لما كانت كنيستنا المصرية العرقية متمسكة بالتعاليم التي وضعها لها آباؤها الأولون فقد ظلت محتفظة بمبدأ انتخاب بطاركتها من بين الرهبان. حدث في القرن الثامن الميلادي في عهد البابا خائيل الأول(743 767 م) البطريرك46, أن أراد أحد الملوك أو الولاة في إنطاكية أن ينقل أحد الأساقفة من كرسيه إلي كرسي إنطاكية الذي خلا بوفاة صاحبة, عارض الأساقفة هذا النقل, وقالوا لا يجوز أن يكون الأسقف بطريركا. فأرسل هذا الملك إلي البابا يامره بإرسال أسقفين لإتمام هذه الرسامة, ويتوعده إن خالف أمره, ولكن البابا وجد أن الأمر جد خطير, فيقول الأنبا ساويرس أسقف الأشمونيين وكاتب كتاب سير بطاركة الكنيسة القبطية وهو من آباء القرن العاشر الميلادي:( فجمع البطريرك الأساقفة بالصعيد والوجه البحري والكتاب واعتكفوا علي دراسة القوانين), كان إذا طلبا مخالفا للقانون والتقاليد, وفوض المجمع الكبير الأمر للبابا, فأجاب البابا علي رسالة الملك في شجاعة واستعداد لتحمل المسئولية مهما كانت النتائج:( السيف أو النار أو الرومي إلي إلي الأسد أو النفي أو السبي فما يقلقني ولست أدخل تحت ما لا يجوز ولا أدخل يجوز حرمي الذي كتبته بخطي وبدأت أن لا يصير اسقف بطريركا, فكيف يجب أن أحرم نفسي وأحلل اليوم ما حرمته بالأمس وما أنكرته أمس أرضي به اليوم وما أنكره الأنبا مينا(767 775 م) البطريرك47 نفس الحرم. أحس البابا البطريرك بتأنيب ضميره لأن الغضب تملك قلبه ناحية تلميذه وسكرتيره الراهب مرقس, فبعث برسالة إلي شيخ قديس متوحد في منطقة البرلس يعترف له بما حدث منه نحو سكرتيره الراهب مرقس. فكان رد الشيخ المتوحد:(الأولي بك أن تفرح لمسلك سكر تيرك الراهب, لأن الله حفظه كي يجلس في حينه علي الكرسي المرقسي. ولو أنه خضع لما اخترته لن يكون مؤهلا للبابوية). فلما وصل هذا الرد إلي الأنبا يؤانس الرابع فرح فرحا عظيما وأحس بأن عبئا ثقيلا قد سقط من علي كتفه ثم بعث برسله إلي الصحراء يبحثون عن الراهب مرقس ويبلغونه أن البابا البطريرك يطلبه ليكون سكرتيره كما كان قبل هربه, لأنه أقام راهبا آخر أسقفا علي إيبارشية مصر( القاهرة) فعاد الراهب مرقس معهم وانخرط في خدمة البابا الجليل. وبعد أن أنتقل البابا يؤانس الرابع من هذا العالم, اجتمع الآباء الأساقفة والشعب وأجمعوا علي اختيار الراهب مرقس ليكون خلفا للبابا يؤانس, فأصبح البطريرك49 من باباوات الكرازة المرقسية باسم البابا مرقس الثاني(799 819 م). وهذه أدلة فقط من بين أدلة عديدة تبين لنا بوضوح أن الكنيسة القبطية قد حافظت علي مبدأ الاباء الذين شرعوا القوانين ووضعوا التقاليد في أن الكرسي المرقسي لا يجلس عليه غير الرهبان. وقد أقر الاباء هذا التقليد لا لأنهم أدركو معني العظمة الروحية وأدركوا وحدة الكرامة الأسقفية فحسب بل لأن ايمانهم بالله كان وثيقا أيضا, فهم كانوا ينتخبون الراهب(رغم وجود العلماء والقديسين والأتقياء بين الأساقفة والمطارنه) لثقتهم أن الله يعمل في الراهب البسيط ويجعل منه شخصية ممتازه ليرعي شعبه بحكمة وسداد, وفي عصرنا الحالي اكتحلت أعين المصريين بفترة بابوية الباباكيرلس السادس(1959 1971) البطريرك116 الذي كان راهبا بسيطا متوحدا مقيما بإحدي طواحين الهواء بمصر القديمة, لكن نعمة الله عملت فيه فرعي شعبه بأفضل رعاية وصار أبا ورعا لجميع المصريين. كلية الهندسة جامعة الإسكندرية المزيد من مقالات د. مينا بديع عبد الملك