"دون كيشوت"..بطل رواية تحمل اسمه غيرت من شكل الرواية الأوربية، كما أثرت علي الفنون بشكل عام، فرسم لها الرسام الإسباني "بيكاسو" لوحته المشهورة، والتي تبين دون كيشوت وهو علي حصانه الهزيل، وفي يده سلاح يلوح به أمام طواحين الهواء، ومعه تابعه, وهو أيضاً علي حماره الضعيف. وكذلك تم تقديمها في عدة عروض باليه وأفلام كارتون وأعمال درامية اُقتُبست أحداثها منها. وإحتفالاً بمرور 400 عام علي صدور الجزء الثاني من هذه الرواية, التى أبدعها "ميجل دي سرفانتس"، نظم صالون الأوبرا الثقافي, بالتعاون مع معهد سرفانتس الإسباني بالقاهرة, ندوة "دون كيشوت في الدراما المصرية"، بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية، وكان ضيوفها المخرج محمد فاضل، والمترجم د.علي منوفي، وأدارها الفنان أمين الصيرفي. بدأت الندوة بكلمة "أمين الصيرفي" مدير الصالون، وتعريفه لرواية دون كيشوت، ، حيث ذكر أن الجزء الأول منها ظهر عام 1605، والجزء الثاني 1615، وأوضح أن النقاد اختلفوا في تصنيفها: هل هى دراما حزينة أم ساخرة أم واقعية؟ ، وتساءل هل دون كيشوت إنسان موهوم أو مريض نفسياً، أم هو شخصية باحثة عن الخير؟ ثم قدم "الصيرفي" "إدواردو كالبو جارثيا" مدير معهد سرفانتس، الذي ألقي كلمة حيا فيها الحاضرين، وأثني علي الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة والمخرج محمد فاضل لاستلهامهما العمل الخالد فى مسلسل هو"رحلة السيد أبو العلا البشري". وذكر مقولة الناقد الأدبي الروسي "بيتر تشايكوفسكي" عن تلك الرواية: "دون كيشوت تعلمنا معني الحياة، وهي أحد أشكال السعادة، وقد استطاع سرفانتس أن يحقق ذلك عندي". وأوضح "جارثيا" أن أعلي درجات الذكاء من وجهة نظره أن تجعل معاني الرواية تنتشر داخل سياق الحكى، وببساطة تجعل كل إنسان يشعر بأنه هو دون كيشوت. وتحدث بعد ذلك د.علي منوفي، فقال إن أي عمل أدبي عظيم قابل لعدة تأويلات في كل لحظة وكل زمان ومكان، لذلك تمت قراءات نقدية متعددة للرواية في العالم. وعندما نفدت الطبعة الأولي منها، تم طبعها مرة أخري أربع مرات في أوروبا، ثم نُقلت إلي امريكا، وطُبعت كذلك مرات كثيرة، كان منها طبعات غير قانونية. وذكر منوفى أن سرفانتس عندما ألف الجزء الأول كان يبلغ من العمر 57 عاماً، مر خلالها بحياة تتسم بصعوبة شديدة، وعمل في أكثر من مهنة، وكانت لديه روح المنافسة واضحة مع كبار أدباء المسرح ، وأوضح أن هذه الحقبة التاريخية كانت تركز فيها الأعمال الأدبية على إرضاء الإمبراطور الإسباني، وهذا خلق ما يسمي بأحادية الرأي، وهو ما حاول سرفانتس أن يغيره. وأشار إلي أن هذه الرواية وُلدت في جو سياسي غاضب، واعتبرها الكثيرون نقدا لأدب الفروسية، وهذا ليس صحيحا, حيث إن هذا النوع من الأدب كان قد انتهي أمره، وبدأ ظهور روايات الصعاليك التي تسخر من طبيعة المجتمع الإسباني، فكان سرفانتس يدخل في منافسة وصراع مع هذا النوع من الأدب، وروايته تعبر عن الحزن والألم عن طريق الضحك الساخر. وذكر "منوفي" أسماء من قاموا بترجمتها في مصر: وهم عبد الرحمن بدوي، سليمان العطار،ورفعت عطفة، وأشار إلي أن أول ترجمة لها كانت جزائرية, عام 1928، وكان سرفانتس قد اُسر في الجزائر لمدة خمس سنوات، ويوجد حي شعبي في الجزائر يسمي حي "سرفانتس"، وأكد أن الترجمة تكون إلي حد كبير وجهة نظر للمترجم ولكن تعتمد علي النص. ثم بدأ المخرج محمد فاضل حديثه بعرض