تحت عنوان "الهوية في الآداب والفنون الإفريقية" نظم المجلس الأعلى للثقافة الدورة الثانية لملتقى القاهرة الدولي لتفاعل الثقافات الإفريقية ، تحت رعاية الدكتور عبد الواحد النبوي وزير الثقافة؛ و أمين عام المجلس الأعلى للثقافة الدكتور محمد عفيفي, و بمشاركة حوالي 100 باحث ومفكر من ثلاث وعشرين دولة إفريقية. بدأت فعاليات الملتقى في صباح الاثنين 1 يونيو الحالى, واستمرت على مدار ثلاثة أيام بمقر المجلس الأعلى للثقافة. بدأت فعاليات اليوم الأول بحفل الافتتاح ثم الجلسة الأولى التي أدارها معلمو سنكورو و شارك بها حيدر إبراهيم مقدماً ورقة بحثية بعنوان "الشخصية الإفريقية و تصارع الهويات" بسط فيها فكرة أن الهوية ليست جوهراً أو معطى مسبقاً بل هي تُصنع وتُكوّن اجتماعياً. وأكد أن الثقافة الإفريقية تحوى طيفا عريضا من الثقافات التي لا يمكن أن تشكل هوية واحدة، و أن المشكلة ليست البحث عن هوية ومعرفة من نحن, و لكن كيف يمكن تهيئة شروط ازدهار الثقافات الإفريقية واحترام تطورها وتنوعها. ثم قدم الأستاذ سيد فليفل ورقة بحثية بعنوان "الشخصية الإفريقية في مواجهة العولمة" الذى دعا فيه إلى مراجعة تشكيل هيكل الاتحاد الإفريقي وعقد قمة مختصة بإعادة الاعتبار للشخصية الإفريقية. وفى الجسة الثانية قدم سيمفيوي سيسانتي ورقة بحثية بعنوان "إمكانيات التعبير في الثقافات الإفريقية" موضحاً أن ثمة تصورا خاطئا سائدا عن حرية التعبير و هو أنها من سمات التعبير الديمقراطي الذي تم استيراده من الغرب إلى القارة الإفريقية و شعوبها، و أن النخب الإفريقية يحركها السعي لاحتكار السلطة حتى تتمكن من التلاعب بالجماهير، و لذلك تستغل فقدان الذاكرة الثقافي الذي تعاني منه الشعوب الإفريقية. ثم قدم دانسون كاهيانا ورقة بحثية بعنوان "الانتصار لعصر النهضة الثقافي لإفريقيا: إسهام أوكوت ببيتيك في الثقافة الإفريقية" و تناولت هذه الورقة إسهام أوكوت ببيتيك (1931- 1982) في تطور الثقافة الإفريقية باعتباره أعظم كتاب أوغندا و لعب دوراً محورياً في مناصرة الثورة الثقافية في إفريقيا، وكان ببيتيك يرى أن هذه الثورة لابد أن تبدأها القارة بتقدير مواردها الثقافية التي كانت تحتقرها النخبة المتعلمة تعليماً غربياً. واختتمت فعاليات اليوم الأول بحلقة نقاشية بعنوان "الثقافات الإفريقية وحساسية التاريخ" تحت رئاسة الدكتور أنور مغيث. وشهد اليوم الثاني للملتقي جلسة الآداب الإفريقية التي تحدث فيها الشاعر شعبان يوسف عن تاريخ التعريف بهذا الأدب في اللغة العربية فقال إن الأدب الإفريقي لم يكن معروفًا بأي شكل من الأشكال في عقود ما قبل الخمسينيات, وعندما نقول الأدب الإفريقي نعني الأدب الذي يمثل الأفارقة في نيجيريا وغينيا والسنغال، كأمثلة للتعبير عن العمق الإفريقي. كما تحدث يوسف عن الشعراء والكتاب الذين اهتموا بتعريف الأدب الإفريقي مثل الشاعر الراحل محمد الفيتوري الذي عمق فكرة هذا الأدب بعد ما حمل علي