تحية تقدير واحترام واجبة لصناع الدراما السورية علي هذا الموسم الرمضاني المفعم بالأفكارالناضجة، ووسائل الإبهار الفني البديع، علي قدر صعوبة أجواء التصوير تحت القصف والدمار والتشريد القادم من جحيم التحولات الكبري التي أصابت بوابة العرب الشرقية في مقتل. صحيح أن السوريين قد برعوا - دون سواهم من العرب - في موجة "الدراما التاريخية" التي رسخت للهوية العربية، وكشفت مؤامرات الغرب وإسرائيل تجاه الأمة كلها، لكن "دراما الجرأة الاجتماعية" التي عرفت طريقها إلي المسلسلات السورية خلال السنوات القليلة الماضية استطاعت أن تزيد من صلابة تلك الصناعة، ليحل موسم رمضان 2015 مميزا علي مستوي الشكل والمضمون، وبأكثر من عشرين مسلسلا، تعزف في مجملها علي أوتار الأزمة السياسية الحادة، بلحن جماعي جنائزي حزين تارة، وفي تارة أخري تبقي مصحوبة بالشجن والحنين، جراء الغربة وهيستيريا "داعش" وغيرها من جماعات القتل والدمار، والنهب المنظم للآثار في محاولة لمحو التاريخ. وعلي تواجد قصص الخيانة والمحرمات الاجتماعية بشكل مباشر وموسع يمتد لثلاثين حلقة، لكنها تظل أسيرة الهم السياسي، حيث يتم من خلالها استعراض تفاصيل الخيانات ومسبباتها والأمراض الاجتماعية الناتجة عنها في زمن الحرب والدمار، كما في مسلسل "شهر زمان" الذي يحكي قصة "جوري" ديمة قندلفت، التي تقرر الطلاق بعد زواجها بسبب ما أصابها من عنف زوجي، إضافة لاكتشافها أن زوجها والذي يجسد دوره الفنان وائل رمضان، أحد الذين تاجروا بالدم السوري ويلعب مع جميع الأطراف لتحقيق مصالح شخصية. وفي "عناية مشددة" التي تدور أحداثها في دمشق بين 2013 و2014، إضافةً إلي اللاذقية وبيروت، تبدو الحقيقة المرة من خلال يوميات المواطن السوري في كل يوم جديد، بحسب الأحداث وفي ظل التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية الحادة والأحداث الدامية التي تختلط بحكايا وقصص الحب. لكن الصورة المأساوية تبدو أكثر في " إمرأة من رماد" لنجدت أنزور، وبطولة سوزران نجم الدين أو "جهاد" التي تفقد ابنها بقذيفة هاون، فتطل عليك الأزمة السوريّة من زاوية البشر، وما تعرّضوا له من تحطيم نفسي، وما عانوه من شروخ اجتماعيّة، جراء الخطف والإرهاب والحب والخيانة والزواج بين أبناء طوائف مختلفة، فضلا عن والهجرة والإصرار علي البقاء. وحتي حين تصل محطتي "العراب" المأخوذ عن الرواية العالمية الشهيرة بنفس الاسم ل "ماريو بوزو"، سواء كانت من إخراج حاتم، وتأليف رافي وهبي، وبطولة جمال سليمان، أمل بوشوشة، باسل خياط، باسم ياخور، قيس الشيخ نجيب، أو كانت للمخرج المثني صبح، وبطولة : سلوم حداد، عاصي الحلاني، سلافة معمار، نسرين طافش، عبد المنعم عمايري، ربما لاتبدو ثمة إسقاطات سياسية للوهلة الأولي، لكنك حينما تكون أمام شخص هاجسه الأساسي الانتقام، رغم ما لديه من امبراطورية ضخمة من المال والسلطة تخفي وراءها ألغازاً كثيرة تعكس محنته الكبري نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، فإن هذا يعني بالضرورة رصد واقع التغيرات السياسية التي طرأت علي المجتمع السوري في لحظته الآنية. ولعل مسلسل "غداً نلتقي" الذي يلعب بطولة