مقدمة مسلسل "أبو العلا البشري (غناء الفنان علي الحجار)، فأضفي نوعاً من البهجة علي الحاضرين. ورجع فاضل بذاكرته إلي الخلف عندما قرأ الرواية أول مرة ، وكان في المرحلة الثانوية، وظلت في ذاكرته حتي أتيحت له فرصة تقديمها في عمل، وأثني علي الراحل "أسامة أنور عكاشة" الذي استطاع أن يقدم نوعا جديدا من الأدب اسمه الأدب التليفزيوني، حيث كانت الدراما التليفزيونية قبله خليطا من دراما إذاعية مع مسرح مع لمحات من السينما، حتي تطورت الدراما التليفزيونية فأصبحت عبارة عن أحداث ومشاهد وحركة وتصوير خارجي، ولكن "عكاشة"استطاع أن يحقق طفرة تسمي بالأدب التليفزيوني المستقل بذاته. ولذلك لا يستطيع أي مؤلف أن يقدم رواية دون كيشوت مثلما فعل أسامة انور عكاشة في مسلسل "أبو العلا البشري"، فهو لم يلتزم بالتفسير الشائع لدون كيشوت, المتمثل في فارس بسيف خشبي يحارب طواحين الهواء، وهو تفسير ظل ينتقل من أجيال إلي أجيال، ولكن عكاشة تناول الشخصية من وجهة نظره كأديب، وقد وضعنا في مقدمة المسلسل اللوحة الشهيرة للرواية للإشارة إلي اقتباسنا منها في أحداث المسلسل، وفي عنوان المسلسل وضعنا لقب "السيد" مقابل للقب "دون" في الرواية، ومن المصادفات التشابه كذلك بين العملين فى أن المدة التي كانت بين جزءي المسلسل وهي عشر سنوات، هي نفسها المدة التي كانت بين جزءي الرواية. وأوضح "فاضل" أنه لاحظ في الصفحة الأولي من الرواية ما نطلق عليه الآن احترام الملكية الفكرية والأدبية، وهي موافقة كتابية من ملك إسبانيا في ذلك الوقت بأن هذه الرواية تُطبع فقط لمؤلفها سرفانتس ووضع غرامة مالية كبيرة على من يقوم بطباعتها بدون إذن المؤلف. وأشار فاضل إلي أن سرفانتس كان يتناول الفروسية بطريقة لم تكن موجودة في ذلك الوقت، وتساءل هل كان يسخر في روايته من الفروسية؟ وأجاب أن ذلك قد ظهر في جزء حرق أصدقاء كيشوت لكتبه واتهامها بأنها هي التي دمرت عقل "دون كيشوت". وأضاف "فاضل" أنه يعتقد أن "عكاشة" قد سار علي نهج سرفانتس في هذا الصدد، عندما جعل "أبو العلا البشري" يثور علي نفسه ويلقي بكل الكتب عندما شعر إنها لم تحقق له شيئاً. ويري "فاضل" أن "سرفانتس" يدعو من خلال عمله لشئ مهم جداً، وهو التحريض علي التفكير ، فنحن قد نراه متعاطفا مع شخصية دون كيشوت في بعض الأحداث، وفي أحداث أخري نراه ضده، ولكننا في مسلسل "أبو العلا البشري" جعلنا المشاهد يحب البطل طوال الأحداث ويتعاطف معه، كما يرى فاضل أن سرفانتنس كان يستخدم شكل المسلسل أحياناً، فهو قد ترك نهاية فصل من الفصول معلقة، ثم استكملها في فصل تال. وتساءل "فاضل" عن شخصية "سيدي حامد بن علي" فى الرواية، وما المقصود بها فقال إنها تحتاج إلي دراسة لمعرفة هويتها، وهل هو شخصية حقيقية أم افتراضية. وفي نهاية حديثه ذكر المخرج محمد فاضل أن شخصية دون كيشوت أصبحت من الشخصيات الهامة، التي تُطلق علي نظريات في علم النفس، ويستخدم للتعبير عن نمط معين من الطبائع الإنسانية. وفي ختام الندوة تم عرض جزء من باليه دون كيشوت، تحدثت بعده راقصة الباليه "سحر حلمي"، فأشارت إلي أن أول عرض له كان في القرن 19 في مسرح البولشوي في روسيا، ، وتم فيه مزج رقص الفلامنكو مع الرقص الكلاسيكي، وأوضحت أن الرواية تختلف عن الباليه، حيث أن اللغة الحركية والموسيقي هي أهم ما يميز الباليه، وذكرت أن باليه دون كيشوت من أعظم عروض الباليه في العالم ولا يزال حتي الآن يُقدم.