عاتقه القضية الأفريقية كقضية محورية في النضال التحرير الأفريقي. وتحدث الدكتورأحمد مجاهد فى جلسة أخرى عن الشعر والهوية فقال إنه لا يوجد شيء اسمه الهوية الإفريقية ولكن هويات, وهذا ليس تناقضا بل تنوع وثراء، ومن خلال البحث لم يجد شاعرًا مصريا كتب قصيدة عن إفريقيا أو الهم الإفريقي عدا قصيدة واحدة لأحمد عبد المعطى حجازي، تناول فيها مقتل لومومبا. وتساءل مجاهد كم كاتبا إفريقيا جاء إلى مصر وكم كاتبا ترجمت أعماله فى مصر؟ بل وكم كاتبا مصريا جاء إلى مؤسسات النشر وطلب أن تترجم أعماله إلى لغات إفريقية؟ موضحاً أن علاقتنا بإفريقيا ليست مصالح فقط لكنها علاقة وجود. ولكي نخطو بشكل ثابت نحو هذا التعاون ستشارك مصر لأول مرة في معرض إثيوبيا للكتاب الذى ينعقد خلال الشهر الجاري. وعن اللغة والهوية والوحدة الإفريقية تحدث موجي مولوكوزي قائلاً: افريقيا هي القارة الوحيدة المقسمة إلي كتل تحمل عناوين لغوية، فهناك إفريقيا الناطقة بالفرنسية، وإفريقيا الناطقة بالإنجليزية، وإفريقيا الناطقة بالبرتغالية، باعتبار هذه التقسيمات هويات مقبولة، لكننا نادراً ما نسمع عن إفريقيا الناطقة بالسواحلية أو العربية أو الهاوسا. لقد سعي المستعمر الأوروبي في فرض ثقافته علي افريقيا ليفقدها شخصيتها وحضارتها وخصوصيتها. وهذا أيضا ما اوضحه محمد علي نوفل من خلال ورقة بحثية دعا فيها إلى تعزيز اللغات الإفريقية، وخاصة التي تتمتع بالانتشار الواسع حتي تأخذ اللغات الوطنية محل اللغات الأجنبية. وفي هذا الصدد القي عمر عبد الفتاح الضوء علي الدور الذي لعبه الشعر الأمهري في ترسيخ الهوية الوطنية في إثيوبيا، وذلك من خلال استعراض عدد من القصائد الأمهرية المعاصرة التي عالجت وتناولت هذه القضية. كما أوضح عزوز علي إسماعيل من خلال بحثه "التعددية الثقافية وبناء الهوية الافريقية أن التعبير عن واقع الحياة هو مسئولية الأدباء والكُتاب, لأن الأدب هو التعبير عن الحياة؛ وتساءل لماذا لا نجد في الأدب الافريقي الأعمال الإبداعية التي تصف ما يدمي القلب عن مذابح دارفور؟ وفى اليوم الثالث للملتقى تحدثت الكاتبة الصحفية اسماء الحسيني المتخصصة في الشئون الإفريقية عن أحوال النساء في إفريقيا وانعكاساتها علي الإبداع في مجالي الفنون والآداب, فقالت ان هناك تباينا فى المنتج الادبي والثقافي النسائي من دولة الي اخري حسب ظروف الدولة واتصالها بالعالم الخارجي وأن الآداب والفنون في افريقيا لا تقتصر علي الاشكال المعروفة في الدول المتقدمة, فهناك كثير من الإبداعات في إفريقيا هي نتاج الفطرة والبيئة سواء كانت من إبداع المرأة أم من إبداع الرجل .