مع أنه لا يصح إلا الصحيح إلا أن »ثقافة الفهلوة« تغلغلت فى النفوس، وسادت سريان المرض الخبيث وأصبحت البضاعة الرائجة الرابحة فى سوق التعامل بين الناس، حيث غلبت المظهرية الكاذبة والنفاق والسعى وراء المكسب المادى السريع على الاتقان فى العمل ومراعاة قواعد الالتزام والانضباط وحسن السير والسلوك، وكأن شعار هذه الثقافة الزائفة هو تحصيل أكبر مكسب ممكن بأقل مجهود وفى أسرع وقت مما يستدعى اللهث وراء المناصب والسعى إلى الهيمنة والسيطرة فى مواقع متعددة دون أى اعتبار للكفاءة أو الالتزام باحترام القوانين والأعراف، والمبدأ فى هذه الثقافة المخلة والمختلة هو الغاية تبرر الوسيلة، والوسيلة هنا هى الذكاء السطحى الفاشل الذى يستخف بذكاء الآخرين، وهو فى حقيقة الأمر ليس بذكاء، وإنما أشد أنواع الغباء، والمبدأ هنا أيضا هو أن تحصل على ما لا تستحق من الذى هو أحق مع استغلال القدرة على المجاملات «والتربيطات» التى هى فى حقيقة أمرها نوع من الرياء والنفاق وسوء الأخلاق. وللأسف فإن هذه الثقافة تنتشر بالعدوى إلى الآخرين الذين يفتقرون إلى الوعى بحقائق الأمور والثبات الانفعالى وقوة الشخصية والاعتزاز بالكرامة والتمسك بحسن الخلق، وكل ذلك ينعكس فى النهاية على الاداء المرغوب باتقان العمل وكفاءة الإنتاج والعلاقة السوية بين الناس التى تحكمها الشرائع السماوية والقوانين الأخلاقية ..وبالتعمق أكثر فيمن ينهج مثل هذه «الثقافة الفهلاوية» نجده يحسن المظهر بالمبالغة فى القول والفعل على حساب الجوهر الحقيقى الواقعى لقدراته المتواضعة الضعيفة فى العمل والاداء الجيد المتقن وهو يعزز مكانته وسعيه وراء هذا القصد بالمجاملات والتربيطات وإظهار القدرة بحسن الطاعة والتبعية المطلقة لمن يفتح له طريق التسلق والصعود على سلم السيطرة لتحقيق المكاسب. وإننا فى أمس الحاجة إلى اتقان العمل والالتزام، وأن يكون الرجل المناسب فى المكان المناسب، وأن يسود مبدأ تداول مواقع العمل وتدريب الكوادر على تحمل مسئولية السلطة وإعلاء قيمة العمل الجماعى بروح الفريق وإزاحة روح الأنانية والسيطرة والبعد عن الشللية والمحسوبية والمحاباة والتعامل مع أهل القدرة والكفاءة وليس أهل الثقة وإفساح المجال للأجيال الشابة الجديدة للجلوس على كراسى القيادات من أجل ضخ دماء جديدة بروح القوة والحماس وجدية العمل سعيا وراء النهضة المنشودة، ولابد أن يعلم الجميع أن الزبد يذهب جفاء، وأن ما ينفع الناس يمكث فى الأرض. د.يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة