ابتليت الأمة الإسلامية هذه الأيام بمن يخرجون علينا تحت زعم حرية التعبير أو حقوق الإنسان يطعنون في ثوابت الدين إلى الدرجة التي قد تصل إلى إنكار ما هو معلوم من الدين بالضررة، كحرمة الزنا، وفرضية الحجاب، حيث خرج علينا من يطالب المرأة بنزع حجابها كونه ليس واجبًا في الشريعة، أو من يدعو إلى الزنا ويطالب بتقنينه لانتفاء تعارضه مع الشريعة الإسلامية.ويجهل أن المعلوم من الدين بالضرورة هو عدد من الأمور الاعتقادية والأحكام الشرعية اتفقت أمة النبي صلى الله عليه وسلم على وجودها ووجوب الاعتقاد بها واعتبار منكرها على خطر عظيم لا يستهان به، فالعقائد أولها إيمان بالله تعالى ربًّا خالقًا أحدًا متفردًا في ذاته وفي أفعاله وفي صفاته وأنه لا يشبه خلقه بوجه من الوجوه، وثانيها الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم على أنه مبعوث من قبل الله تبارك وتعالى رحمة للعالمين وخاتمًا للأنبياء والمرسلين، وكذا الإيمان بسائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، والإيمان بالقرآن الكريم كتابًا منزلًّا بالوحي الأمين على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دستورًا خالدًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ثم الإيمان بجميع الكتب المنزلة من الله سبحانه وتعالى بواسطة الوحي الأمين، والإيمان باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. أما مجموعة الأحكام الأساسية التي تمثل القسم العملي من المعلوم من الدين بالضرورة فهي الأركان الخمسة المعروفة بالإضافة إلى ما اجتمعت عليه الأمة وتواتر نقلاً وعملاً كوجوب الحجاب على المرأة المسلمة البالغة وحرمة الزنا والربا والخمر وعقوق الوالدين وإيذاء الخلق ومشروعية الآذان ووجوب الصدق وحرمة الكذب ووجوب الوفاء بالعقود إلى غير ذلك. وهذه الأمور تمثل صلب الدين الثابت وحقيقته وجوهره الذي يربط الحاضر بالماضي ويجعل الخلف ممدود الصلة والمدد والإسناد بالسلف الصالحين ومن ثم فقد قالوا ما لم يكن يومئذ دينًا فليس اليوم دينًا، وهذا ما يصدق عليه فقط وصف المعلوم من الدين بالضرورة، هذا على الرغم من وجود كم هائل وكبير من الأحكام الشرعية في المعاملات والسياسة الشرعية والعلاقات الدولية تتغير بتغير الزمان والمكان وفقًا لمصالح العباد ومراعاة للمقاصد الشرعية وإعمالاً لمبدأ صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان. وأصحاب هذه الدعوات المريضة بدعواهم وأفعالهم ينكرون أن هناك شيئًا يسمى المعلوم من الدين بالضرورة ويعتبرون أن الأحكام الشرعية كلها بلا استثناء خاضعة للتغير بتغير الزمان والمكان، وأن الأحكام الشرعية لا تفسر ولا تفهم فقط وفق أسباب نزولها وإنما يعمل بها فقط في وقت سبب نزولها، وبزوال الأسباب تزول الأحكام وهو فهم معوج للقاعدة الأصولية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا. ولقد أُنكرت فرضية الحجاب اليوم ثم قامت من بعدها دعاوى لإباحة الزنا بل لتقنينه، وغدًا سيزعمون أن الخمر لا يوجد نص قرآني قطعي يحرمتها وبعد غد الصلاة تعطل العامل والموظف عن عمله وهكذا هلم جرًّا إلى الطعن في العقائد والإيمان بالله سبحانه وتعالى. وعليه فإنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة اعتراض على شرع الله تعالى، ومشابهة للمشركين القائلين إنما البيع مثل الربا، فقد قال ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، وهذا اعتراض منهم على الشرع، أي هذا مثل هذا. أما حجاب المرأة المسلمة فهو فرض على كل من بلغت سنَّ التكليف، وهى السنُّ التي ترى فيها الأنثى الحيض، وهذا الحكم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، فأما دليل الكتاب: فقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ)، وقال تعالى:(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)، فالمراد بالخمار في الآية غطاء شعر الرأس، وهذا نص من القرآن صريح ودلالته لا تقبل التأويل لمعنى آخر، وأما السنة ففي حديث أسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه، وقد أجمعت الأمة الإسلامية سلفًا وخلفًا على وجوب الحجاب وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة، لأن الحجاب لا يُعَدُّ من قبيل العلامات أو أشكال التمييز التي تميز المسلمين عن غيرهم، بل هو من قبيل الفرض اللازم الذي هو جزء من الدين. أما ما يتعلق بالزنا فإن أهل الملل أجمعوا على تحريمه، فلم يحل في ملة قط، ولذا كان حده أشد الحدود؛ لأنه جناية على الأعراض والأنساب، وتعدٍّ على واحد من جملة الكليات الخمس، وهي حفظ النفس، والدين، والنسب، والعقل، والمال، كما قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، والزنا كما هو معلوم من الكبائر والموبقات المهلكات. وإذا كان حال من وقع من المسلمين في هذه الفاحشة هو التوبة والندم على ما فرط في حق الله، والعزم على عدم العودة، والإكثار من الاستغفار ليل نهار، والصلاة ركعتين توبة لله، والتزام الصالحين والاستعانة بهم على صدق التوبة وصلاح الحال، فما بالنا بمن يروج لهذه الفاحشة ويدعو إليها وينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة على حرمتها وبغض الله تعالى لهذه الفاحشة! وخيرٌ لهذه الأفهام أن تعود إلى استقامتها وتنأى بنفسها والمسلمين عن الوقوع فيما حرم الله تعالى. لمزيد من مقالات د شوقى علام