وأكدت أنه رغم عدم ظهور الأديبات الإفريقيات بشكل بارز علي المستوي العالمي, إلا باستثناءات قليلة مثل الاديبة الافريقية نادين جورديمر الفائزة بنوبل للآداب 1988 فهذا لا ينفي ان عددا كبيرا من قصص التراث والامثال الشعبية والمراثي والحرف اليدوية تشارك في ابداعها النساء الافارقة. وأضافت ان المرأة هي التي تدفع ثمن النزاعات والنزوح والاوبئة الأمر الذي ينعكس علي كتابات وابداعات الاديبات الافارقة . وقالت الباحثة إيمان مهران- في كلمتها حول دور المرأة الافريقية في تنمية الحرف التقليدية –ان المرأة نجحت في الحفاظ علي العمل الحرفي مشيرة الي التنوع في تجربة المرأة في جنوب مصر مما ساهم في استمرار هذه الحرف التي تعتبر جزءا من سمات المحافظة علي التراث. كما اشارت الباحثة جيهان جاد- في كلمتها حول "دور الأدب الإفريقي فى مواجهة عنصرية البيض في زيمبابوي "- إلي تعدد أشكال المقاومة من حمل سلاح الي تأليف رواية أو غناء أغنية حماسية بسيطة أو إلقاء قصيدة للتعبير عن ظلم البيض لإشعال الحماسة في قلوب الأفارقة المحاربين وحثهم للانضمام للحرب.كما عبر الشاعر الإفريقي "فريبورن ميورندا" في قصيدة بعنوان "أصداء عقلي الإفريقي "عن الانتهاكات العنصرية. واكدت الشاعرة الغينية زينب ديالو في بحثها حول "أي شعر للطفل العربي" ان قليلين هم من يقدم علي الكتابة للصغار .واكدت ضرورة خلق مجال شعري خاص بالطفل وانتاج مزيد من القصائد للصغار .واضافت انه ينبغي علي شعراء الاطفال ان يضعوا في حسبانهم بما يكفي مشكلة اللغة والاهتمام بمصالحة الطفل مع عالمه المألوف بجعله يكتشف القيم العميقة لثقافته. وفي جلسة التوصيات الختامية تضمن البيان الختامى 12 نقطة، أولها تأكيد الجهات المعنية أهمية انعقاد هذا الملتقى كل عامين . وأوصي بأهمية دعم كافة أشكال الحوار بما يتضمن ذلك من مؤتمرات متخصصة وورش عمل ومهرجانات, علي أن يتم ذلك في إطار تكاملي بين الآداب والفنون وتحقيق المعرفة العلمية .وأوضح اهمية إعداد مختلف الموسوعات العلمية والثقافية والتى تنطلق من ضرورات قضايا التاريخ الإفريقى والحساسيات المرتبطة بكتابته. وطالب الملتقي بتفعيل دور الشباب فى الإنتاج الثقافى والأدبي والاستجابة الرشيدة إلى طموحاتهم لما قاموا به من إحداث تغيير فى الأجواء السياسية والإجتماعية والثقافية. كما أوصي بإنشاء متحف حضارة متنوع ومراكز بحثية تدعم عمليات الدراسات العلمية الضرورية وتوثيق الوقائع الثقافية لشعوبنا، بالإضافة إلي أهمية توفير الموارد المادية وتشجيع الإمكانيات البشرية لنشر إبداعات مختلف الثقافات وتيسير توزيعها على البلدان الإفريقية. وطالب.بالعناية بكل الآليات الضرورية التى توفر ترجمة الأعمال الأدبية والفنية وبالوسائل الحديثة لمختلف اللغات الوطنية الإفريقية, بالإضافة الي عدم الفصل بين قضايا الثقافة والإعلام باعتبار تأثيرهما الكبير فى تكوين الشخصية، والحفاظ عليها ضد مخاطر العولمة. وأوصي المشاركون بإطلاق حرية التعبير فى مجالات الفنون والرأى باعتبار ذلك ليس مجرد مطلبً سياسيً ولكن لأنه معطى من معطيات الهوية الإنسانية والتقدم الانساني .كما شدد المجتمعون على إقامة إدارات للعلاقات الخارجية فى الدول الإفريقية المختلفة لتيسير الاتصال والعمل المشترك والتقاء المثقفين .