البدايات دائماً سر نجاح النهايات. والعمل العظيم يبدأ بتمهيد ثم تدريب. والنجاح في الفوز بثمرات العبادة يكمن في حسن الاستعداد لها، وتهيئة النفس لمتطلباتها.. فالصلاة مسبوقة بحسن وضوئها، وترقب وقتها، وإتمام خشوعها، وقيامها، وركوعها، وسجودها، بعد أن تكون قد قُدمت بين يدي الفريضة منها: النافلة، وبخاصة بالنسبة لفرائض: الصبح، والظهر، والعصر . وكذلك شهر "رمضان" العظيم إذ يسبقه "شعبان" الكريم، فيكون مقدمة طيبة له، بما يحوى من برنامج تدريبي مكثف، وحث علي الصيام، وقراءة القرآن، وإخراج الصدقة، وصلة الرحم، وأعمال الخير كافة.. رائدنا في ذلك رسول الإسلام، وصحابته الكرام .
ولعلها لفتة كريمة من رب العزة إلي فضل شهر شعبان، بأن أنزل فيه فريضة صوم رمضان، إذ قال تعالي: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".( البقرة: 183﴾.
فافترض سبحانه بهذه الآية صيام رمضان علي أهل الإيمان، والإسلام.. وكان ذلك في شعبان، ومن هنا حرص رسول الله علي صوم أكثره، فعن عائشة قالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله".(متفق عليه). وفي رواية: "كان يصوم شعبان إلا قليلاً". (مسلم).
وفي "شعبان" نتذاكر أيضا حادثة تحويل القبلة في السنة الثانية للهجرة، إذ قال تعالى: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ".(البقرة:144).
هذه الحادثة جاءت تأكيداً لتميز الأمة، وترسيخاً لاستقلالها، وإثباتاً لشخصيتها الفريدة.. بأن تكون لها القبلة التي لا تشاركها فيها أمة أخرى .
ونتذاكر كذلك في "شعبان" مكانة رسولنا في ديننا، إذ أنزل تعالي في حقه هذه الآية الكريمة، تشريفاً له: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا". (الأحزاب: 65) .
وعلى مستوى الأعمال الصالحة، رُوى عن أنس أنه قال: "كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا علي المصاحف فقرأوها، وأخرجوا زكاة أموالهم، تقوية للضعيف، والمسكين، علي صيام رمضان".
وكان جماعة من السلف يقولون: "شعبان شهر القرآن"، مكثرين من الصدقة علي الأرحام، والأيتام، وأهل العوز، والحاجات .
أخيرا، فليكن لنا في سيرة المصطفي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، قدوة وأسوة، ودليل عمل، وسبيل رشد، في شهر شعبان، فلعلنا لا ندرك رمضان، فنُكتب من الفائزين فيه، بنياتنا الصالحة، وأعمالنا السديدة فيه. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد