أصدر «ريشار جاكمون» - المترجم وأستاذ الأدب العربى بجامعة «آكس ان بروفانس» الفرنسية - مؤخرا الترجمة الفرنسية لرواية صنع الله ابراهيم «الجليد» ضمن سلسلة سندباد, التى خصصتها دار «اكت سيد» الباريسية منذ أكثر من أربعين عاما للتعريف بالتراث الشرقى والابداعات العربية المعاصرة. وجدت رواية الجليد طريقها للترجمة فى زمن قياسى , فقد صدرت نسختها العربية منذ أربع سنوات فقط حيث صدرت عام 2011, وهو زمن قياسى يستدعى التأمل فى مسيرة صنع الله ابراهيم الابداعية وانتاجه الأدبى الذى ارتقى إلى مصاف العالمية . تدور أحداث الرواية عام 1973 وهو تاريخ مهم وحاسم للمصريين والعرب, إذ انقلب فيه الكثير من موازين القوى فى العالم وتغيرت فيه خريطة العلاقات السياسية, ووقع الكثير من الهزات العنيفة لليسار العربى. والرواية فيها كناية ترمز للحياة السوفيتية فى مطلع عقد السبعينيات وقبل أن تنشق وتنهار فى أضخم سقوط ايديولوجى شهده التاريخ المعاصر ويرصد فيها صنع الله ابراهيم مقدمات ذلك الانهيار, من منظور محكم لطالب دكتوراه مصرى يقيم فى بيت الطلاب بموسكو ويكتب ما يشبه يوميات, بذكاء ابداعى يكرس فيها اسلوبا وثائقيا سرديا . فى المجلس الثقافى الفرنسى وبحضور ريشار جاكمون مترجم الرواية والمسئول عن قطاع الترجمة بالمركز (ترجم العديد من الأعمال العربية إلى الفرنسية وكانت اولى ترجماته إلى الفرنسية لرواية دوائر عدم الامكان لمجيد طوبيا عام 1985) نُظمت ندوة بمناسبة صدور الترجمة الفرنسية لرواية الجليد بحضور المؤلف الروائى صنع الله ابراهيم , وبدأت الندوة بسؤال وجهه مترجم الرواية ريشار جاكمون لصنع الله ابراهيم: لماذا الآن ؟ ولماذا انتظرت كل هذا الوقت ؟ بدأ الكاتب حديثه عن العلاقة التى تجمعه بريشار فقال: إنها علاقة ممتدة وطويلة تتجاوز ال 28 عاما, كانت حافلة بالنقاشات والحوارات الدائمة التى تعتريها الخلافات احيانا , لأن المترجم متعصب لفرنسيته كما انا متعصب لمصريتى, مشيرا إلى أن هذا يُحدث مشاكل ولكن التواصل فيما بينهما للاطلاع على ما يجرى فى مصر وفرنسا جعل علاقتهما تتوطد اكثر وتستمر. واضاف: من حسن حظى أن ريشار اهتم بأعمالى, وهو يفهم المجتمع المصرى جيدا وزار أماكن عديدة ودخل أماكن تعاطى المخدرات وعاش عوالمهم واستطاع أن يفهم ما يدور فى سيكولوجية الشعب المصرى. ثم أجاب صنع الله ابراهيم على سؤال جوكمان قائلا: إنه كان فى موسكو عام 73, ومر منذ ذلك الوقت وحتى الآن حوالى 40 عاما, لكن الاجابة على سؤال «لماذا الآن» صعبة جدا, فمن يعمل فى الكتابة والأدب لايستطيع بالضرورة التعبير فى حينه أو وقته, لكن هناك عشرات العوامل التى تتدخل, منها المزاج النفسى, الطقس, والظروف المحيطة, السياسية والاجتماعية وحتى الشخصية, تؤثر فى الكاتب, واستطرد: أنا شخصيا طالما أتحرك وأقرأ وأكتب وأتنفس وأحب وأسافر أسجل لنفسى أفكارى ومشاعرى وما يدور من حولى, مثلا لماذا الأوضاع سيئة أو متدهورة؟ ولماذا الناس مكتئبة او سعيدة.. الخ, وهى أسئلة تكون بالنسبة لى بمثابة بحث استقصائى , وتتمخض عنه ملاحظات أسجلها سواء ما أعايشه أو يدور من حولى, ثم أحتفظ بها حتى تأتى اللحظة المواتية, قد يحدث ذلك بعد شهر أو سنة أو أكثر , وفى مناسبة ما تحدث, تعود لذاكرتى أحداث بعينها فأكتب, وبالتالى من غير المستغرب أن أسجل ملاحظات وأفكارا ومشاعر حول فترة معينة وأحتفظ بصور ومشاهد لذلك البلد الذى عشت فيها, بما فيها المصطلحات الشائعة وهكذا, ثم أستخدمها أدبيا بعد ذلك بسنوات . واشار صنع الله ابراهيم إلى أن ذلك ينطبق على روايته «الجليد» التى خرجت يوم 20 يناير 2011, ثم رواية «برلين» التى خرجت عام 2014, مدللا على أن العامل الأساسى الذى دعاه للعودة إلى تلك الفترة يمكن أن يكون إحساسه بأنه لا يستطيع فعل شىء آخر, أو أنه لا يستطيع التعبير عما يعايشه الآن . وأضاف أن التجربة السوفيتية أو التجربة الالمانية تتناولان موضوعا مهما جدا, مثلا محاولة وضعت العالم فى اختبار تحقيق افكار معينة مثل الاشتراكية, المساواة.. الخ وحتى ان فشلت تلك المحاولة فهذا لا يعنى انتهاءها, وهذا ينطبق على الوضع فى مصر وما يجرى الآن من أحداث متلاحقة, الأمر الذى جعلنى أتأمل داخلى ودفعنى للعودة للتجربتين الالمانية والسوفيتية بالذات العامين الماضيين .