«يلا نفطروا».. تذكر هذه الجملة باللكنة السكندرية التى كانت يتنادى بها الأحفاد.. نحن فى رمضان.. زمان ببيت العائلة فى محرم بك وعلى مائدة الإفطار. الأحفاد تتردد أياديهم على الشوكة والسكين حتى يبدأ الكبار فيتبعونهم.. كانت هناك أصول.. الجدان يتوسطان المائدة، وينظران فى حب وود إلى من يحيط بهما من قلوب وعيون أبناء وأحفاد، ومعهم «المربية الإيطالية»، لا تعجب فقد كن أرخص من الفلبينيات الآن لكنها الأيام نداولها بين الناس!! الجد يداعب الحفيد والجدة تسامر الأبناء، ويمضى الإفطار فى تواصل وتتوهج المائدة بدفء المحبة حتى ينتهى، ويتوجه الجميع إلى «أوضة القعاد» وتستمر الجلسة حول الشاى وقمر الدين والمكسرات.. هل تذكرونها؟! تزينها أحاديث ونوادر وضحكات مازلت أذكرها.. تخرج العائلة من شهر رمضان أكثر ترابطا ومحبة بين أفرادها حتى بعد أن تفرق كل إلى مدينته الجديدة. والخشوع فى رمضان رداء نتسربل به فيضمنا فى عباءته الجميلة الخضراء ويصوغ كل تعاملاتنا وتصرفاتنا فتصبح أنت فى رمضان مختلفا على نحو جميل، وأقوى ما يكون الخشوع فى لحظات ما قبل الإفطار، وجائزة الصائم، رضا الله، رشفة ماء وشىء من الطعام.. تجلس الآن إلى المائدة وتتذكر مائدة زمان فى حسرة، أمامك كوب الماء المثلج وقد كسته شبورة من بخاره الجميل، وتنتظر المدفع فتفاجأ بإعلان لإحدى شركات البناء أى والله ويصدح صوت المدفع فيختلط فى ذهنك الأسمنت مع طبق الفول!! وتنتظر الأذان، فتسمع تهنئة من شركة أخرى بالافطار!! ثم الأذان.. يكاد الخشوع يطير منك فتستدعيه.. تعال يا خشوع.. أرجوك يا خشوع!! ولا فائدة.. وتفاجأ بعدها بإعلان من شركة مقاولات أخرى ثم شركة اتصالات وأنا هنا لا أتحدث عن محطة إذاعة خاصة بل أشير إلى محطة الإذاعة الرسمية التى لا تهدف إلا الربح، ولا الخسارة بالطبع. وإعلامنا يخسر مئات الملايين كل عام فلن تفيده كثيرا فى تعديل الميزانية تلك الاعلانات فى غير وقتها وتنتظر فوازير رمضان التي اعتدنا عليها فى شبابنا وهو ماض سحيق فنجدها قد حذفت ولم تشرح لنا الاذاعة سبب ذلك، هل هو مرض السيدة آمال فهمى، أم لأنها احتجت فى شىء من الحدة على عدم تكريمها في إحدى المناسبات؟! أعيدوها وكرموا صاحبتها فهى ونحن نستحق ذلك، بعدها يفاجئنا الراديو بمسلسل سياسى، وأنت تتناول الإفطار رحم الله مسلسلات فؤاد المهندس وشويكار والمعلم رضا مع صفاء أبوالسعود.. بهجة وسعادة وليس قتامة وكآبة أما (ثانية) الأثافى فهى أن تقدم برامج تليفزيونية فى أثناء تناول الإفطار. المهم أنك تجلس مع أسرتك فى أيامنا هذه تحاول التواصل فإذا بالكل.. الشوكة والسكينة فى يديه يظلط الأكل وأذناه.. بل و عيناه على الراديو والتليفزيون، وإذا تجرأ الوالد على بدء جملة مفيدة.. صدمته.. هش طويلة، واستنى يا بابا المسلسل بدأ، وبعد أن ينتهى الكل من «لكلكة الافطار» يسرعون إلى مفرق الجماعات.. التليفزيون يتحلقون حوله وكأنه صار رب الأسرة!!! لا تواصل ولا مودة فى شهر التواصل والمودة. ولعل مسئولى الإعلام يعطوننا فترة سماح فى أثناء الإفطار، وبعده بقليل تقتصر على بعض الأدعية عالية المستوى للنقشبندى وطوبار والأغانى الخفيفة.. هل تذكرون «الراجل ده هيجننى» لشويكار والمهندس.. فترة نلملم فيها ما تبعثر من شمل ومحبة وصداقة أضاعها الانشغال فى سباق أكل العيش اللاهث طيلة ال 11 شهرا الماضية وكان رمضان ببركاته فرصة لاستعادتها. دعوا لنا جلسة الإفطار حتى نعيد القوة لها لما ترهل من روابط وألفة أسرية نسيها جيلنا من زمن بعيد ورمضان كريم. د. خليل مصطفى الديوانى