العمل كوكبة من نجوم الدراما السورية "رشيد عساف، مكسيم خليل، عبد المنعم عمايري وكاريس بشار" هو الأكثر تجسيدا للحظة الأنية، حيث تدور أحداثه حول الحرب والحب والموت والخوف، وتبدو السخرية من الذات والآخرين، وإعادة اكتشاف الذات والآخر، من خلال مجموعة من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في مدرسة في إحدي المناطق اللبنانية، كما يرصد في الوقت ذاته مجموعة من الشخصيات التي هربت من جحيم الحرب بعد أن خسرت كل شيء تملكه وأصبحت تتمسك بالقليل الذي تتوهم أنها ما زالت تملكه. وعلي ذات الدرب مسلسل "بانتظار الياسمين" بطولة: سلاف فواخرجي، غسّان مسعود، صباح الجزائري، أيمن رضا، شكران مرتجي، محمود نصر، إخراج سمير حسين وتأليف أسامة كوكش، فرغم الحميمية والحرارة بين السوريين، يبقي حال المهجرين وسط الأزمة القائمة والحرب الدائرة رحاها حالياً هو الفعل المشين ذاته لثلاثين شخصية في قلب الحياة بكل تناقضاتها من حبٍ وخوف، وأفراحٍ وأتراح، وشبعٍ وجوع. ربما ترتاح قليلا بالغوص في الحنين للماضي في مسلسل "حرائر" من تأليف عنود الخالد، وإخراج باسل الخطيب وبطولة "سلاف فواخرجي، أيمن زيدان، رفيق سبيعي، مصطفي الخاني، صباح جزائري، ندين سلامة" باعتباره عملا تاريخيا ، تدور أحداثه في مستويين، الأول تاريخي وتوثيقي، والثاني افتراضي يسلط الضوء علي نساء رائدات في المجتمع السوري، وأحداثه تدور بين عامي 1915، و1920، خاصة أنه بمثابة تحية للدور التنويري الذي قامت به المرأة السورية التي كانت تعيش في تلك الأيام، وربما الأجواء نفسها تلمسها في "طوق البنات – ج 2" من تأليف أحمد حامد، وبطولة "رشيد عساف، مني واصف، جهاد سعد، فاديا خطاب، ديمة قندلفت، ليلي جبر، وقد تحصل من خلالها علي إجابات لكثير من الأسئلة التي بقيت في أذهان الناس من الجزء الأول حول مصير الشخصيات الأساسية للعمل، كزواج "الكولونيل فرانس" من "مريم"، وعودة "مال الشام" لحضن أهلها، ونفس الأثر ذاته يمتد حين تقف علي "باب الحارة- ج7" الذي اعتمد صناعه علي مراجع تاريخية وتوثيقية تجعله أكثر واقعية، وهو حتما يجعلك تشعر بفخر الدراما الشامية في تجلياتها للتأكيد علي الهوية السورية، بفضل عذوبة أداء عباس النوري، صباح جزائري، أيمن زيدان، جهاد سعد ، مصطفي الخاني، ميلاد يوسف، ميسون أبو أسعد، مرح جبر، كندا حنا. وعلي الرغم من قتامة المشهد الدرامي السوري في همه العام، هناك من لديه إصرار علي رسم البسمة وسط الأسلاك الشائكة، كما في "أهلين جارتنا"، ذلك العمل الكوميدي الخفيف، الذي يجسد دور البطولة فيه شخصيتان أساسيتان هما "ريم عبد العزيز، تولاي هارون"، وكذلك مسلسل "وعدتني يا رفيقي"، من تأليف رازي وردة، وإخراج إياد نحاس، وبطولة كل من"طلال مارديني، خالد حيدر، فاتح سلمان، يحيي بيازي، لمي إبراهيم، مروة أحمد، خلود عيسي. وها هي أمل عرفة، في "دنيا 2015" تقدر أن تكون تلك الشابة السورية الفضولية والثرثارة، الطيبة صاحبة النخوة، أن تؤكد علي وجود كل هذه الصفات المجتمعة في شخصية واحدة، تجسدها ، و التي جعلت من "دنيا" منافساً قوياً أمام معظم الأعمال الكوميدية التي سبق وقدمتها الدراما السورية.