لاشك أن الدعوة إلى الثورة الدينية التى أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى, والتى أكد أنها للدين وليست ضد الدين قد لاقت استجابة واسعة داخليًا وخارجيًا, وألقت بظلالها على مجالات متعددة، فكرية وثقافية وإعلامية وتعليمية. ففى داخل مصر انطلقت استجابات, ومؤتمرات, وندوات, وصالونات ثقافية متعددة, تدرس مفهوم الثورة الدينية, ومفهوم التجديد الذى دعا إليه السيد الرئيس فى أحاديث متعددة, مما يؤكد إحساسه بعمق الأزمة, وأننا فى حاجة ملحة وحقيقية إلى التجديد فى الفهم والرؤية, وليس فى الشكل والقشور. كما ألقت الدعوة بظلالها الوارفة, وآتت أكلها لدى المنتديات الفكرية والثقافية والعلمية والسياسية العالمية. ففى اللقاء الذى جمعنى أمس الخميس بمستشارى وزير الخارجية والداخلية الفرنسيين فى وجود السفير خالد عمران مساعد وزير الخارجية المصرى للشئون الثقافية والدينية, سألنى مستشار وزير الخارجية الفرنسى عن مفهوم الثورة الدينية التى دعا إليها السيد الرئيس, وعن إمكانية تطبيقها على أرض الواقع, فأجبته فى ابتسامة وهدوء: بأن هذه الدعوة التى أطلقها السيد الرئيس أصابت موضعها ووافقت زمانها وأهلها, فتلقيناها على الفور بالقبول والترحاب, وعن قناعة تامة, لأنها وافقت ما كان بالنفس كامنًا, وأعطت إشارة البدء والحركة الدءوب لمشروع فكرى عملاق بدأت بعض تطبيقاته الحقيقية فى المؤتمر الدولى الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية, الذى انتهى فى بحوثه وتوصياته إلى توضيح بعض المصطلحات وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة, وذكرت لهم بعضًا منها, فكان من أكثر ما شد انتباههم وأدهشهم لواقعيته, هو ما أكده المؤتمر من أن استحلال ذبح البشر وحرقهم والتمثيل بهم يعد خروجًا على الإسلام بل على مقتضيات كل الأديان السماوية والقيم الإنسانية, وأن هذه الجماعات إنما هى صنيعة أجندات سياسية تتستر بغطاء الدين زورًا وبهتانًا والدين منها براء, وأن الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف يعملان بقوة على تعرية تلك الجماعات الإرهابية, ورفع أى غطاء أدبى أو شرعى عنها وعن تصرفاتها الهمجية التى تعود بالإنسانية إلى عصور الانحطاط وما قبل التاريخ, وأننا نؤكد بشدة ضرورة عدم توظيف الدين سياسيًا, وأن تكون دور العبادة لعبادة الله، عز وجل، وترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية, وترسيخ فقه العيش المشترك بين البشر جميعًا على أساس المواطنة الكاملة والحقوق المتبادلة, واحترام آدمية الإنسان بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو عرقه أو معتقده. كما شرحت لهم نظرة الإسلام إلى نظام الحكم, وأن الإسلام لم يضع قالبًا جامدًا له, وأن جميع الأحاديث التى سئل فيها النبي، صلى الله عليه وسلم، عن مفهوم الإسلام لم يذكر فى واحد منها شيئًا عن نظام الحكم, لأن الإسلام ترك ذلك مجالا رحبًا فى ضوء ما يحقق العدل, ويمنع الفساد, ويتيح حرية العبادة والمعتقد, ويعمل على تحقيق مصالح الناس, ويؤمن حاجاتهم الأساسية والضرورية, ويعمل على نهضة الأمم ورقيها وتحقيق الأمن والسلام العالمي. وما أن انتهينا من حديثنا حتى حيّا الرجلان هذه الجهود المبذولة, وأكدا أننا أمام مشروع فكرى ضخم عملاق, وأنهما فهما الآن مغزى الثورة الدينية وتجديد الخطاب الدينى الذى يدعو إليه السيد الرئيس, وأكدا أن هذه المشروع يحتاج إلى فريق عمل كبير وأنه سيقدم خدمة عظيمة للإنسانية, وأنهم يدعمون هذه الجهود, ويسعون للإفادة منها, وأنهم شرعوا فى فرنسا قانونًا جديدًا يتيح لوزير الداخلية الفرنسى سحب جواز سفر من يثبت تخطيطه للانضمام إلى داعش أو الجماعات الإرهابية, وأنهم يتفهمون جيدًا ما أشرنا إليه من أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له, وأنه يأكل من يدعمه أو يأويه أو يتستر عليه, وأن الإرهابيين المنضمين إلى داعش أو القاعدة أو غيرها, عندما يضيق الخناق على هذه الجماعات - وقد بدأ يضيق بالفعل- سيرتدون بلا شك على الدول التى قدموا منها, وسيشكلون خطرًا داهمًا على أمنها واستقرارها, ما لم نستبق مجتمعين ذلك وبسرعة شديدة لمحاصرة هذه الجماعات الإرهابية والقضاء عليها. وفى هذا الصدد وفى ضوء حرب المعلومات أكد مستشار وزير الخارجية الفرنسى لشئون الأديان أنهم يعدون مشروعًا سيتقدمون به لمجلس الأمن الدولي, لحظر استخدام مواقع التواصل فى التحريض على العنف والإرهاب, وأنهم يدعمون جهود مصر فى مواجهة الإرهاب سواء على مستوى التعامل الثنائى بين البلدين أم فى المنتديات الدولية. ولم يكن هذا الموقف الفرنسى هو الموقف الدولى الوحيد تجاه دعوة السيد الرئيس إلى الثورة الدينية, إنما هناك مواقف أخرى عديدة ربما نتناولها أو نتناول بعضها فى مقالات أخرى. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة