«فاتر وراكد ونمطي، ويفتقد لمهارات العرض، ولا يجاري العصر ولا يواكب تطورات الحياة وتداعيات العولمة وطبيعة المؤامرات الثقافية والفكرية على الأمة». بهذه العبارات القوية يصف الدكتور صابر حارص أستاذ الأعلام بجامعة سوهاج الخطاب الديني الرسمي، ويؤكد في دراسة حديثة أنه يبرز على النقيض منه خطاب الدعاة الجدد الذي يتميز بالحيوية والتجديد وتبسيط المفاهيم الصعبة وترابط الأفكار وعرض المعاني بأسلوب سهل يستوعبه الناس ويجتذبهم . وما بين هذين الخطابين الدينيين شوه الأعلام الداعية وقدمه بصورة سلبية من خلال المشاهد التهكمية، وليس ببعيد عن المشهد رجال الفكر والثقافة والسياسية الذين أصبح بعضهم خصوما دائمين لرجال الدين . وطالب الدكتور صابر حارص في دراسته بضرورة أن يفتح الأزهر والأوقاف حواراً مستمرا مع المؤسسات الإعلامية ورجال الفن والثقافة وأن يسعى إلى تأسيس شراكة مع الفن لإنتاج الدراما من مسلسلات وأفلام دينية وتاريخية. ويرى الدكتور صابر حارص، أن ظهور «الدعاة الجدد» أو كما يطلق عليهم دعاة الفضائيات مع ظهور العولمة تحديداً بداية التسعينات من القرن العشرين بداية للحديث حول صورة الداعية بعد أن كانت صورة نمطية سلبية واحدة كما كان سائداً قبل ذلك، فقد كانت معظم الدراسات العلمية على الدعاة في وسائل الإعلام تنتهي بصورة سلبية للداعية في ذلك الوقت وكان يقصد به الداعية المنتمي رسمياً للأزهر الشريف أو وزارة الأوقاف، وكانت الدراسات تدلل على ذلك بكثير من المشاهد التهكمية سواء الخاصة بمظهر الداعية أو شكله أو لغته أو ملبسه أو مشيته أو طريقة كلامه والمبالغة في حبه للموائد والماكولات أو نظراته الخفية للجميلات وغيرها. وفي حين ظلت هذه الصورة محفورة في عقول ونفوس المشاهدين لأنها تكونت معهم منذ الصغر عبر الدراما التلفزيونية والأخبار الصحفية السلبية، ظهرت صورة أخرى إيجابية للداعية الجديد رغم أنها أثارت جدلاً واسعاً بين المثقفين والمتخصصين وعامة الجمهور ما إذا كان هؤلاء الدعاة الجدد يشكلون تطويراً للخطاب الديني وتبسيطاً للمفاهيم والقيم الدينية وتشويقاً وترغيباً في الإقبال على المشاهدة الدينية أم أنهم مبتدعون ومقلدون للغرب ومتساهلون في الأحكام وغير مؤهلين وغير متوافر فيهم شروط الداعية وحتى الشكلية منها.. ومن ثمّ فإن الوضع الراهن لا يزال يبقي على صوراً سلبية لداعية تقليدي داخل مساجد وزارة الأوقاف وفي كليات جامعة الأزهر وفي وسائل الإعلام، بينما يحمل الوضع الراهن صوراً إيجابية لدعاة جدد بنوعيهم سواء المنتمين منهم إلى الأزهر وتيارات سلفية أو الهواة وغير الدارسين بالأزهر. وكيف تقيم الخطاب الرسمي للدعاة ؟ خطاب فاتر وراكد ونمطي، ولا يجاري العصر ولا يواكب تطورات الحياة، ولا يراعي تحولات النفس البشرية وتغيرات القيم وطبائع الشباب والنساء، ولا يستوعب تداعيات تكنولوجيا الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي والحداثة والعولمة وانفتاح الثقافات والأفكار، ولا حتى يراعي طبيعة المؤامرات الثقافية والفكرية على الأمة وشبابها ونسائها، وهو خطاب عام وغير محدد يفتقد للأدلة المنطقية والأمثلة الواقعية ومهارات العرض وجاذبيات التأثير، ويردد فقط الأدلة النقلية من القرآن والحديث دون ربطها بالواقع وتفسيرها بأسلوب بسيط، وهو خطاب يحتاج بالفعل إلى سرعة تجديده لأنه قديم ومكرر ويفتقد للأسلوب واللغة المناسبين للعصر وشباب هذا الجيل، وتتزايد أهمية تجديد الخطاب الرسمي خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي أقحمت خطابات دعوية ودينية كثيرة على الساحة وخلطت الإسلام بالسياسة واستخدمت الخطابات الدينية العديدة كأدوات إعلامية ودعائية في صراعات بين قوى سياسية. وهل ترون أن الدعاة الجدد نجحوا، وما سلاحهم في جذب الناس حولهم؟ بكل تأكيد يمكن القول أن الدعاة الجدد بنوعيهم نجحوا في جذب قطاعات كبيرة من المجتمع وخاصة من الشباب والفتيات والنساء وطبقات ذات المستوى المادي الأعلى الذين كانوا عازفين عن الاستماع الديني، وأصبح لهم كتل مشاهدة ثابتة طالت حتى ربات البيوت سواء كانوا هؤلاء الدعاة داخل قنوات متخصصة أو إخبارية، وتجاورت صورهم بجوار صور نجوم الفن والكره كمثل أعلى لكثير من المراهقين، وبرزت أسماء حققت جماهيرية كبيرة رغم أنهم من «المتمدينين» الهواة للدعوة بدأها الدكتور عمر عبد الكافي ثم عمرو خالد وبعدها مصطفى حسني ومعز مسعود وشريف شحاتة، كما برزت أسماء متخصصة أو أزهرية وسلفية مثل محمد حسان وخالد الجندي ومحمود المصري والحبيب الجفري. وكيف تجدد المؤسسات الدينية خطابها ؟ يجب أن ينتقل دور الأزهر من رد الفعل إلى الأخذ بزمام المبادرة ويفتح حواراً وعلاقات ولقاءات مستمرة مع المؤسسة الإعلامية والصحفية والثقافية والفنية والسياسية أيضاً وخاصة الأحزاب، وإقناعهم بوجهة نظره وبيان أضرار ومخاطر هذه الأعمال على مصلحة الوطن والأمن القومي، بل يجب أن يسعى الأزهر والأوقاف إلى تأسيس شراكة مع الفن والإعلام والصحافة تسمح بمشاركة المؤسسات الدينية في إنتاج الدراما من مسلسلات وأفلام وأيضاً تقديم المشورة المسبقة في إصدار الصحف والمجلات وخريطة البرامج الإذاعية والتلفازية، وحتى مشاركتهم للندوات والمهرجانات. ومن جانب آخر يجب تطوير مناهج التعليم الأزهري لتتخلص من النمطية والركود واللغة القديمة والأسلوب غير المواكب للطلاب والدارسين وعامة الجمهور بطبيعة الحال، بحيث يصبح تجديد خطاب التعليم الأزهري موازياً لتأهيل الدعاة وتدريبهم على الخطاب الجديد، وأهم ما يقال هنا في الخطاب الديني انه خطابات متعددة وليس خطاباً واحداً يقصد به الخطاب الرسمي فحسب، والتنوع في هذه الخطابات مطلوب حتى يواكب اختلاف مستويات المستمعين أو المدعوين بشرط أن تكون هناك ضوابط عامة وقيم ثابتة لا يخرج عليها أي من هذه الخطابات كالوسطية والاعتدال والتسامح والتيسير ومراعاة الوحدة الوطنية وتماسك الأمة ونشر ثقافة الاعتذار وفضيلة التصويب وثقافة تلمس الأعذار وحسن الظن وحظر التخوين والتكفير.