لم يؤت بثماره التي كانت تريد قطفها,ليس ذلك فحسب بل أصبحت تواجه بتأنيب من قبل الذين استضافتهم منذ اندلاع الاحتجاجات ضد الأسد. ثم كان الامتعاض الاكبر من تصريحات وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري والتي أدلي بها لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية, وكان مضمونها التحذير والوعيد, لصناع القرار في أنقرة.. إياكم والعراق!!